حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةفسحة الصيف

العلوي علم باختفاء المهدي بن بركة من سفارة النرويج في الرباط

يونس جنوحي

مضى المغرب، إذن، في حالة الاستثناء يونيو صيف سنة 1965. حُل البرلمان، وأصيبت الساحة السياسية بالجمود، ولم يعد هناك حدث مهم في ما تبقى من تلك السنة، سوى واقعة اختفاء المهدي بن بركة في أكتوبر.

منذ اليوم الذي صدر فيه خبر صدور مذكرات مولاي المهدي العلوي، قبل أربع سنوات، ترقّب الذين يعرفون جيدا المحطات التي عاشها في قلب اليسار المغربي، ما سيقوله عن قضية اختطاف المهدي بن بركة، بحكم أنه كان في قلب تطورات التحقيق في الملف وأحد أبرز الأسماء التي طالبت بكشف الحقيقة.

في يوم اختفاء المهدي بن بركة، (التاسع والعشرون من أكتوبر 1965)، كان العلوي في المغرب، يعيش حدثا عائليا حزينا تمثل في وفاة والده. وقد حكى عن هذه الجزئيات في مذكراته:

«في الذكرى الأربعينية لوفاة والدي، عُدت إلى المغرب، فصادف أن أقمت يوم 29 أكتوبر 1965 حفلا دينيا ترحما على روحه الطاهرة، وهو ما شكل فرصة استعدت من خلالها شريط علاقتي الخاصة بوالدي رحمه الله. كنت أتجول في المكان بنظرات أحاول أن أسترجع فيها طقوسه اليومية مع أهله وأصدقائه، التي كانت تشهدها جنبات البيت؛ ومن بينها جلسات الذكر والقرآن، التي كنا نستمتع بها كل يوم جمعة بعد تقديم طبق الكسكس، الذي تهيئه الوالدة رحمها الله، بمساعدة للا زهور للضيوف في هذا اليوم العظيم.

في لحظة التأمل والاسترجاع هذه، رنّ هاتف البيت لأنتبه إلى من يطلبني للرد على سيدة كانت تعمل في السفارة النرويجية بالرباط، وكانت تجمعها علاقات صداقة بإحدى رفيقات المرحوم التهامي الأزموري، لتخبرني باختطاف المهدي بن بركة في ذلك اليوم من أمام مقهى ليب- Lipp، وكان برفقته، حينها التهامي الأزموري، الذي كان طالبا يتابع دراسته في باريس.

تلقيت الخبر، وزادني ألما على ما أنا فيه من أحزان، إلا أنني اضطررت إلى تجميع قواي، لأتصل بعبد الرحيم بوعبيد وأخبره بما كان من أمر الاختطاف، مرددا ما سمعته من السيدة النرويجية.

في 30 أكتوبر 1965، دعيت لحضور حفل زفاف الأستاذ محمد الصديقي بالدار البيضاء، فكانت الأجواء في فضاءات الاحتفال مفعمة بالمشاعر المتناقضة، التي تخيم عليها أخبار اختطاف المهدي، ذلك أننا أصبحنا نتحدث عن عملية اختطاف وليس عن اعتقال، فقد انقطعت المعلومات عن الرجل المختطف، ولم يكن شقيق المهدي، وهو عبد القادر بن بركة، ولا محمد الطاهري، المتواجدان حينها في العاصمة الفرنسية، يتوفران عما يمكنه أن يقودهما إلى معرفة مصير المهدي.

وقد أدى ذلك إلى نشر الخبر بالخط العريض في أعلى الصفحة الأولى من جريدة «المحرر» يوم 2 نونبر 1965: «اختطاف الأخ المهدي بنبركة.. هل لاختطاف عضو الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية علاقة برئاسته للجنة التحضيرية لمؤتمر شعوب القارات الثلاث بهافانا؟».

كان مولاي المهدي العلوي يتابع قضية الاختفاء -الاختطاف- وتداعياتها، من المغرب. لكن، بطلب من عبد الرحيم بوعبيد، جمع العلوي حقيبته وذهب إلى باريس لتتبع خيوط هذا اللغز.. ولم يكن العلوي يدري أن المسألة كلها سوف تستنزف منه سنوات طويلة، قاربت العقدين من الزمن، كان خلالها قريبا جدا من تطورات ملف اختفاء المهدي بن بركة. يحكي العلوي عن هذا الأمر:

«لهذا الغرض، طلب مني «عبد الرحيم» الاستعداد للسفر إلى فرنسا لتتبع مجريات القضية عن كثب، بحكم علاقتي مع الأوساط السياسية والصحافية بباريس.

وصلت إلى باريس يوم 3 نونبر 1965، فوجدت نفسي في دوامة جديدة عشت خلالها ترحالا دائما جعل مقامي في العاصمة الفرنسية يستمر زهاء 13 سنة.

في اليوم التالي لوصولي، اتصلت بكل من عبد القادر بن بركة والطاهري، لأعرف ما إذا كانا قد اهتديا إلى أي معلومات عن المختطف المهدي، في ظل الجو السياسي المشحون بهذه القضية سياسيا وإعلاميا، مما جعلني أستعيد ما ذكره لي الصحافي «بيرنيي» من أمر استدراج المهدي، فتبين، مع مرور الأيام، أن ذلك لم يكن سوى مجرد تغطية على عمل أكبر كان يُدبر له.

لم أكن أتوفر على رقم هاتف الصحافي «بيرنيي»، ولا أعرف طريقة للاتصال به لاستجلاء الأمر، حتى سمعنا يوما أنه تقدم لقاضي التحقيق للإدلاء بإفادته في الموضوع، قبل أن يتم اعتقاله على ذمة القضية.

في هذه الأثناء، طفا على السطح اسم شخص آخر يدعى فيغون Figon ، وهو في رأيي مجرد نكرة، إذ لم يكن اسمه متداولا، وربما كان يشتغل مع المخابرات. وقد ادعى أنه كان رهن الاعتقال بسبب ميولاته اليسارية المتطرفة، فأدلى بتصريحات لمندوب مجلة ليكسبريس قدم فيها عددا من الإشارات لمن يعتقد أنهم كانوا وراء هذه العملية، وقد فصل في الحديث عن الواقعة بالأسماء والوقائع، وكان سببا، مع ذلك، في إخراجها للعلن وتحويلها لقضية دولة بامتياز. ذلك أنه ذكر بكامل الوضوح أن المخابرات المغربية لعبت دورا أساسيا في أمر الاختطاف زيادة على المخابرات الفرنسية والبوليس الفرنسي الذي قام بالتنفيذ، ولا يجب أن نغفل أن فرنسا كانت في هذه الفترة على أبواب الانتخابات الرئاسية.

لم تكن أحزاب المعارضة واليسار الفرنسي يريدان استغلال هذه القضية لاستجلاب المزيد من الأصوات، إلا أن حضور البوليس الفرنسي والمخابرات في قضية الاختطاف سيضر حتما بسمعة الحكومة القائمة آنذاك، وسيطول الأمر كذلك سمعة الرئيس «شارل دوغول».

وحدث أن الجنرال دوغول، حينما توصل بتلغراف من أم المختطف المهدي تطالبه بإنقاذ ابنها من مخالب مختطفيه ومعرفة الحقيقة كاملة، أولى القضية أهمية قصوى تجلت في تصريحاته العديدة في المجلس الحكومي وفي تحركاته في هذا الشأن، مما جعلنا أكثر تفاؤلا لمعرفة الحقيقة بحكم تدخل رئيس الدولة. المهم من هذا وذاك أن الرئيس الفرنسي كتب جوابا يتعهد فيه بالبحث عن مصير بن بركة، وعلم في ما بعد أن ذلك الجواب مر من القنوات الدبلوماسية، فزمجر وطلب أن تسلم الرسالة مباشرة إلى «ماما فطومة»، والدة بن بركة (نوفيل أوبسرفاتور.8 – 2 فبراير 1966)».

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى