شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

المغرب والعراق حكاية علاقة في طور التحديث 

حقبة سياسية جديدة بين الرباط وبغداد

توقف عداد العلاقات المغربية العراقية سنة 2006، جراء اختطاف فرع القاعدة العراقي لاثنين من الموظفين بالهيئة الدبلوماسية المغربية. غير أن الخارجية المغربية أنهت حالة الجمود الدبلوماسي بين البلدين، الذي دام لأكثر من عقد ونصف، حين أعلن وزير الخارجية ناصر بوريطة، بحضور نظيره العراقي فؤاد حسين، عن فتح السفارة المغربية وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وبغداد بعد برود دبلوماسي، بعدما أغلقت سفارة الرباط في بغداد أبوابها عام 2005، حيث تم نقل السفارة إلى عمان.

على امتداد التاريخ المعاصر، لم تكن العلاقات المغربية العراقية دائما على ما يرام، حيث تعرضت خلال عقود لقانون المد والجزر، بحسب طبيعة السياق العربي والرهانات الجيواستراتيجية. لكن هذه العلاقة رغم الارتدادات التي تعرضت لها ظلت ضاربة في التاريخ، حيث لن ينسى المغرب أن العراق يعد من أول الدول التي اعترفت باستقلالنا، وعبرت عن ذلك فعليا ببعث أول سفير عراقي للمغرب في 1958. كما أن العراق لن تنسى المواقف المشرفة للمغرب بخصوص الحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه.

قضى وزير الخارجية المغربي 24 ساعة في بغداد، كانت كافية لتحقيق الأهداف الدبلوماسية على الأقل في مجالات ذات طابع استراتيجي، أبرزها استصدار موقف دبلوماسي رسمي من السلطات العراقية يدعم الوحدة الترابية للمغرب وجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل نهائي بشأن قضية الصحراء المغربية دون المساس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية. لكن الحدث الأبرز هو قرار إعادة افتتاح السفارة المغربية في بغداد، ما سيعيد الدفء السياسي والاقتصادي لعلاقة العراق بالمغرب، وسيحاصر المد الإيراني.

في هذا الملف إعادة لترتيب العلاقات العراقية الإيرانية، ومسح لطبقات الغبار التي غمرتها.

 

حسن البصري

 

فتح سفارة المغرب في العراق بعد إغلاق دام 18 سنة

اجتمع ناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون والمغاربة المقيمين بالخارج، بنظيره العراقي فؤاد حسين، وفي ظرف زمني وجيز تم طي صفحة الخلاف وأكد ناصر لنظيره العراقي دعم المغرب لوحدة وسيادة العراق، وقال في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء العراقية: «هذه الزيارة تعكس رؤية المملكة في تعزيز العلاقات بين البلدين في جميع المجالات التجارية والاقتصادية وتبادل الزيارات والخبرات بين الطرفين ومحاربة التطرف وتعزيز التعاون الأمني».

من جانبه، أكد فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، أن «بلاده تدعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية» وأن «علاقة العراق مع المغرب ستشهد جيلا جديدا من التفاعل الدبلوماسي. إن مباحثاتنا شملت عددا من الملفات، أبرزها تعزيز العلاقات بين البلدين، وتبادل تسهيل دخول العراقيين ورجال الأعمال في البداية، وتأسيس العلاقات التجارية والاقتصادية، وتبادل الاستشارات بالقضايا السياسية بين البلدين».

وحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية، فقد جرت مباحثات معمقة بين وزير الخارجية المغربي ونظيره العراقي، إذ تم الاتفاق على انعقاد اللجنة العراقية المغربية المشتركة وتعميق التشاور السياسي وإيجاد آليات منفتحة لتأكيد حركية دبلوماسية البلدين وعبر آلية التشاور.

وجاءت زيارة بوريطة إلى العراق بعد توصل المملكة بست دعوات موجهة لوزير الخارجية المغربي للقيام بزيارة رسمية، كما تقدم العراق، في أكثر من مناسبة، وبشكل رسمي، بطلب عودة السفارة المغربية للاشتغال من بغداد، بعد نقلها انطلاقا من 2005 إلى عمان.

ويسعى الطرفان من خلال مذكرة التفاهم بشأن إحداث آلية للمشاورات السياسية إلى عقد محادثات ومشاورات بطريقة منتظمة على المستوى الوزاري وكذا على مستوى كبار المسؤولين، وذلك لمناقشة جميع أوجه علاقتهما الثنائية وتبادل وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.

اعترف وزير الخارجية العراقي في مؤتمر صحفي، بالدور الهام الذي تضطلع به المملكة المغربية على الساحة السياسية والاقتصادية وخاصة في القارة الإفريقية، مسجلا أهمية بناء علاقات بين البلدين على أسس متينة وقوية.

من جانبه، قال بوريطة إن زيارته هي بمثابة إشارة قوية على عمق العلاقات بين البلدين وتصادف 65 سنة على فتح سفارة العراق بالمغرب. مضيفا أن الزيارة «تعكس رؤية الملك محمد السادس لتعزيز العلاقات الثنائية المغربية العراقية في كل المجالات، وتأتي لتؤكد أن المغرب ظل دائما وسيظل داعما لخيارات الشعب العراقي ومؤسساته الوطنية ويشدد على ضمان احترام سيادة ووحدة العراق واستقراره وتأييد المملكة لجميع الإجراءات التي تتخذها السلطات العراقية في هذا الاتجاه».

حين أعدم تنظيم القاعدة العلاقات المغربية العراقية

في العشرين من أكتوبر 2006، فقد عبد الرحيم بوعلام وزميله عبد الكريم المحافظي، العاملان في السفارة المغربية بالعراق، الاتصال بالسفارة وبعائلاتهما وظل هاتف كل منهما خارج التغطية، قبل أن يتبنى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، بعد ستة أيام عن اختفاء سائق السفارة وعامل الصيانة، عملية خطفهما، بعدما قام بعملية مماثلة خلال السنة نفسها استهدفت دبلوماسيين جزائريين والقائم بالأعمال المصري.

كان عبد الرحيم بوعلام يشغل مهمة سائق بالسفارة بينما كان عبد الكريم المحافظي مكلفا بالصيانة العامة، وعرفا على امتداد مسارهما المهني بالانضباط والإخلاص في العمل.

ومنذ اختطاف عبد الكريم المحافظي وعبد الرحيم بوعلام، وتنفيذا للتعليمات السامية للملك محمد السادس، توجه وفد مغربي رفيع المستوى إلى العاصمة الأردنية من أجل القيام بالمساعي الضرورية والمساهمة في الجهود المبذولة من أجل إيجاد حل لهذه القضية.

وبمجرد وصوله إلى عمان، أجرى الوفد المغربي العديد من الاتصالات الرسمية مع مختلف الحساسيات السياسية والدينية والأمنية والإعلامية وكذا مع أشخاص مقربين أو لديهم علاقات وثيقة مع الأوساط السلفية الجهادية في بلدان منطقة الشرق الأوسط.

فشلت كل الجهود الدبلوماسية التي باشرها المغرب من أجل إنقاذ الرهينتين عبد الرحيم وعبد الكريم من القتل، سيما وأن المغرب تلقى بذهول إعلان جماعة أبو مصعب الزرقاوي قرارها قتل الرهينتين المغربيين المخطوفين من الحدود العراقية الأردنية، عندما غادرا بغداد على متن سيارة دبلوماسية للحصول على شيكي أجريهما من الأردن.

حين أيقنت وزارة الخارجية والتعاون المغربية بأن الزرقاوي مصمم على تصفية الرجلين، اكتفت ببيان قالت فيه: «علمت بذهول بما أعلنه الجناح العراقي لتنظيم القاعدة، ونندد أشد ما يكون التنديد بهذه التصرفات الهمجية والمخزية التي تتناقض تمام التناقض مع التعاليم الإسلامية السمحة وتتعارض مع القيم الإنسانية الأساسية».

وكانت مجموعة زياد الكربولي ممثل القاعدة في بلاد الرافدين، قد اختطفت الدبلوماسيين المغربيين وسلمتهما لأبي مصعب الزرقاوي الذي قتلهما، مبررا التصفية بعدم إصغاء الدبلوماسية المغربية لنداء تنظيم القاعدة في العراق الذي دعا فيه «جميع الدبلوماسيين الأجانب إلى مغادرة العراق أو مواجهة الموت». وقال البيان الذي تلي قبل نحر المغربيين: «نجدد الإنذار لمن أصر مما يسمى بالبعثات الدبلوماسية على البقاء في بغداد. وخاصة بعثات الدول التي أعلنت من قبل تعهدها التعاون مع حكومة الردة المنصبة من قبل الصليبيين الغزاة».

بعد سنة عن التصفية، أصدرت محكمة أمن الدولة الأردنية قرارا يقضي بإنزال عقوبة الإعدام شنقا في حق العراقي زياد الكربولي، مسؤول تنظيم مجموعة «التوحيد والجهاد» بعد إدانته بالقيام بأعمال إرهابية أفضت إلى اعتقال الدبلوماسيين المغربيين.

ويذكر أن بوعلام والمحافظي متزوجان من مواطنتين عراقيتين، وعاشا لأزيد من عشرين عاما في العراق، إذ عمل بوعلام في السفارة المغربية في بغداد منذ عام 2002 كسائق، والمحافظي في القنصلية المغربية منذ 1993 كعامل صيانة.

وساطة الحسن الثاني وصدام لمصالحة بين القذافي ومبارك

كانت العلاقات السياسية بين المغرب والعراق تعيش على إيقاع المد والجزر، قبل أن يتسلل إليها الفتور بعدما قام صدام حسين باحتلال الكويت سنة 1990، وبلغ الفتور ذروته حين تحولت العراق إلى أرض استقطاب للجهاديين.

تسلم صدام حسين رئاسة الجمهورية العراقية سنة 1979، وأقام علاقات جيدة مع الملك المغربي الحسن الثاني، رغم أن هذا الأخير كان ينزعج من محاولات النظام العراقي اختراق المملكة الشريفة ونشر دعوة حزب البعث في أقصى غرب الأمة العربية، من خلال نسج علاقات مميزة مع الأحزاب السياسية المغربية ودعوتها لحضور مهرجانات العراق التي لا تحصى.

قال وزير خارجية صدام حسين إنه زار الحسن الثاني في قصره بالصخيرات لمنحه دعوة حضور قمة عربية ببغداد، لكنه فرجئ بالملك يتحدث عن شخصية صدام أكثر من الحديث عن الوضع العربي، وكشف موفد الرئيس العراقي في حديث صحفي مع قناة الجزيرة، عن شهادة جريئة للحسن الثاني في حق صدام. «قال لي ملك المغرب في قصره وبحضور وزير خارجيته بوستة، إن صدام حين يحضر مؤتمرا عربيا أشعر وكأن الطير على رؤوس المؤتمرين»، معترفا بأنه كان يفرض هيبته عليهم.

والتقى الحسن الثاني بصدام حسين على هامش مؤتمر القمة العربية سنة 1982، حيث عقدا أكثر من لقاء، بل إنهما تدارسا إمكانية نزع فتيل الصراع بين القادة العرب قبل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر. واقترح الملك على الرئيس العراقي حل النزاع القائم بين العقيد معمر القذافي والرئيس المصري حسني مبارك بوضعهما وجها لوجه في غرفة وإغلاق الباب، وهو ما حصل أمام هيستيريا ضحك من صدام، الذي طالب باستنفار أفراد حراسة جاهزين للتدخل حين يخفت صوت الرجلين، قبل أن يلتمس الحسن الثاني من الرئيس العراقي إنهاء نزاعه مع الرئيس السوري حافظ الأسد. كان رد صدام مثيرا للسخرية وهو يرد على ملتمس الحسن الثاني، حيث قال: «هل هناك أسد في هذه القمة»؟

يقول الصحفي محمد ذو الرشاد في نبشه لذاكرة مؤتمر القمة العربية سنة 1982، ومواكبته لمحطة مفصلية في تاريخ العرب، إنه شاهد المرحوم الحسن الثاني وهو يحاول تلطيف الأجواء المشحونة بين قادة الدول العربية، وعلى رأسها العداوة الصارخة التي كانت بين صدام حسين وحافظ الأسد، بسبب خلافات حدودية وعقائدية وسياسية.

وسرد الدبلوماسي السعودي غازي بن عبد الرحمن القصيبي، في مذكراته عددا من المواقف المثيرة في قمة فاس سنة 1982، التي اعترفت فيها الدول العربية ضمنيا بوجود إسرائيل، ووفقا لما كتبه القصيبي فقد تبادل الرئيسان العراقي صدام حسين والسوري حافظ الأسد التهم بالاغتيالات والتفجيرات، عندما رفض الأسد تقديم الدعم لصدام في حربه مع إيران، وأضاف أن ملك المغرب كان إطفائي القمة.

الحسن الثاني ينظم رحلة صيد لصدام حسين

في منتصف الستينيات من القرن الماضي، حل بالمغرب صدام حسين، بصفته الرجل الثاني في العراق، بعد الرئيس أحمد حسن البكر. كان الهدف من الزيارة أن ينقل صدام حسين رسالة ودية من الرئيس، الذي لقبه العراقيون بعد وصول صدام إلى السلطة بـ «الرجل الأخير الذي مشى خلفه صدام».

عندما حل صدام حسين في الرباط، استقبله الأمير مولاي عبد الله، ولم تكن الزيارة تحظى بطابع رسمي، بل كانت زيارة ودية، قضى خلالها صدام حسين بضعة أيام في ضيافة الملك الراحل الحسن الثاني، حيث نظم له رحلة صيد وجولة في بعض المدن المغربية التاريخية، قبل أن يستقبله الملك الحسن الثاني في نهاية الجولة في حفل عشاء ويحمله رسالة شفهية إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر.

بعد تلك الزيارة بسنوات، صار صدام حسين رئيسا للعراق، وكتبت عنه الصحف العربية مع التلميح إلى الطريقة المريبة التي صفى بها معارضيه ليخلو له الطريق نحو القصر الجمهوري.

وصول صدام حسين إلى السلطة نتجت عنه قرارات أثرت في بعض الدول العربية، خصوصا وأنه تفاوض مع الرئيس السوري حافظ الأسد والعقيد القذافي حول طموحات مشتركة، سيما وأن القومية والاشتراكية كانت تجمع الثلاثة، وكان طبيعيا أن يختاروا التصويب نحو المغرب. رغم أن صدام حسين حاول في مرات كثيرة أن يظهر الصداقة للملك الحسن الثاني، لكنه في مناسبات أخرى انساق وراء هواري بومدين وحافظ الأسد. ونسوا جميعا في لقاء جمع الثلاثة بالإضافة إلى العقيد القذافي، أن المغرب كان في طليعة الدول العربية التي أرسلت قواتها لتشارك في الحرب العربية ضد إسرائيل.

عندما تدخلت القوات الأمريكية وفرضت عقوبات على العراق بسبب اجتياح صدام للكويت مع بداية التسعينيات، كان صدام حسين قد أحرق جل أوراقه مع أصدقاء الأمس. لكن الملك الراحل الحسن الثاني قاد قمما عربية ولقاءات بين الرؤساء والزعماء العرب، حلوا بالرباط في أكثر من مناسبة، وكان الملك الحسن الثاني دائما يحاول الحفاظ على الخيط الناظم في العلاقة التي جمعته بالرئيس العراقي صدام حسين، وظهر في الأخير بعد رحيل الملك الحسن الثاني، أن طموح صدام حسين كان قاتلا بالفعل، وكلفه حياته.

عبد الغني الدلي.. أول سفير شيعي يعين في الرباط ويدفن فيها

كان العراق من أشد المدافعين عن القضية الوطنية، بل إن محمد فاضل الجمالي ممثله في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض قضية المغرب وتونس على جدول أعمال اجتماعات الجمعية العامة وحركة عدم الانحياز للمطالبة باستقلالهما. وبعد استقلال المغرب سنة 1956، أعلن العراق اعترافه بالمملكة المغربية وقام بتعيين أول سفير عراقي وعربي في المغرب، وهو عبد الغني الدلي، ويعد رابع سفير في المغرب بعد سفراء إسبانيا وبريطانيا وبلجيكا وأول سفير شيعي في المغرب. كان أول من افتتح السفارة العراقية بالرباط سنة 1956، وبعد تقاعده استقر الدلي بالرباط ومات ودفن بها سنة 2010.

حين قام الملك المغربي محمد الخامس بزيارة العراق رافقه عبد الغني، وتحول إلى مستشاره الشخصي، خاصة وأن السفير كان عنصرا أساسيا في القصر العراقي خلال العهد الملكي، أثناء الزيارة التي حصلت سنة 1960، التقى العاهل المغربي بقادة العراق كرئيس مجلس السيادة نجيب الربيعي والزعيم عبد الكريم قاسم.

لعب عبد الغني الدلي، دورا كبيرا في تعزيز العلاقات المغربية العراقية واختار بعد تقاعده الاستقرار في الرباط، وخلال فترة تعيينه أصبح مغربيا يجيد اللهجة الدارج.

في كتاب «عبد الغني الدلي ودوره السياسي والاقتصادي في العراق»، للكاتب بشير غالب شبل، نتوقف عن كثير من المحطات لهذا الرجل الذي تصفه الكتابات العراقية بـ»المعتدل»، بل إنه من بين السفراء غزيري الكتابة، وهو الحامل لشهادة الماجستير من لندن وعودته سنة 1945، لذا كان من الطبيعي أن يصبح أديبا دبلوماسيا.

خلال مقامه في الرباط حرص على أن تدرس ابنته علياء الأدب العربي في جامعة محمد الخامس، قبل أن تواصل دراستها في في أوربا لتصبح مديرة إقليمية لمنظمة قرى الأطفال المسعفين على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط. علما أن والدها السفير قد أصبح بعد اعتزاله أستاذا للعلوم الاقتصادية في كلية الحقوق بالجامعة نفسها.

يجمع رفاقه من السلك الدبلوماسي ومن الهيئة التعليمية العليا، بأن الأستاذ الدلي «كان مثقفا واسع الاطلاع ويتمتع بحس الفكاهة الراقي. سأله أحد الأساتذة العراقيين، وكان يدرس ابنته في الرباط، عن سر الحياة المديدة التي يتمتع بها وصديقه الدكتور فاضل الجمالي، فأجاب جادا، بأن الفضل يعود إلى الله وإلى جهله بقيادة السيارة».

حسين يروي تفاصيل أول زيارة لمحمد الخامس لبغداد

في مذكراته التي اختار لها كعنوان: «أوراق صحفي عراقي»، يستحضر الصحفي العراقي المعروف محسن حسين تجربته الصحفية الطويلة التي فاقت الستين عاما، توزعت بين عدة صحف عراقية إلى جانب تأسيسه لوكالة الأنباء العراقية.

يسلط الكتاب الضوء على مواقف متباينة في مسيرة الصحفي محسن حسين في علاقته بالمغرب، ويروي ذكرياته مع الملك محمد الخامس سنة 1960 حين زار محمد الخامس العراق على رأس وفد رفيع المستوى يتكون من ولي عهده الحسن الثاني.

«في مطار بغداد استقبل بكل حفاوة وتقدير من قبل الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقيادة العليا للجيش. لقد أطلق عبد الكريم على الملك لقب الملك الشعبي الذي قبله بكل حب وامتنان، وذلك تعبيرا وتميزا لجلالة الملك عن غيره من الملوك، ونظرا للدور النضالي الحر والشريف الذي قاده من أجل استقلال المغرب. شملت زيارة الملك الشعبي محمد الخامس زيارات للعديد من الكليات والمعاهد العسكرية الراقية في العراق ومنها الكلية العسكرية وكلية الأركان كما أهديت له مجموعة من الأسلحة». يقول حسين في رصده لتاريخ الزيارة وظروفها.

بعد هذه الزيارة، أهدى عبد الكريم قاسم للشعب والجيش والملك المغربي سربا من أحدث أسراب الطائرات العصرية المقاتلة التي وصلت العراق من الاتحاد السوفيتي، مع استعداد القوة الجوية العراقية للقيام بتدريب طياري سلاح الجو المغربي عليها.

وصلت الطائرات العراقية للمغرب وعندها طلب العاهل المغربي الملك محمد الخامس من الجانب الأمريكي إخلاء القواعد الأمريكية من الأراضي المغربية، وفعلا تم إخلاء القواعد الجوية الأمريكية من الأراضي المغربية. إحدى هذه الطائرة معروضة كنصب تذكاري قرب مطار سلا العسكري.

الحيدري.. شاعر عراقي حملت حدائق أصيلة اسمه

قال الأديب العراقي رشيد الخيون في مذكراته: «ما كنت أتوقع أن أجد حديقة بمدينة أصيلة الثقافية بالمغرب باسم الشاعر العراقي بلند الحيدري، تزرع له حديقة باسمه قبل أن يكون له اسم أو أثر ببغداد، وهو الكردي البغدادي المولد والنشأة، بينما ضجت بغداد بأسماء أهل المدن الأُخرى، من أهل السلطة بطبيعة الحال، أو قادة الأحزاب والجماعات، ذلك أن تبغدد بغداد الأول ما كان إلا بمثقفيها، من أُدبائها وشعرائها وفنانيها».

كان الشاعر العراقي بلند الحيدري حريصا على حضور موسم أصيلة الثقافي، مطالبا بإحداث جائزة للشعراء الشباب يكون منبتها أصيلة التي شكلت وطنه اللانهائي بعد أن احترق بلهيب الاغتراب والمنفى، وحين توفي قررت مؤسسة منتدى أصيلة تحقيق أمنيته، وأصبح للمبدعين الشباب جائزة يتبارون حولها أطلق عليها اسم «جائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب». كما تقرر إطلاق اسمه على إحدى الحدائق الشاعرية» للمدينة».

ولد بلند الحيدري، عام 1926 ببغداد، عاش حياة قاسية بسبب تفكك عائلي، إثر انفصال والديه، ورحيل والدته، وتشرده وهو في السادسة عشرة من عمره، ونومه صحبة الشاعر حسين مردان على أرصفة بغداد وتحت جسورها، ثم تعرفه على الفنان جواد سليم، وتأسيسهما «جماعة الوقت الضائع»، ثم تعرفه على رفيقة عمره التشكيلية دلال المفتي، وزواجه منها، وصولا إلى ثالث أيام انقلاب 8 فبراير 1963، حيث اقتحم زوار الفجر منزل بلند، واعتقلوه وعذبوه بتهمة الشيوعية.

كان يفكر في اللجوء الثقافي إلى المغرب قبل أن يستقر الرأي على لبنان، خاصة وأنه كان محكوما بالإعدام، وفي بيروت أصدر أشهر دواوينه. وقالت الكاتبة تهاني فجر إن بلند عاش «رحلة تيه الشاعر وغربته، الذي يغادر بيروت مع اندلاع الحرب إلى اليونان، ثم يعود رفقة زوجته إلى بيروت ثم إلى دمشق، ليعود إلى بغداد التي قضى فيها ثلاثة أعوام وفيها قرر اعتزال الشعر «حفاظا على كرامته»، كما يقول. ظل الرجل يتردد على مدينة أصيلة التي عشقها وأصر على أن يقول فيها شعرا كما قاله في بيروت، إلى أن لقي ربه في إنجلترا.

كان من الشاعر من أبرز أصدقاء هذا المهرجان، منذ تأسيسه. وقد أكد الأمين العام لمنتدى أصيلة ومؤسسه محمد بنعيسى، أن الراحل بلند الحيدري هو من حثه على إحداث جائزة للشعراء الشباب، وقد تحقق ذلك بعد سنوات من رحيله، وقال بنعيسى في كلمته: «هذه اللحظة هي لحظة تعبير عن الوفاء لواحد من الذين ساهموا بأفكارهم وكتاباتهم في موسم أصيلة الثقافي».

 

سفراء كرة القدم المغربية في العراق

ظل الاتحاد العراقي لكرة القدم يطالب بعودة اللاعب لؤي إلى منتخب بلاد الرافدين، ووصل الأمر إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» الذي حسم الجدل بشأن أحقية لاعب عراقي مغترب لتمثيل منتخب بلاده. علما أنه يحمل الجنسيتين العراقية والمغربية فوالده عراقي وأمه قنيطرية.

وكان الاتحاد العراقي قد تقدم بطلب رسمي إلى نظيريه المغربي والدولي، بشأن نقل أوراق اللاعب لؤي الهاني إلى كشوفات الاتحاد العراقي، مما أدى إلى حرمان اللاعب من تمثيل المنتخب الأولمبي العراقي في نهائيات آسيا تحت 23 عاما، قبل أن تؤيد «فيفا» الطرح العراقي.

وهناك لاعبون مغاربة يمارسون في الدوري العراقي حيث يضم فريق الزوراء العراقي لكرة القدم في صفوفه المغربي حمزة الصنهاجي، وهو لاعب ابن مدرسة الوداد وقادم من الأهلي البحريني، ليصبح رابع لاعب مغربي بالدوري العراقي بعد كل من سفيان طلال وزكرياء الإسماعيلي، وعمر المنصوري، وهؤلاء الثلاثة سبق لهم أن حملوا قميص الرجاء البيضاوي قبل أن يختاروا الاغتراب.

وعلى صعيد المدربين منحت العراق الجنسية العراقية للمدرب جوفان فييرا الذي يعيش في المغرب، بعد أن درب المنتخب العراقي وحصل معه على كأس آسيا، علما أن فييرا كان مساعدا للمدرب جوزيه فاريا في الجيش الملكي والمنتخب المغربي.

جورفان فييرا كائن متعدد الجنسيات، فهو من أم برازيلية وأب برتغالي، يحمل جنسية كل من البرازيل والبرتغال والمغرب، بالإضافة إلى جواز السفر العراقي الذي ناله بعد تتويج منتخب العراق بكاس أسيا سنة 2007، ولكنه لا يحمل غير الجواز البرتغالي في أسفاره ويفخر به كثيرا، رغم أنه اعتنق الإسلام عندما كان مدربا في المغرب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى