حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الكساد الحزبي

عوض مواكبة التحولات العالمية والمجتمعية، واستيعاب السنن الكونية في التغيير، وتمكين الشباب من المشاركة في صناعة القرار السياسي، والتدرب على تحمل المسؤولية، يعيش المشهد الحزبي في المغرب حالة من التيه والعجز والكساد السياسي والتنظيمي، تتمثل في مؤشرات سلبية تبعث بها القيادات الحزبية، وممارسات كارثية تضرب في العمق قيم الديمقراطية الداخلية، وتُفرغ العمل الحزبي من جوهره كمؤسسة تقوم على التأطير وإنتاج النُّخب وصناعة رجال الدولة، والقدرة على تمثيل المواطنين والدفاع عن مصالحهم، وتجويد الخدمات العمومية.

لقد أحيانا الله، في زمن التفاهة والبلطجة السياسية، حتى أصبحنا نعاين بعض القيادات الحزبية، التي تقود أحزابا تاريخية، مشهود لها بالمساهمة في خلخلة المشهد السياسي وتحريكه لإنتاج أفضل ما يمكن لتدبير الشأن العام، تُعدل القوانين الداخلية على المقاس وترقص فرحا بذلك، والهدف ليس تكريس المزيد من الديمقراطية الداخلية، ولكن الاستمرار في منصب الأمانة العامة لولايات متكررة، مع تقريب الموالين وتوزيع المناصب والمكاسب، مقابل تهميش كل صوت معارض، مهما كانت تجربته في العمل الحزبي والسياسي، وعزل الكفاءات التي ترفض منطق الولاء الأعمى.

إن المتابع للشأن الحزبي بالمغرب يصاب بالدوار وهو يعاين الرسائل السلبية، التي تبعث بها إلى فئة الشباب قيادات حزبية شاخت في المنصب، ما يُعمق أزمة الثقة في الأحزاب، ويدفع الكثيرين إلى العزوف عن العمل السياسي، لأنهم يرون كيف تحاول قيادات تسجيل أحزاب في أسماء العائلات والمقربين، فكيف يكون الحال عند توزيع المناصب والتزكيات والمقاعد البرلمانية والمناصب الوزارية.

من المؤسف جدا تحويل بعض الأحزاب التاريخية إلى ما يشبه ضيعات خاصة، تتم إدارتها بمنطق الهيمنة والبلطجة التنظيمية، حيث تتم صناعة الدعم لشخص الزعيم من خلال التحكم في المؤتمرات والهياكل المحلية والإقليمية والجهوية، خاصة وأن مصالح المنتفعين ترتبط باستمرار زعماء من ورق في موقع القيادة.

وأخطر من كل ما سبق ذكره أن بعض القيادات الحزبية تستعرض عضلات الإجماع وترفع الشعارات البراقة، وأبرزها المساهمة في تسريع الإصلاح، في حين واقع الحال يشير إلى الهروب من حقيقة كونها تغرد خارج السرب الوطني، وتغيب عن النقاشات الحقيقية المرتبطة بالمشاريع الكبرى للمملكة والإكراهات والمعيقات التي يجب تجاوزها، كما يساهم الفساد الحزبي في عرقلة رهان التغيير والتشبيب، ويحرم البلاد من طاقات وكفاءات قادرة على المساهمة في التنمية.

إن إعادة الاعتبار للعمل الحزبي في هذه المرحلة ليست ترفا، لأنه من دون أحزاب قوية لا تمكن المساهمة في تحقيق الأهداف التنموية المطلوبة، وإصلاح الأحزاب يأتي من خلال تفعيل الرقابة الداخلية، وتفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل التنظيمات، وتشجيع التداول الديمقراطي على الزعامة، لأن الفساد الحزبي هو أول عتبات فشل الديمقراطية.

إن الكساد الحزبي لا يأتي منه خير، والديمقراطية ليست ديكورا لتأثيث التنظيمات الحزبية، أو شعارات تُرفع للاستهلاك الظرفي، أو التغطية على الديكتاتورية الحزبية البشعة، بل يتطلب الأمر العودة لقيام الأحزاب بمهام التأطير وتكريس الديمقراطية الداخلية والانطلاق من الميدان، والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، وتقديم مؤشرات إيجابية لاستقطاب الشباب وإعادة الثقة للعمل السياسي، وهذا واجب القيادات الحزبية ومسؤولية الجميع، وإلا أصبحت هذه الأحزاب عبئا على الدولة وصورة أخرى للفساد وهدر المال العام.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى