
حسن البصري
حين كنا صغارا نرابط في محيط الملعب، بحثا عن فرصة للانسلال إلى مدرجات الملعب الشرفي أو ملعب الأب جيكو، في غفلة من “شباكوني” يتأبط بندقيته وعن يمينه “ماطراك” تتمدد على طول فخذه، كنا نتقمص بين الفينة والأخرى دور ابن متفرج يحمل تذكرة، أحيانا يفطن إلينا حارس البوابة وأحيانا تنطلي عليه الحيلة، لكن مهما كانت النتيجة فإننا واثقون من ولوج الملعب في الربع ساعة الأخيرة من المباراة مجانا، فيما يعرف بـ”العباسية”، حين يتبرع المنظمون على من لم تمتلك أيمانهم تذاكر، فنهرول مسرعين للاستمتاع بما تبقى من عمر المباراة.
حين بدأ العمل بالتذاكر الرقمية وببطائق الاشتراك، ألغيت “العباسية” وسقطت من قاموس الإحسان الرياضي، وأصبح الدخول إلى الملعب مجانا مخاطرة وجبنا.
“العباسية” هي نوع من الجود، وغالبا ما يفتتح صاحب مطعم أو حمام أو فرن شعبي مشروعه، بتقديم العباسية، وجعل اليوم الأول يوما للأكل والاستحمام والطهي “فابور”.
يقال والعهدة على المراكشيين إن “العباسية” ترجع لأبي العباس السبتي دفين مراكش، الذي كان عنوانا للتصدق، ومنه جاءتنا عبارة “خبزة سيدي بلعباس”.
لكن مفهوم “العباسية” غير معمول به في ملاعب مراكش، وفرق المدينة لا تستفيد من الحصص التدريبية والمباريات على أرضية ملعب مراكش الجديد، إلا إذا سددت فاتورة من حاسوب لا علم له بجود “سبعة رجال” وكرمهم.
اليوم وفي زمن التذاكر الرقمية، احتل بارونات السوق السوداء المشهد، وأحكموا السيطرة على مداخل الفرجة، وأصبح الحصول على تذكرة رقمية أهم من فوز الفريق.
دخول الكرة دهاليز السوق السوداء، جاء متأخرا إذ سبقه “الخدمة في نوار” بدول أوروبا، والاتجار بالبشر في السوق السوداء، والذي وصفته رواية أسماء ندا بأبشع الأسواق، حتى حين تركب سيارة أجرة “إندرايف” فأنت تعيش من حيث لا تدري عالم مارشي نوار، وقد تجد نفسك أسير “طابا نوار” حين لا يسعفك جيبك لرشف السجائر الأمريكية.
في محاكمة “تذاكر مونديال قطر”، قال دفاع رئيس أولمبيك آسفي:
سيدي القاضي: لا يوجد بيننا في هذه القاعة من لم يشتر تذكرة سفر أو ملعب أو مسرح في السوق السوداء. فهل نحن مجرمون نستحق الوقوف في قفص الاتهام؟
قال القاضي: نحن نتابع هنا بائعي التذاكر المنتفعين من السوق السوداء.
رد الدفاع: لكن أين هو الطرف المتضرر، أين المشتكي سيدي القاضي؟
حضرت الجلسة سيدة قالت محاضر الشرطة إنها اشترت تذاكر مباريات المنتخب بـ”النوار”.
أقسمت بأغلظ الإيمان على قول الحق ولا شيء غيره.
“لقد توصلت بالتذاكر من المتهم الماثل أمامكم مجانا”
همست في أذن رفيقي:
هذه سوق بيضاء إذن، فرد علي بهمس مسموع:
ادخل سوق راسك.
وصفهم فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في اجتماع رسمي بالبؤساء، ومرت الأيام فاستقبل سجن عكاشة أحد البؤساء بتهمة “مارشي نوار”العقار.
بسبب “مارشي نوار” ماتت المشجعة نورا وسط اختناق البوابة، وسجلت القضية ضد “مهبول”.
المغاربة استأنسوا بالسوق السوداء، اكتووا بناره في الصيف الحارق، حين يقتني مواطن “ساندويشا” بثمن مضاعف أو يشتري قنينة ماء بضعف ثمنها، فإنه ينخرط في “المارشي نوار”.
في فصل الصيف، كما في فصل الكرة، تتحمل ارتفاع الأسعار للضرورة الإنسانية، خاصة حين يردد البائع على مسامعك لازمته الصيفية: “عندنا غير هاد الشهر”، فتخفض له جناح الذل من الرحمة وتتحول من سائح عرضي إلى محسن متضامن مع قناص فرص يمثل دور الهارب من الكساد.
يمكن أن نحارب السوق السوداء، بطرق ترويجية عديدة، حين تشتري تذكرتين مثلا تحصل على تذكرة ثالثة مجانا، لتبيعها في “المارشي نوار”.





