حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةفسحة الصيف

بداية البحث عن الفرص بعد هجرة “غير عادية” إلى باريس

يونس جنوحي

كيف كانت إذن ظروف الدراسة في الخارج، خلال فترة الحماية؟ خصوصا وأن مولاي المهدي العلوي غادر المغرب في سياق حرج للغاية.. نُفي السلطان سيدي محمد بن يوسف يوم 20 غشت 1953، وجيء بابن عرفة إلى العرش، والشارع المغربي شديد الغليان.

ذكر مولاي المهدي العلوي إنه كان مبحوثا عنه من طرف البوليس الفرنسي في سلا والرباط لأنه شارك في الأنشطة المناهضة لنفي سلطان المغرب.. وفي هذه الظروف، بعد قرابة شهرين من التخفي، غادر المغرب صوب فرنسا لاستكمال دراسته العُليا.

جاء في مذكرات مولاي المهدي العلوي، في هذا السياق:

“ليلة وأكتوبر عام 1953، تسللت إلى البيت، بعد أيام من التخفي في بيت أحد أقاربي، وهممت بإعداد حقيبة السفر، عندما قطعت عَليَّ والدني حبال تفكير كان قد أخذني إلى عوالم ما وراء البحار، بسؤالها عما إذا كنت فعلا أنوي السفر إلى فرنسا، أم أن الأمر لا يعدو حيلة لصرف انتباه رجال البوليس والوشاة.

أقنعتُ والدتي بصعوبة بأنني لم أعد ذلك الفتى الذي يتعين أن تسهر منتظرة عودته من سفر رفقة الوالد أو من رحلة دراسية. فقد كبُرت بما يكفي لأعتمد على نفسي، وطلبت منها أن تسمح في بأن أسافر لأخوض غمار تجربة أبحث من خلالها عن طريقة تمكنني من متابعة دراستي في ظروف أحسن من التي كانت توجد عليها البلاد في ذلك الوقت.

كانت السيدة لالة زهور (المرأة التي تشاركنا حياتنا العائلية بعد طلاقها من عمّي) هي ملاذي، وكنت أجد لديها كل ما لا أجده عند غيرها. غمرتني، رحمها اللّه، بعطفها، فكانت تُدافع عنّي في كل الحالات، وتُداري عن أخطائي وتحميني من صرامة الوالد. بينما كانت والدني بمثابة صندوق الائتمان الدائم، الذي أقصده طلبا لمصروف يكفيني لشراء الحلوى أو لاقتناء تذكرة السينما أو تذاكر الدخول إلى ملاعب الكرة.

في الأوقات الصعبة، كنت دائما أفتقد والدتي، وكنت أحنُّ إلى صدرها وإلى راحتها التي تُربّت بها على رأسي بدعة وحنان، فتبعث في نفسي السكينة، وتساعدني على تلمس طريقي إلى النوم بهدوء وطمأنينة، فأستيقظ في اليوم التالي لأجدها وقد أبُكَرَتْ، على عادتها، تُحضر الإفطار وتحرص على تقديمه بنفسها لزوجها ولأبنائها.

وأنا أرتب ملابسي في الحقيبة، انتبهت والدتي إلى “طاقية” الصوف المزركشة، التي أهداني إياها والدي مرَّة، وقال لي، حينها، مازحا وهو يَهُمُّ بوضعها على رأسي: “إليك بها لكي تصير من الرجال الوطنيين!!“.

فكانت والدتي تستعيد هذه العبارة وهي تتأمل مسار حياتي في ما بعد، وتذكر في بها كلما هم بيَّ النسيان، وكأنها تحمل في ثناياها عتابا لطيفا لمن يُفترض أنه كان سببا في هذا “الابتلاء” بأمور السياسة ومشاكلها ومتعلقاتها!

وعلى ذكر “الطاقية”، ففي العام 1936 بدأ الوطنيون المغاربة بتعبئة أفراد المجتمع وحثهم، بالوسائل المتاحة في ذلك الوقت، على ضرورة أن يُساهم الجميع في حماية الهوية الوطنية بما في ذلك الألوان والزي التقليدي والمحافظة على الأذواق العامة، وترسيخ القيم المجتمعية الأصيلة. وهُم بذلك كانوا، في واقع الأمر، يستلهمون رموز ثورة “المهاتما غاندي” في الهند، بعُمقها المتفرد في الحكمة والصبر والأناة وحفظ الانتماء إلى الوطن بكل تجلياته.

بعد حديثي مع والدتي عما عزمت عليه، قضيت ليلتي في بيتنا بسلا، ثم غادرتُه فجر اليوم التالي، متوجها إلى الدار البيضاء رفقة الصديق “سيدي أحمد الشرقاوي”، مع والدينا، حيث كُنا قد حجزنا مقعدينا في الرحلة البحرية المتجهة إلى فرنسا.

وصلنا “مارسيليا” صبيحة يوم 13 أكتوبر 1953، بعد رحلة بحرية دامت ثلاثة أيام، قضينا بعضها في مناقشة عدد من السيناريوهات لما سيكون عليه حالنا في القادم من الأيام، ونحن نشق عُباب البحر وتبتعد بنا السفينة شيئا فشيئا عن الوطن الذي كنا ندفئ رحلتنا بذكرياته.

من “مارسيليا”، انتقلنا عبر القطار إلى “باريس”، التي حللنا بها في اليوم التالي.

وجدنا صديقنا “السي محمد عواد”، المعروف بعواد “مينيون” mignon في استقبالنا في محطة القطار “أورليون Gare dOrléans ، ومنها إلى بيت السيد عبد الرحيم حركات في المقاطعة السابعة عشرة، حيث سنقيم لمدة مُعينة قبل أن ينتقل كل منّا إلى بيت مستقل بعد ما استقر بنا المقام.

وعلى ذكر عبد الرحيم حركات، فقد أصبح، في ما بعد، قنصلا في باريس وسفيرا للمغرب في الصين، والغريب في الأمر هو أننا حين كنا صغارا، نلعب معا في ساحات سلا، كنا نلقبه ب “القونصو”، وكأننا كنا نرسم مصيره المقبل”.

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى