الرأي

المناضلون 2.0

زينب بنموسى

بالإضافة، طبعا، إلى إلمامهم بجميع المواضيع، وقدرتهم على تحليل أي حدث، والتنظير في كل النوازل، يتمتع محترفو النضال 2.0 على مواقع التواصل الاجتماعي بعجز ذاكرتهم عن الاحتفاظ بأي حدث لمدة طويلة، حتى أنك أحيانا، أمام كم النسيان الظاهر على صفحات فيسبوكاتهم وتويتراتهم، لا تدري هل تسمي هذه الخصلة عجزا عن التذكر أم قدرة خارقة على التجاوز.
فتجد الشخص منهم يتحدث عن أخطار لقاح كورونا صباحا، ثم يندد باعتقال “مناضل” زميل عند الزوال، قبل أن يمضي المساء في الحديث عن جديد الساحة الدولية ويشارك الجمهور رأيه في الديبلوماسية الكونغولية، و”الانقلاب” التونسي، والخيار الديموقراطي في مصر، وبرنامج بيغاسوس، طبعا دون أن ينسى التعريج بين الوقت والآخر على أسباب انتشار الفساد في المغرب، وكيف يحمي “المخزن الغاشم” المفسدين. ذاكرة صغيرة لكنها تحمل العديد من المعلومات سبحان الله، وعقل لا يتذكر لكنه يحسن تحليل أي شيء في أي وقت.
من مزايا هذا النوع من الذاكرات، بالإضافة للراحة النفسية التي يوفرها لصاحبه، لي ما عاقلش أصلا شنو واقع باش يهز ليه الهم، أنه يغنيه عن انتقادات الناس، والهضرة بزاف، فما إن تقرر مناقشة فكرة ما معه، حتى تجده انتقل بسرعة الضوء إلى فكرة أخرى، ثم أخرى، وإذا حاولت اللحاق به ستتعب دون أن يتعب هو، لأن ذاكرتك ستحتفظ بجميع المراحل التي قطعتها محاولا اللحاق به، فيما ذاكرته تتخلص من كل ما يخص الموضوع السابق في اللحظة نفسها التي يقرر فيها المرور إلى موضوع جديد.
مثل ذاكرة الذبابة لا تتجاوز بضع ثوان، تنسى بعدها ما عرفته، لذلك تحوم حولك، وعندما تحاول ضربها تفلت منك وتعود إليك بعد هذه الثواني وقد نست، أو تمر إلى الشخص الذي بجانبك بسلاسة، دون أن تشعر بالإحراج، أو تتعب نفسها في البحث عن طريق منطقي للعبور.
المناضل 2.0 خدام بحال شي روبو، سعة ذاكرته صغيرة، لكن أداءه قوي، يقدر يغرق ليك الشقف في لحظة، ثم يمر مباشرة من أجل التصفيق لشخص آخر، شعاره في الحياة “آلي سي براهيم”، يقولها للجميع، ولا يستثني أحدا، وكل من وثق به لدعم قضيته ضاعت قضيته حتى لو كانت عادلة، لا تهمه النتيجة بقدر ما يهمه دوام الطوندوس والبوز، ولا يهمه تمحيص الرأي بقدر ما يهتم بنشره ومشاركته مع الجميع قبل أن ينساه.
للوهلة الأولى، قد يخيل إليك عند قراءة أول تدويناته أن هذا المناضل الصنديد ما مفاكش وأنه لن يترك الموضوع إلا بعد أن يتم حله وتحقيق جميع مطالبه، لكنك تكتشف في آخر المطاف أن مطلبه هو يبقى داوي خاوي وصافي، وأن كل طموحه هو تسجيل مواقف سينساها بعدها بساعات بحال إلى غايجمعهم ف “السيفي” باش يدخل لموسوعة غينيس لأول ذاكرة أضعف من ذاكرة الذباب.
المهم، كل التضامن مع من يتابع هؤلاء الأشخاص ويُعجب بمنشوراتهم، والله يهدي ما خلق ويعطينا حتى حنا شي ذاكرة flexible مثلهم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى