شوف تشوف

الرئيسيةدين و فكر

تأملات قرآنية: سورة البقرة (2)

محمد احميمد:

4 –  قال الله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا))[سورة البقرة:26]، لا يستحيي الله في ضرب الأمثال بهذه المخلوقات الصغيرة، فالله أعلم بما يضرب به المثل، قال تعالى: ((وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))[سورة النور:35]، البعوضة رغم صغر حجمها فهي آية من آيات الله للدلالة عليه، كما قال تعالى: ((وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))[سورة الحشر:21]، وقال تعال: ((وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ))[سورة العنكبوت:43]؛ لكن الذين كفروا لا يعتبرون بشيء سواء كبر أو صغر، فهم لا يستمعون للأمثال التي ضربها الله حتى يعتبروا، وقد قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ))[سورة الحج:73]، لكنهم أعرضوا عن هذه الأمثال واختاروا الكفر، كما قال تعالى: ((وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا))[سورة الإسراء:89].

5- قال الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ))[سورة البقرة:30]، آدم ليس أول مخلوق على الأرض؛ بل كانت هناك أمة أخرى قريبة من الإنسان، غير عاقلة ولا مكلفة، وكانت تفسد في الأرض وتسفك الدماء، فأهلكها الله وخلق آدم من الطين خلقا مستقلا، ونفخ فيه من روحه وجعله عاقلا؛ ليكون خليفة في الأرض لتلك الأمة المتوحشة، فما تزال لهذه المخلوقات بقايا أثرية من العظام تكتشف في كثير من الأماكن في العالم.

6 – قال الله تعالى: ((وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ))[سورة البقرة:31-32]، علم آدم غير علم الملائكة، الملائكة لها علوم استودعها الله فيها وخصها بها فلا تزيد على ما علمها الله، ولا تستدل بمعلوم لتحصيل مجهول، فعلمها حضوري، بخلاف علم الإنسان، الذي يتعلم ويستدل للوصول إلى المعرفة، فعلمه حصولي، لذلك علم الله آدم الأسماء كلها، بينما عرضها على الملائكة، والإنسان في طلبه العلم والتعلم يرتقي درجات، كما قال الله تعالى: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ))[سورة المجادلة:11]، فكمال الإنسان في تحصيل العلم والمعرفة.

7 – قال الله تعالى: ((وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ))سورة البقرة:35]، اختبره الله بالأكل من الشجرة ليكون مسؤولا عن أفعاله وليبين له عدوه إبليس، فلكي يكون الإنسان خليفة في الأرض لا بد أن يكون مسؤولا عن أفعاله.

8- قال الله تعالى: ((فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ))[سورة البقرة:37]، الكلمات التي تلقاها آدم من ربه هي قوله تعالى كما أخبر عن آدم وحواء: ((قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ))[سورة الأعراف:23].

9 – قال الله تعالى: ((قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))[سورة البقرة:38]، الهدى عن طريق الوحي، وهذا ما يدل على أن الإنسان لا يُترك إلى عقله وحده دون هدي من الله عن طريق بعثة الرسل والأنبياء لطفا من الله حتى تستقيم حياة الناس، ويقوموا بالقسط، كما قال الله تعالى: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ))[سورة الحديد:25].

10 – قال الله تعالى:  ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ))[سورة البقرة:40]، الخطاب هنا موجه إلى يهود المدينة وهم إسرائيليون أصليون بدليل الآية، ومما يؤكد أن الخطاب موجه ليهود المدينة هو أن الله أمرهم بالإيمان بالقرآن، في قوله تعالى: ((وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ))[سورة البقرة:41]، وقوله تعالى لنبيه محمد عليه السلام: ((سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ))[ سورة البقرة:211].

ونعمة الله التي أنعم عليهم في قوله تعالى: ((اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)) [سورة البقرة:40] هي كثيرة ذكرها في نفس سياق الآية، يقول الله تعالى مذكرا يهود المدينة من بني إسرائيل بنعمته عليهم: ((وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ، ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) [ سورة البقرة:49-60].

11 – قال الله تعالى:  ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))[سورة البقرة:62]، المقصود من الآية؛ اليهود والنصارى والصابئين الذين كانوا مؤمنين قبل بعثة النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، أو من لم تصلهم رسالة الإسلام وكانوا مؤمنين إيمانا صحيحا على أديانهم تلك، بدليل الآية ((من آمن بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا))، أما اليهود والنصارى والصابئون اليوم فليسوا داخلين في الآية.

12- قال الله تعالى: ((خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))[سورة البقرة:63]، وقال تعالى في آية أخرى: ((خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا))[سورة البقرة:93]، أي خذوا الكتاب بقوة؛ ومعنى بقوة أي بجد وعزم وإرادة وتدبر، وتفعيل لأدوات الحس والإدراك لمعرفة الكتاب والعمل بما فيه، كما قال الله تعالى للنبي موسى (عليه السلام): ((وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ))[سورة الأعراف:145]، وقال تعالى: للنبي يحيى (عليه السلام): ((يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ))[سورة مريم:12].

13– قال الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ))[سورة البقرة:67]، سبب أمرهم بذبح البقرة لأنهم كانوا يقدسون البقر، وهذه العقيدة أخذوها عن الفراعنة، ومما يؤكد تقديسهم البقر، قوله تعالى مخبرا عن قصة السامري مع بني إسرائيل: ((فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ))[سورة طه:88] وقوله تعالى: ((ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ))[سورة البقرة:51]، وقوله تعالى: ((وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ))[سورة البقرة:93]، فأراد أن يبين لهم حقيقة البقرة وإخراجها من قلوبهم وفكرهم بذبحها، لكنهم عصوا وادعوا عدم معرفة نوع البقرة، علما أن الله أمرهم بذبح بقرة، والبقرة في الآية نكرة، والنكرة تفيد العموم مما يعني أي بقرة كانت دون اختيار بقرة مخصوصة، لكنهم أصروا على عدم الانصياع لأمر الله؛ فشدد عليهم في اختيار بقرة مخصوصة يندر وجودها عقابا لهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى