الرأي

باب ما جاء في «فقه الإضراب» للعلامة بنكيران

طوال عقود، أي عندما كانت الحكومات نتاجا لـ«مطبخ» وزارة الداخلية، كما كان «الرفاق» يقولون، كان قرار الاقتطاع من أجور المضربين يتم استنادا لتأويل نص دستوري عن الإضراب، مادام القانون التنظيمي المنظم له غير موجود. ثم جاءت حكومة «الإخوان»، والتي يفترض أنها منتخبة «ديمقراطيا»، فقررت الاقتطاع استنادا لتأويل نص قرآني. وما بين تأويل نص بشري قابل للتصحيح المستمر، هو الدستور، وتأويل نص إلهي ثابت هو القرآن، يظهر جليا حجم «التغيير» الحقيقي الذي وقع بعد 2011. عندما جاء قوم للحكم بسبب ادعائهم للتقوى، وها هي «التقوى» ذاتها تجعلهم يقترفون التأويلات تلو الأخرى لنصوص مقدسة يجدر أن تبقى بعيدة عن «المدنسات» من أهوائهم.
هكذا سمعنا رئيس الحكومة يستدل بآية قرآنية هي «والسماء رفعها ووضع الميزان»، لتبرير الاقتطاع من أجور المضربين. وهو تبرير خطير، لكونه الأول في تاريخ الحكومات بالمغرب، ليس فقط لأنه يعيدنا جميعا إلى المربع الأول، حول النقاش المشروع عن الاستعمال السياسوي للمقدسات الدينية، والذي كنا نعتقد أن «الإخوة» يتجنبونه «اقتناعا» وليس تقية، ولكنه أساسا لأنه يجعلنا نتساءل عن الآية القرآنية التي سيستند إليها رئيس الحكومة في تبرير عشرات الإضرابات التي خاضتها نقابته منذ تأسيسها، وبالتالي نتساءل إن كانت الأجور التي كان يحصل عليها «الإخوة» بالرغم من عشرات أيام العمل التي أضربوا فيها، منذ 1997 إلى 2011، حلال أم حرام.
طبعا، بالنسبة لأشخاص يمارسون السياسة «الإخوانية»، ليس هناك أسهل من أن يجدوا آية أخرى يبررون بها قيامهم بفعل ما، وإنكاره على الآخرين. فمن يعودون بالذاكرة للعمل النقابي كما كانت تمارسه نقابة الحزب الحاكم، على الأقل ما بين سنة 2003 و2011، سيتذكرون أن هذه النقابة، سيما فرعها التعليمي، كانت تخوض إضرابات شاملة تمتد أحيانا لأربعة أيام كاملة. وكان «الإخوة» يواكبونها إعلاميا، سيما عبر جريدتهم «التجديد» بعناوين ضخمة تتحدث عن «شلل في القطاع»، ونسب تتجاوز «التسعين بالمائة». كل هذا ضد ما كانوا يسمونه آنذاك بالقرارات المجحفة والتعسفية ضد الموظفين ورجال التعليم. ومن يعود تحديدا لأرشيف البيانات النقابية التي أصدرتها هذه النقابة قبيل وبعيد إقرار النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية سنة 2003 تحديدا، ومختلف الإضرابات التي تم تنظيمها على هامش ذلك، سيستنتج المعنى الحقيقي للنفاق السياسي. إذ إن من سخريات القدر أن النظام الأساسي نفسه، والذي ناضل «الإخوة» وأضربوا للإطاحة به، هو نفسه النظام المعمول به حاليا. ولكن الذي تغير هو موقعهم، إذ انتقلوا من المعارضة للسلطة، ومعها تغيرت كل خطاباتهم ومفاهيمهم، بما في ذلك تغير ألوان الحلال والحرام في أعينهم. حيث أصبح الإضراب حراما والاقتطاع حلالا. ولم يكتف رئيس الحكومة بهذه «الفتوى» بل رافقها بالكثير من «قلة الحيا» اتجاه المضربين، عندما قال إن النساء أضربن «باش يصبنوا» وأن الرجال «باش يجسلو في المقاهي». وكأني بإخوانه كانوا يعتكفون في المساجد يقرؤون اللطيف، عندما أضربوا عشرات الأيام في السنوات الماضية. لذلك نتمنى من رئيس الحكومة، مادام استند على آية عن الميزان لتبرير الاقتطاع، أن يجود علينا بعلمه الغزير، ودروسه النافعة، وفوائده الجامعة بتفسير قوله تعالى: «ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى