العلوي: التقيتُ ولي العهد في باريس ونفى إشاعات معارضته حكومة عبد الله ابراهيم

يونس جنوحي
باريس لم تكن مجرد مدينة “حالمة”، احتضنت الشاب مولاي المهدي العلوي في خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي، وإنما كانت مدرسة متكاملة، صقل فيها جوانب مهمة من شخصيته السياسية.
يقول العلوي في مذكراته: “في باريس، كانت قناعتنا جميعا أن دورنا لم يكن هو التحسيس بتوجهات قضيتنا الوطنية فقط، وما أخذته من أبعاد اقترنت بمرحلة نفي السلطان محمد الخامس وما بعدها، كسفراء حقيقيين لبلادنا، كما وصفنا بذلك ولي العهد الأمير مولاي الحسن آنذاك، بل قُدر لنا أن نشكل طليعة الأطر التي ستعود فيما بعد للمساهمة في بناء البلد، كل واحد في مجال تخصصه”.
ولندع مولاي المهدي العلوي يحكي هنا عن واحدة من أهم التجارب التي عاشها في باريس، والتي قادته إلى اللقاء مع ولي العهد الأمير مولاي الحسن، سنتين فقط قبل أن يصبح ملكا للمغرب:
“وعلى ذكر ولي العهد، فقد كان لي لقاء معه وجها لوجه، في أواخر العام 1960 في باريس؛ وهو اللقاء الذي رتبه الأمير مولاي علي الذي قدِم إلى الحي الجامعي للطلبة بزنقة المدارس Rue des Ecoles، وأرسل من يبحث عني في غرفتي، ناقلا إليّ بأن “سميت سيدي” (وهو اللقب الذي يُعرف به ولي العهد في القصر) موجود بباريس ويريد مقابلتي.
وكان لولي العهد، فيما نعرفه، دور بارز في مؤازرة والده السلطان في مختلف مراحل المحنة التي مرت بها العائلة الملكية، وكان خير سند لوالده، في أشواط مفاوضات الاستقلال المختلفة، قريبا من كل الملفات، بما فيها تلك التي كانت تهم مرحلة ما بعد الاستقلال.
ركبت سيارة الأمير “مولاي علي”، واتجهنا صوب مقر إقامة سمو ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وكان عبارة عن فيلا تم تجهيزها بالديكورات والأثاث على الطريقة المغربية الأصيلة، وبما يتطلبه ذلك من الطقوس والعادات المعروفة في الإقامات الملكية، وكذا مراسيم الاستقبال التي يؤمنها حُجَّاب خاصون يعرفون في القصور باسم “مخازني”.
دلفتُ إلى الإقامة ورائحة البخور تلفني من كل مكان، ثم ما لبثتْ أن تبددت سحائب الدخان مع قدوم مولاي الحسن والابتسامة تعلو مُحياه وهو يدعوني للجلوس أمامه على أريكة قبل أن يُقدم لي شرابا ويسألني عن أحوالي، ثم يُبادر إلى الإشادة بما سمعه عن نشاطي الطلاب والوطني، مُستعرضا في ذلك عددا من التفاصيل التي فوجئت من إلمام الأمير شكرتُ سمو الأمير على شهادته حول ما وُفِّقْنا إليه نحن الطلبة المغاربة في خدمة بلادنا، وعلى الخصوص ما ذكره من أحداث عادت بنا إلى الوراء حول ما عشناه جميعا من ظروف صعبة خلال فورة التضامن العارم مع الأسرة الملكية في محنة المنفى في غشت 1953، والثمن الذي دفعه بعضنا للدفاع عن مقدساتنا، والذود عن حِمَى وطننا إبَّان المظاهرات العارمة التي عَمَّت البلاد، ومنها المظاهرة التي قُدتُها، مع بعض زملائي، في مدينة سلا.
وأنا أستمع لإطراء الأمير مولاي الحسن، فهمت دعوته المبطنة لي، بكيفية أو بأخرى، للاشتغال في محيطه، لاسيما بعد ما سمعتُه منه من مواقف تُفيد نفيه لكل ما يروج عن معارضته للحكومة ووقوفه في وجه سياسات عبد اللّٰه ابراهيم، في الوقت الذي كان يتساءل عن مقومات “الشخصية” التي يتعين أن تتوفر عليها البلاد، وما إذا كان من الحكمة اعتماد نوع من التدرج في الإصلاح أمام ما يفرضه الواقع من تحديات، ليس أقلها شأنا غياب الأطر المغربية القادرة على تحمل المسؤولية في دوائر القرار، في ظل تحكم الفرنسيين في دواليب الدولة وسيطرتهم على الاقتصاد.
وكان ردي على الأمير واضحا حينها، بأنه يمكن حل مسألة نقص الأطر المغربية، بالاعتماد على كفاءات يمكن جلبها من دول أخرى، والاستفادة من خبراتها وتجاربها لفترة معينة، وفك الارتباط بذلك مع كل ما يمكن أن يرسخ تبعية البلاد لفرنسا، لا سيما وأن الأمير ذكر لي موقفه، غير المعارض لخطط الحكومة، ومعرفته بالسي عبد الرحيم بوعبيد
وبصدق نواياه في خدمة بلده.
اقترحت على ولي العهد مولاي الحسن أن أنقل ما دار بيننا إلى عدد من ممثلي الطلبة في باريس، والاستماع إلى آرائهم بخصوص القضايا التي تستأثر باهتمامهم. والحق أني فُوجئتُ بردة فعله، وبحالة الاندهاش التي ارتسمت على مُحياه، بعد سماعه للمقترح”.





