حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

بوتين ينقذ ألمانيا

«الدبابات الألمانية تعود إلينا بعد 80 عاما». بهذه العبارة المكثفة، اختصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جوهر علاقته بألمانيا، في خطابه بمناسبة الذكرى الـ80 لمعركة ستالينغراد، بين الجيشين السوفياتي والنازي الألماني، والتي أدى انتصار موسكو فيها إلى تعبيد طريق العالمَين «المنعزل خلف الستار الحديدي» و«الحر» باتجاه برلين واقتلاع النازية.

منح بوتين بعدا قوميا لحربه بأوكرانيا، يتجاوز الإطار الفعلي، وهو حقيقة اقتحامه بلادا وأرضا لا تعود إليه، وفق المواثيق الدولية التي وافقت عليها روسيا بنفسها، بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في عام 1991. اختزل بوتين نمطية لا يريد لها أن تخرج من الذاكرة الجماعية للأجيال الروسية السابقة، وينوي زرعها في الأجيال الآتية: ليست أوكرانيا ولا الولايات المتحدة. إنها ألمانيا أدولف هتلر، مهما كان حاكمها. لم يهتم لحقيقة أن التشارك الاقتصادي بين الألمان والروس، خصوصا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، واتحاد الألمانيتين الشرقية والغربية (1990)، من بين الأكبر، لا في أوروبا فحسب، بل في العالم.

بوتين نفسه، حين التقى رؤساء رابطة الدول المستقلة (أرمينيا، أذربيجان، بيلاروسيا، كازاخستان، قرغيزستان، تركمانستان، طاجيكستان)، في مسقط رأسه في سانت بطرسبرغ، في أواخر دجنبر الماضي، كان يتحدث عبر مذياع ألماني الصنع. وأيضا، في مطلع دجنبر نفسه، قاد بوتين سيارة من صنع ألماني، لتفقد أعمال الترميم في جسر القرم (كيرتش)، الذي تعرض لهجوم في أكتوبر الماضي. بوتين الذي اختبر ألمانيا الشرقية في إرهاصاتها الأخيرة، التي واكبت الموت التدريجي للاتحاد السوفياتي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، لم يجد حرجا في تخصيص خطابه عن ألمانيا في فولغوغراد، والتذكير بالمآسي النازية التي ارتكبها جيش ألماني بقيادة نمساوية.

لم يتطرق بوتين إلى غيرهارد شرودر صديقه، ولا إلى أنجيلا ميركل التي لم تكن عدوته، بل اخترق ذلك كله للوصول إلى أولاف شولتز، الذي سبق أن هاجم «حلف شمال الأطلسي الإمبريالي»، أيام شبابه في ثمانينيات القرن الماضي. تناسى بوتين أن كل من سكن ويسكن مبنى المستشارية في العاصمة الألمانية، بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، ظل مهجوسا بأمرين: الذنب الرسمي الألماني تجاه العالم بسبب هذه الحرب، ومحاولة التصالح مع العالم من بوابة اقتصادية. وحظيت روسيا تحديدا بالاهتمام الأكبر لدى الألمان.

كان ينقص بوتين أن يتوجه باللغة الألمانية، التي يجيدها، إلى شولتز، والقول له: «إنك هتلر جديد»، عالما أن شولتز نفسه أبعد ما يكون عن النازية أو عن أي عقيدة يمينية متطرفة. هنا السؤال، هل فعلا ستقلب دبابات ليوبارد الموازين الميدانية بأوكرانيا، وتسمح لجيشها بتحرير أراضيها من الروس؟ ربما، لا أحد يعلم كيف ستسير معارك الربيع، ولا أحد يدري كيف ستنتهي، لكن من خلال كلمات بوتين، يمكن التأكيد أن جيشه سيعاني أكثر بكثير مما يعاني الآن. ومع إدراكه أن التراجع ليس خيارا، بل متروكا لقدر ما، فإن اختياره ألمانيا منصة لتصويب هجومه عليها، لا يتعلق بستالينغراد، بل بفكرة أن هذه البلاد القابعة في الوسط الأوروبي تتجه إلى تعميق مصالحتها مع العالم وإيفاء ديونها المجتمعية العالقة في «وكر الذئب»، على حساب روسيا، التي تملك حلفاء يخجلون بها، وأعداء ينتظرون جثتها على ضفة النهر.

بيار عقيقي 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى