الرئيسيةسياسية

الوجه الآخر لحرب وزارة بلمختار ضد «الغش الرقمي»

تنطلق الأسبوع المقبل الدورة العادية لامتحانات الباكلوريا، وهو حدث تربوي وتعليمي وأمني ذو صبغة خاصة بالنسبة للمغرب، لذلك تجري منذ أسابيع لقاءات مكثفة على صعيد الأكاديميات والنيابات والولايات والعمالات لتهييء الظروف المناسبة لهذا الحدث، الذي ما زال، بالرغم من الانتقادات المكثفة بشأنه، حدثا يفرض تدبيره أمنيا بالدرجة الأولى، وعلى رأسها النقد الواضح الصادر في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الماضي، والذي تكلم فيه الملك محمد السادس عن ضرورة تجاوز «عقدة الباكلوريا»، والتي تعتبر الحصول على هذه الشهادة «مسألة موت أو حياة». نقول على الرغم من هذه الانتقادات فلا حديث هذه الأيام داخل الأسر المغربية والأوساط التربوية إلا عن التدابير المتخذة لتمر هذه الامتحانات في ظروف عادية، بخلاف ما كان عليه الحال السنة الماضية، عندما كاد حادث تسريب امتحانات مادة الرياضيات أن يخلق فوضى أمنية عارمة في مدن عدة. وعلى رأس هذه التدابير، تبني وزارة التربية الوطنية لحزمة من الإجراءات التي تهدف إلى محاربة الغش، منها تنظيم حملة إعلامية تحت شعار «لننجح باستحقاق»، وأيضا إلزام المترشحين وآبائهم بالتوقيع على التزام بعدم الغش وتجنب كل ما من شأنه المساعدة فيه، وهو الإجراء الأول من نوعه في تاريخ الباكلوريا المغربية، فضلا عن تضمين المقرر الوزاري المنظم لهذه الامتحانات جملة ترتيبات تنظيمية تتجه في نفس المنحى، وهو محاربة الغش، وخاصة محاربة التهديد الذي باتت تشكله وسائل الاتصال الرقمية في تفشي الظاهرة. من هواتف نقالة ذكية، باهظة التكلفة، وأجهزة رقمية أخرى.

الوزارة تحارب الغش بـ«الفراغ القانوني»
بالرغم من التصريحات الرسمية التي تظهر وزارة التربية الوطنية على أنها عازمة على التصدي للغش الرقمي، فإنه لا تخفى حقائق أخرى غير معروفة، ومنها أن الوزارة تحارب الغش بفراغ قانوني، ليس فقط بتجميد قانون محاربة الغش على صعيد اللجنة البرلمانية المكلفة، لمدة تفوق السنة، دون إخراجه حتى الآن، ولكن أيضا على مستوى تدبير المحجوزات التي يتم تحصيلها من عملية المراقبة، والتي تقدرها مصادر الجريدة بالآلاف، منها مثلا 3 آلاف تم حجزها السنة الماضية فقط في الدورة العادية، علما أن أغلبها أو كلها، أجهزة غالية التكلفة، كلفت أصحابها مبالغ مالية ضخمة، تتجاوز أحيانا مليون سنتيم للجهاز الواحد. بمعنى أن الأمر يتعلق بآلاف الأجهزة التي تتجاوز قيمتها عشرات الملايين.
مصادر الجريدة من داخل وزارة التربية الوطنية، أكدت أن هناك فراغا قانونيا حقيقيا، ينظم تدبير المصالح الجهوية والإقليمية لهذه المحجوزات، فالإجراء المتبع، هو أن رؤساء مراكز الامتحانات يرفقون التقارير المنجزة عن الغش بالأجهزة التي تمت مصادرتها، وذلك لاعتمادها كأدلة في القرارات التي سيتم اتخاذها في حق المتورطين في الغش، وأيضا في مواجهة الدعاوى القضائية التي يتم رفعها من طرف بعض الآباء سنويا ضد الوزارة احتجاجا على القرارات المتخذة في حق أبنائهم المتهمين بالغش. وحسب نفس المصادر، ثمة فراغ قانوني يؤطر مصير هذه الأجهزة بعد انتهاء فترة الامتحانات، حيث يتم رفض إعادتها للآباء والتلاميذ، وفي نفس الوقت، لا يتم اعتبارها محجوزات قضائية تخضع لنفس المساطر المتبعة في هذا الشأن، الأمر الذي ترك الباب مشرعا للاجتهادات وأيضا للتسيب، حيث تختفي الآلاف من الأجهزة الغالية الثمن، مع تأكيد نفس المصادر الوزارية، أن حالة الفراغ هذه تعطي إمكانات لمسؤولين في بعض النيابات والأكاديميات للتصرف الشخصي في هذه المحجوزات، إما ببيعها والاستفادة من ثمنها، أو استعمالها شخصيا. وهي الحقيقة التي أكدها للجريدة بعض المسؤولون في بعض المديريات الإقليمية، الذين تم ربط الاتصال بهم. لنصبح أمام حالة أسماها أحد هؤلاء المسؤولين بـ«العبث»، حيث الغشاشون الكبار يحاربون الغشاشين الصغار».

الغشاشون.. الصغار والكبار
أكدت مصادر وزارية للجريدة أن الفراغ القانوني يجعلنا نتساءل عن دور المديرية الخاصة بالشؤون القانونية والمنازعات في وزارة التربية الوطنية، لكونها جعلت الوزارة تدخل الحرب الرقمية دون عدة قانونية، تاركة المجال مشرعا لاستغلال ذلك لحصول جرائم حقيقية، منها التصرف دون حق في محجوزات متحصلة عن مخالفة قانونية، هي الغش، لأن الفراغ القانوني لا يجعل هذه المحجوزات غنيمة يستفيد منها بعض المسؤولين. لتصبح هذه الحرب التي تخوضها وزارة التربية الوطنية، حربا بين «غشاشين كبار» و«غشاشين صغار». هذا الفراغ التشريعي أيضا حسب مسؤول جهوي، تم استقصاء رأيه في الموضوع، جعل الأكاديميات تختلف في تدبير هذه المحجوزات، بين أكاديمية تقدم على إتلافها، وأخرى تحتفظ بها، فيما لا يمنع هذا من اختفاء المئات منها سنويا، لكونها تبقى على صعيد النيابات. المسؤول ذاته أكد أن محاربة الظاهرة ينبغي أن تكون شمولية، تستحضر الجوانب التربوية التي تساعد في تفاقم الظاهرة، ومنها مراجعة شاملة للمناهج والبرامج وتدقيق أكثر للأطر المرجعية المعتمدة في الامتحانات، في اتجاه أن تصبح هذه الامتحانات لحظات لتقويم فعلي للكفايات والمهارات وليس تقويما للمعارف المخزنة، إما في ذاكرة المرشح أو ذاكرة هاتفه أو حاسوبه. فطريقة وضع الامتحانات، يؤكد ذات المسؤول، تستحضر الهواجس الأمنية أكثر من التربوية، فبدل أن تتم معالجة الأمر على مستوى طرق التدريس، والتي ماتزال في مجملها تعتمد على مركزية المدرس والمعارف، على حساب المتعلم وتنمية الكفايات، فإن واضعي الامتحانات يتخوفون من وضع وضعيات اختبارية بمقاربة «المقرر الدراسي»، بل وفي حالات كثيرة، بمقاربة تعتبر مضامين الكتب المدرسية بمثابة برامج دراسية، وهذا خطأ كبير. يختم ذات المسؤول الجهوي.

المحجوزات القضائية.. قانونيا
المحجوز هو منقول محصل عليه من جريمة أو استعمل في جريمة أو ارتكبت به جريمة وهو شكلان، إما أن يكون أداة اقتناع أو وديعة مؤقتة، والمقصود بأداة اقتناع هي عنصر أساسي في الجريمة، وتؤكد أن هناك جريمة كسكين استعمل في القتل، أو عصى تم الضرب بها أو تكسير شيء بها كهاتف أو أي جهاز أو منقول هو المسروق. أما المؤقتة غالبا لا تكون ناتجة عن جريمة كالحالة، التي يتوفى فيها شخص ما وتكون معه بعض الوثائق أو أشياء تكون من حق أقربائه. تلك المحجوزات تدون في سجل بترقيم مشترك بين النيابة العامة، وقسم المحجوزات. وبخصوص المحجوزات الثمينة تدون حسب القانون باللون الأحمر لقيمتها .إن مصدر المحجوز هو الدرك أو الشرطة ويتم إعطاؤه للنيابة العامة، وبعد توصل النيابة العامة بالمحجوزات تسجلها في سجل خاص بالمحجوزات ويحال على المحكمة التي تتوفر على سجل مماثل يمسكه أحد الموظفين العاملين بكتابة الضبط. إن تلك المحجوزات التي تتوصل بها المحكمة يتم التصرف فيها بثلاثة أشكال: نوع يتم تبديده أو إتلافه كالخمور التي يتم كبها في مكان ما والمخدرات وبعض الآلات يتم أتلافها، ونوع يرجع لصاحبه بمقتضى حكمة قضائي نهائي، مذيل بموافقة النيابة العامة كحالة مسك عامل يتعاطى للمخدرات فآلات التي يعمل بها ترجع له إذا أحضر ما يثبت أنها ملكه، أو يرجع بتعليمات من النيابة العامة بإرجاعه إلى أصحابه. وفي الأخير لا بد من القول إن الحصول على المحجوزات لا يتم إلا إذا صدر حكم نهائي أو ابتدائي، مرفق بشهادة عدم طعن أو قرار استئنافي مرفق بعدم الطعن .وفي حالات أخرى يكون طلب مذيل بموافقة النيابة العامة. ويبقى القول في الأخير أن المحجوزات هي أمانة توضع في عهدة رئيس كتابة الضبط ولكثرة أعماله يفوض العمل فيها لكتاب الضبط. وفي حالة المحجوزات التي تحصل عليها وزارة التربية الوطنية في حربها ضد الأجهزة الرقمية المستعملة في الغش، فإن بعض الأجهزة فقط هي التي تخضع لهذه المساطر، أي التي تم فيها توجيه أصحابها للقضاء، حيث يتم التعامل معها كمحجوز قضائي، لكن الآلاف يتم الاحتفاظ بها في المديريات الإقليمية أو الجهوية دون سند قانوني، ودون إرجاعها لأصحابها، الأمر الذي يجعلها محفزا لحصول جريمة أخرى هي التصرف في محجوزات دون سند قانوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى