الرئيسيةملف الأسبوع

تاريخ إلغاء مسابقات كرة القدم في الملاعب المغربية

ملاعب الكرة.. اتجاه ممنوع

حسن البصري
في جميع القوانين الوضعية ينتصب عنصران هامان: القوة القاهرة والحادث الفجائي فيمارسان سلطة الإلغاء أو التأجيل، لأن الطارئ لا يمكن توقعه، وإذا وقع يستحيل دفعه. في كثير من القرارات التي تصادر التجمعات الرياضية، يحضر الطارئ وتتولد عنه القوة القاهرة كنتيجة حتمية لظروف خارجة عن الشيء نفسه، كحدوث زلزال مثلا أو وباء أو فيضان أو جفاف أو حرب، أو أي حدث آخر غير متوقع وأجنبي عن الشيء، ويستحيل دفعه عند وقوعه.
أوقفت الحرب العالمية الأولى والثانية المنافسات الرياضية ليس فقط في أوربا، بل في كثير من بقاع العالم، كما أوقفت حرب الخليج التباري في كثير من الدول العربية، وألغت أحداث أخرى التنافس الرياضي أبرزها وباء «إيبولا» الذي عطل العديد من التظاهرات في إفريقيا، بل إن الحكومة المغربية أعلنت، باسم القوة القاهرة، رفضها تنظيم كأس أمم إفريقيا لكرة القدم لسنة 2015 بالمغرب. وصل النزاع إلى محكمة المنازعات الرياضية، وكسب المغرب المعركة
القضائية ضد الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم.
فالإشكال الذي دفع بالمغرب لطلب التأجيل هو ظرف طارئ محتمل الوقوع، والمقصود به احتمال ظهور وباء «إيبولا» ودخوله الأراضي المغربية مع الجماهير الإفريقية التي كان من الممكن أن تأتي إلى المغرب لمتابعة النهائيات، علما أن الوباء لم يسجل في المغرب أصلا.
ليس الوباء هو الذي أجل المنافسات الرياضية، فقد عطلتها أحداث أخرى أبرزها حرب الرمال والتي ألغت الكثير من المواعد الكروية، كما أوقفت حرب الخليج المنافسات مدة شهر ونصف الشهر، ناهيك عن أحداث أخرى سيأتي الحديث عنها في تفاصيل الملف أبرزها فيروس «كورونا». لكن لا بأس من التذكير بأن المغرب لم يتخذ قرار منع المنافسات الرياضية حين زمن الربيع العربي، حيث استمرت التظاهرات بشكل طبيعي، فامتصت غضب الشارع وتحولت المدرجات إلى منصات للاحتجاج بالأهازيج الغاضبة.

حرب الخليج تؤجل انطلاق مباريات البطولة في المغرب
في بداية شهر غشت من سنة 1990 قام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بغزو الكويت، وحاول العاهل المغربي الحسن الثاني إقناعه بإعادة جنود بلاده إلى ما وراء الحدود، غير أنه فشل في ذلك وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة العديد من الدول من أجل إعادة الأمور إلى نصابها.
في اليوم الثاني من شهر غشت من سنة 1990، بدأت القوات العراقية تجتاح الكويت، وما هي إلا ساعات حتى وصلت إلى قلب العاصمة الكويت دون مقاومة، وفر أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح إلى المملكة العربية السعودية.
وقبل الغزو اتهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الكويت بسرقة النفط العراقي بحقل الرميلة الواقع على الحدود بين البلدين، كما اتهمها في اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، في شهر ماي من سنة 1990، بالإفراط في تزويد السوق العالمي بالنفط مما تسبب بانخفاض الأسعار في الأسواق العالمية، علما أن العراق كان ينوي أن يسدد الديون المتراكمة عليه نتيجة دخوله في حرب طويلة مع إيران.
وجدت الأزمة بين العراق والكويت صدى لها لدى صناع القرار في الرباط، فبعد إقدام صدام حسين على تحريك جيشه جنوبا باتجاه الكويت، ألقى العاهل المغربي الحسن الثاني خطابا، دعا فيه إلى البحث عن حل سلمي للأزمة دون اللجوء إلى الحرب.
يقول الباحث يوسف الحمداني إن الحسن الثاني شديد الاهتمام بما يقع في الخليج العربي، وفي خطابه لافتتاح السنة التشريعية 1990-1991، الذي ألقاه يوم 10 أكتوبر 1990 أمام أعضاء البرلمان، ركز على ما كان يجري بين العراق وجيرانه، واستمرت الأزمة من غشت إلى ما بعد يناير، ما دفع المغرب إلى تأجيل المنافسات الرياضية، في الوقت الذي تعطلت فيه أجهزة الرياضة بالاتحاد العربي. قبل أن تعود بعد انسحاب العراق من الكويت بضغط أمريكي.

فيروس «كورونا» يغلق الملاعب في وجه الجماهير
رغم التطمينات الصادرة عن العصبة الوطنية لكرة القدم، إلا أن وزارة الداخلية كان لها رأي آخر، إذ قررت منع حضور الجماهير في جميع المنافسات الرياضية، في إطار التدابير الوقائية الهادفة إلى منع تفشي فيروس «كورونا» في البلاد.
تفاعلت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مع القرار وزكته ببلاغ رسمي، يعلن عن إجراء جميع المباريات في مختلف المسابقات الكروية بجميع فئاتها «بدون جمهور»، بسبب فيروس «كورونا» المستجد.
وقال البلاغ: «في إطار حرصها على سلامة أسرة كرة القدم من لاعبين ومدربين ومسيرين وجماهير، وبتنسيق مع الجهات المختصة قررت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إجراء جميع المباريات في مختلف المسابقات الكروية بجميع فئاتها بدون جمهور، اعتبارا من اليوم. وتدعو الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم كلا من العصبة الوطنية الاحترافية الوطنية لكرة القدم، العصبة الوطنية لكرة القدم هواة، العصبة الوطنية لكرة القدم المتنوعة، وللعصبة الوطنية كرة القدم النسوية التقيد بهذا القرار».
وكانت وزارة الداخلية قد وزعت، مساء الثلاثاء الماضي، مذكرة داخلية على الولاة والعمال في مختلف مدن المملكة شددت من خلالها على إجراء المنافسات الرياضية الجماعية بمختلف أصنافها بدون جمهور، طيلة شهر مارس الجاري. ويأتي قرار الداخلية في أعقاب قرار اللجنة الوطنية للقيادة اعتماد تدابير إضافية حفاظا على الصحة العامة، والتي كان من بينها إلغاء أو تأجيل عدد من التظاهرات الدولية التي كان سيحتضنها المغرب في الشهر الجاري، علما أنه تم تسجيل حالتين مؤكدتين لفيروس «كورونا» في المغرب حتى الآن.
وما زال فريق الرجاء الرياضي ينتظر رد الاتحاد العربي لكرة القدم، في شأن مباراته أمام الإسماعيلي المصري، برسم كأس الأندية العربية.

المغرب يرفض استضافة «الكان» بسبب وباء «إيبولا» ويتحمل الغرامة
لم يكن محمد أوزين، وزير الرياضة المغربي الأسبق، يعتقد أن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم ستواجه المغرب قضائيا بسبب قرار الحكومة بتأجيل تظاهرة كروية نتيجة انتشار وباء «إيبولا»، كان الاعتقاد السائد أن يتفهم عيسى حياتو، رئيس «الكاف»، ومدير مكتبه المغربي هشام العمراني هذا الموقف ويساندان المغرب في مسعاه، لكن الأمور سارت على نحو غير متوقع، حيث قدم عيسى شكوى ضد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إلى محكمة التحكيم الرياضي «طاس» المتخصصة في فض النزاعات الرياضية، لكن الهيئة القضائية التي يوجد مقرها في زوريخ السويسرية، ألغت العقوبات الرياضية والمالية التي أصدرتها الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، في حق المنتخب المغربي والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، مؤيدة الطعن الذي قدمه الاتحاد المغربي ضد قرارات عيسى حياتو، وأصدرت قرارها النهائي القاضي بمشاركة المنتخب المغربي في جميع المسابقات القارية، بينما تم تقليص الغرامة المالية التي طالبت بها الكونفدرالية من مليون دولار إلى خمسين ألف دولار.
كلف الحرص على سلامة الجماهير والخوف من «إيبولا»، مالية جامعة كرة القدم حوالي نصف مليون دولار، وتتضمن مصاريف مكتب المحامي الفرنسي الذي رافع في القضية وقدرت بـ 120 ألف دولار، وكلفة وضع شكوى لدى المحكمة الرياضية الدولية حوالي 1000 دولار، ومصاريف تنقل الوفد المغربي إلى زوريخ والإقامة أكثر من 100 ألف دولار.
القضية تجاوزت الوباء إلى ما هو سياسي، حيث إن الجزائري محمد روراوة، نائب عيسى حياتو، كان هو المتضرر الأول من قرار المحكمة، لأنه كان يريد مسح المغرب من الخريطة ويدفعه لكي ينسحب كما انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية.

محاولة الانقلاب على الملك تلغي نهائي كأس العرش
من الأحداث والوقائع الهامة التي طبعت نهائي كأس العرش وأدخلته التاريخ، تلك التي تعود خيوطها إلى عام 1972، بعدما ألغي نهائي كان من المفروض أن يجمع بين فريق شباب المحمدية ونادي الجمارك في الدار البيضاء (الراسينغ البيضاوي حاليا)، وذلك بسبب الأحداث السياسية التي شهدها المغرب آنذاك ومحاولة الانقلاب ضد الملك جوا وهي المحاولة التي باءت بالفشل، وكان منتظرا أن يلعب النهائي في موعد لاحق، لكنه سقط من أجندة الجامعة، دون أن يراسل أي من الفريقين الجامعة في هذا الموضوع الذي ظل في طي الكتمان.
شاءت الصدف أن تبدأ علاقة الراك بالديوانة في عام 1968، أي عقب فوز الراك بلقب كأس العرش، كان الصميلي المدير العام للجمارك معجبا بقدرة الفريق البيضاوي على هزم الرجاء بنجومه الكبار، خاصة وأنه ودادي المشاعر، هنا تراقصت أمام عينيه فكرة دمج فريق الجمارك في الراك، وتغيير اسم الفريق الذي أصبح يعرف بنادي الجمارك أو «لاديم»، ليصبح من أوائل الفرق التي دخلت عالم الاحتضان ويتمكن من استغلال ملعب الديوانة في سيدي معروف وبعض مرافقه الاجتماعية التابعة لجمعية الجمركيين. وكان من ثمرات هذا الاحتضان فوز الفريق ببطولة الدوري المغربي سنة 1972. بل إنه تأهل لنهائي كأس العرش، واكتسح المشهد الكروي بنجومه الكبار على غرار الشرقاوي والصامبا وكالا وأبو علي وأجاكا وماندوزا وغيرهم من الأسماء التي صنعت مجد «لاديم». وعد المدير العام للجمارك لاعبي الفريق بمنحة مغرية وحوافز هامة، لكن النهائي لم يجر، مما دفع بالديوانيين إلى المطالبة بإنهاء التقارب القائم بين الفريقين وعاد فريق الجمارك إلى بطولة المهنيين، بينما عبر أحمد النتيفي عن غضبه واستبدل «لاديم» بالنهضة البيضاوية ليعيش فترة عصيبة من حياته كادت أن ترمي به إلى الفناء، وسينتظر جمهور الفريق إلى حدود التسعينات، ليعود إلى اسمه الأول، الراسينغ البيضاوي.
أما شباب المحمدية فاختار الصمت، وقال مدربه عبد القادر الخميري، «كيف سنحتفل مع الملك وهو خارج من مؤامرة»، بينما عانى أحمد النتيفي الذي كان رئيسا للراسينغ البيضاوي ولعصبة الشاوية لكرة القدم وكاتبا عاما للجامعة الملكية المغربية وناخبا وطنيا، فقد مات وفي قلبه وخز ناتج عن لقب ظل مصادرا، وتقرر في مرحلة أولى تأجيل المباراة النهائية قبل أن تدخل قبو النسيان، وهو ما يجعل ماندوزا مدينا للجامعة بنهائي أمام الفضاليين.

الحسن الثـــاني يرفض إعلان سنة كروية بيضـاء لأن الكرة رغيف المغاربة
في التاسع من شهر دجنبر سنة 1979، مني المنتخب المغربي لكرة القدم بهزيمة مستفزة أمام المنتخب الجزائري بخمسة أهداف مقابل هدف واحد، في عقر الدار بالملعب الشرفي بالدار البيضاء، وأمام أزيد من ستين ألف متفرج. كان يوما حزينا في تاريخ كرة القدم المغربية، سيما في ظل الوضعية السياسية التي عرفتها المنطقة والحرب الباردة بين المغرب والجزائر، المساندة للبوليساريو ضدا على المغرب في قضية الصحراء المغربية. كانت الحرب على أوجها في الصحراء بين فلول مدعمة من النظام الجزائري، والقوات المسلحة الملكية المغربية. وشهدت المباراة إطلاق أهازيج وطنية وترديد الجماهير لأغاني تؤكد عودة الصحراء إلى الوطن.
شكل الحسن الثاني خلية أزمة مكونة من مسؤولين سامين، وأمر بإنهاء العمل بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وأصدر قرارا شفويا بحلها، وهي التي كان على رأسها الكولونيل المهدي بلمجدوب، وتعيين لجنة مؤقتة مهمتها الأولى إزالة الإحباط الذي جثم على الجماهير الرياضية وتدبير ما تبقى من مباريات المنتخب والدوري المحلي.
دعا الحسن الثاني أعضاء حكومته إلى مجلس وزاري يوم 7 يناير من سنة 1980 لدراسة مشكل كرة القدم بصفة خاصة ومشاكل الرياضة بصفة عامة. وقال عبد العزيز المسيوي في مذكراته إنه من بين الاقتراحات التي رفعت للحسن الثاني، خلال تلك الجلسة، توقيف الممارسة لمدة سنة وإدماج الفرق في إطار تصفيات تفرز توزيعا جغرافيا جديدا، فكان الرفض القاطع لهذا المقترح من طرف الحسن الثاني، الذي اعتبر موسما أبيض أمرا مستحيلا، على اعتبار أن «كرة القدم هي خبز المغاربة في طبق الهموم اليومية».
في الاجتماع الحكومي حمل وزير الشبيبة والرياضة عبد الحفيظ القادري، مسؤولية الهزيمة للمدرب الفرنسي غي كليزو، المقرب من الحسن الثاني، ونشر بلاغا في جريدة حزبه «العلم» يشير فيه إلى تعيين المدرب المغربي محمد جبران للإشراف على المنتخب المغربي، في خطوة شكلت تحديا للحسن الثاني، الذي دعا الوزير للحضور على عجل إلى قصر مراكش، ليعاين المدرب الجديد للمنتخب المغربي، الفرنسي جيست فونتين. وكشف الملك عن مكونات اللجنة الوطنية التي نابت عن الجامعة وحدد مهمتها في دراسة المشاكل المتعلقة بكرة القدم وتهيئ الفريق الوطني لخوض المباريات الدولية المقبلة.
لم يقل الملك الراحل الحسن الثاني وزيره في الشباب والرياضة عبد الحفيظ القادري، الذي اقترح على الملك توقيف البطولة الوطنية لمدة سنة، وإعلان سنة كروية بيضاء، تكون فرصة لإعادة بناء الوجود الكروي على أسس سليمة، لكن جواب الملك كان ساخرا وقاسيا في نفس الوقت، حين رد على القادري بالقول: «إييه ونهار الأحد في العشية، لمن بغيتي الجمهور يكول آلاربيط آمسخوط الوالدين».

إضراب «كوميرة» يمنع الكرة في الدار البيضاء
لم يكن أحد يعتقد أن إضراب الدار البيضاء سيصل لهيبه إلى الملاعب الرياضية، فقد اضطر القائمون على الكرة في هذه المدينة إلى تأجيل مباريات يوم السبت 20 يونيو الأسود من عام 1981، تحولت مدينة الدار البيضاء إلى جزء مستقطع من عملية إبادة كبرى.
في مقبرة شهداء «كوميرة» يرقد العديد من الرياضيين الذين خسروا معركة الحياة بركلات الجزاء أحيانا، وبالضربات الحرة المباشرة، وبرميات قناصة خلف خط التماس، تقرأ على جدار المزار اسم ملاكم دولي اسمه فازة كان يلقب بالشينوا، مات وسط زحمة معتقل المقاطعة 46 بحي سيدي البرنوصي بعدما كان عائدا من حصة تدريبية، وغير بعيد عنه يوجد قبر هشام العداء السابق الذي كان يستعد للذهاب إلى كازابلانكيز للمشاركة في ملتقى جهوي، مات هشام في نفس المقاطعة وظل أفراد أسرته يركضون المسافات الطويلة بحثا عن قبره. في اليوم نفسه توفي لاعب الرشاد البرنوصي من شدة الاختناق الرهيب، وفي القبو ذاته مات مشجع الفريق وهو يرتدي بذلة فريق آخر.
فاق عدد الموتى كل التوقعات، لم تنفع توسلاتهم ولم يجد صراخهم أي صدى، فقد كان المخزني ينتظر تعليمات القائد وكان القائد ينتظر تعليمات العامل وكان العامل ينتظر إشارة من الوزير، وحين وصلت التعليمات وفتح باب الزنزانة كان نصف المعتقلين مجرد جثث، والباقي أحياء لا يعقلون.
ساهمت المعلومات التي أدلى بها أحد لاعبي كرة القدم الهواة لهيئة الإنصاف والمصالحة، في الكشف عن آثار المقبرة الجماعية التي دفن في جوفها عدد من ضحايا انتفاضة يونيو 1981. قدم الشاب تصريحا قاد إلى الحفرة، فقد جاءه ضباط الشرطة يرتدون ملابس، وأشعروه بضرورة اللعب بعيدا عن المكان، إلى هذه الدرجة يخشى الأمن على طمأنينة الراقدين تحت التراب.
قال له المخبر بنبرة لا تقل صرامة عن نبرات الحكام، «أنت وفريقك ممنوعان من استخدام الملعب»، ومباشرة بعد التنبيه أحيطت البقعة الخلاء بجدار يحجب ما بداخلها، وبعد ثلاثة أيام عن أحداث 20 يونيو، تم تقليب تربة ملعب كرة القدم رأسا على عقب. كانت شهادة اللاعب إلى جانب عناصر من رجال الوقاية المدنية وأربعة أطباء، كانوا في الخدمة خلال أحداث 1981 حاسمة، بل واعتبرت بوصلة دلت الحقوقيين على الحفرة المشؤومة.
كادت فاتورة المعتقلين الرياضيين أن ترتفع لولا لطف الله، ففي اليوم نفسه كان فريق دار الأطفال البيضاوية يخوض مباراة كأس العرش في الصويرة، وحين عاد إلى قواعده حوصر في مدخل المدينة وقيل للاعبيه إن الدار البيضاء مدينة منكوبة، حصلت مواجهة بين رجال الأمن وبعض اللاعبين الذين أصروا على أن الخيرية أشد نكبة.

مولاي الحسن يمنح حسنية أكادير اللقب الفخري عقب نكبة الزلزال
يحكي أحد محبي فريق الحسنية موقفا طريفا حصل له ولكثير من لاعبي الفريق السوسي يوم الزلزال الرهيب الذي ضرب مدينة أكادير عام 1960، فقد قرروا التوجه إلى سينما السلام، وتابعوا فيلم الرعب «كودزيلا» وعاشوا دقائق داخل قاعة العرض حبست الأنفاس، فقد كان هذا الحيوان الأسطوري يطارد الآدمين ويطيح بالبنايات، وحين لفظت القاعة ما في جوفها ليلا، ضرب الزلزال المدينة فاعتقدوا أن للفيلم بقية وأن «كودزيلا» انفلتت من عقالها وخرجت من سينما السلام لتدمر المدينة.
قضى عدد من لاعبي الحسنية نحبهم فضلا عن مسيرين كانوا يبحثون، بعد انتهاء اجتماع في أحد مقاهي تالبورجت، عن حلول لرحلة طويلة إلى وجدة لملاقاة المولودية الوجدية، لكن المباراة لازالت مؤجلة إلى يومنا هذا، حين أصبح الفريق في عداد المنكوبين، خاصة وأن جل لاعبيه كانوا يقطنون حي تالبورجت الأكثر تعرضا للدمار.
بقرار من ولي العهد الأمير مولاي الحسن، منح للحسنية لقب البطولة الفخري، وأعفي الفريق من إجراء باقي المباريات دون أن ينزل إلى القسم الثاني، كما تقرر إطلاق اسم رئيسه المنتدب الحسين بيجوان، الذي مات وهو يمسك قلما وورقة ويداعب رخص اللاعبين، على ملعب سرعان ما تحول إلى موقف سيارات. فيما توقفت الأنشطة الرياضية في سوس بعد أن تحولت الملاعب إلى ثكنات.

رؤساء الفرق والجامعات في جبهات حرب الرمال
يروي الرئيس السابق للوداد البيضاوي أبو بكر اجضاهيم بعض تفاصيل معركة حرب الرمال ضد الجزائر في أكتوبر 1963، بعد أن تم إلحاقه بالجبهة الشرقية، وهو حينها عميدا للأمن بالدائرة السابعة للدار البيضاء: «أنا ككل المغاربة كنت في حالة تأهب حتى في عملي داخل كوميسارية «الساتيام» قبل أن أتوصل بالبرقية، وكنت أنتظر إشارة من الإدارة العامة للأمن الوطني للالتحاق بالجبهة الشرقية، لكنني علمت أن بدر الدين الخطيب المسؤول الدركي، الذي كان عضوا في المكتب المسير للوداد البيضاوي، لم يكن يقصد سوءا بي، رغم أنه اعتذر لي حين التقى بي في الحدود وكشف لي عن قصة التحاقي بالمركز»، ويضيف جضاهيم في حوار سابق مع «الأخبار» إن جبهات الحرب قد كانت ملتقى لعدد من المسيرين، «كنت مسؤولا في الوداد البيضاوي إلى جانب بدر الدين الخطيب، وكان في مدينة وجدة عمر دومو شقيق رئيس النادي القنيطري، إضافة للعديد من الوجوه الرياضية في الجيش الملكي، أغلبهم موزعون بين تندرارة ووجدة وفكيك وتويست». وأضاف «أغلب هؤلاء قضوا تسعة أشهر، منذ أكتوبر 1963 إلى نهاية يونيو من نفس السنة، حيث زال التوتر، شخصيا لم أقض المدة كاملة، بل كان مرض والدتي وراء عودتي إلى الدار البيضاء، وحين كنت بجانبها تلقيت قرارا بالبقاء في المدينة ذاتها».
حين دقت طبول الحرب لم يعد أمر المعركة منحصرا في القوات المسلحة الملكية، فكل الفصائل الأمنية معنية بالحرب، سواء مخازنية أو دركيين أو شرطة أو وقاية مدنية الجميع مطالب بتلبية نداء الواجب، خاصة وأن القضية تتمثل في اختراق حدود المملكة، الجميع هب للحرب التي تسمى بحرب الرمال، بل إن المواطنين في ربوع المملكة كانوا يعربون عن استعدادهم لخوض الحرب دون تدريب، ما أوقف منافسات الكرة على صعيد المنتخب وبعدها البطولة.

كأس الحرب تعوض توقف البطولة في مغرب الحماية
صادف تأسيس فرع كرة القدم لنادي الوداد الرياضي في عام 1939 اندلاع الحرب العالمية الثانية، فاضطر الفرنسيون إلى توقيف نظام البطولة لمدة موسمين رياضيين 1939-1940
و1940-1941. ومن أجل سد الفراغ الذي تركه هذا التوقيف، نظمت عصبة كرة القدم منافسات أخرى أطلق عليها اسم كأس الحرب، دعيت للمشاركة فيها كل الفرق المسجلة في العصبة، سواء في القسم الأول أو الثاني، وباعتبار أن نادي الوداد أصبح مسجلا بهذه العصبة فقد شارك في أطوار هذه الكأس.
أوقفت الحرب العالمية الثانية مباريات المنتخب الفرنسي، الذي كان يضم لاعبين مغاربة أبرزهم العربي بن مبارك وعبد الرحمن بلمحجوب، وقد عاش اللاعبان فترة عطالة بسبب الحرب العالمية، قبل أن يقبل بن مبارك دعوة تدريب فريق بلعباس الجزائري.
«ومن المواقف التي سجلها الملك محمد الخامس على العربي بن مبارك مساعدته للشعب الجزائري، خلال معركته من أجل الحصول على الاستقلال، إذ قضى فترة في البلد الجار مدربا لنادي سيدي بلعباس، بل إنه منح مسؤولي الفريق هدية عبارة عن مسدس، نال على إثره شهادة من مكتب جبهة التحرير الجزائرية في الرباط، تتضمن شكرا للمدرب على حسه القومي الكبير»، كما يقول الباحث المغربي عبد الله رشد.
ليست الحرب وحدها هي التي منعت المنافسات الرياضية، فقد أغلق المستعمر الفرنسي المسبح البلدي للدار البيضاء في وجه المغاربة لأسباب عنصرية. وبررت الحماية قرارها بضرورة تكوين جمعية للاستفادة من المسبح، وهو ما تم بواسطة كل من «محمد بنجلون» و«عبد اللطيف بنجلون التويمي»، إذ أقنعا المقيم العام «شارل نوغيز» بإنشاء ناد لكرة الماء سنة 1937، حمل اسم الوداد.

الحسن الثاني يعين رئيس الوداد وزيرا للرياضة بعد إضراب التلاميذ
لم يكتمل العقد الأول من حصول المغرب على استقلاله، حتى اهتز المغاربة على وقع انتفاضة تلاميذية في 23 مارس من سنة 1965، ما استدعى تدخل الجيش واستعمال الرصاص الحي لقمع المتظاهرين ما خلف العديد من القتلى والجرحى.
شهد المغرب مباشرة بعد استقلاله العديد من الأحداث التي أُثرت على المشهد السياسي في البلاد، الذي كان يغلب عليه آنذاك الخلاف بين القصر الملكي والحركة الوطنية، خصوصا بعد إسقاط الحسن الثاني لحكومة عبد الله إبراهيم التي كان محمد الخامس قد عينها لتشكل حلا وسطا بينه وبين المعارضة.
ظل الحسن الثاني يحرص على متابعة مباريات الوداد الرياضي قبل أن يؤسس لنفسه فريق الجيش الملكي، فقد كانت رئاسته الشرفية للوداد تحتم عليه متابعة مباريات الفريق البيضاوي من جنبات ملعب «فيليب»، ويحضر حفلات العشاء التي ينظمها مسيرو الوداد في بيوتهم لدراسة أحوال الفريق وانشغالاته.
لكن المحامي عبد الرحمن الخطيب، الذي ترأس الوداد سنتي 1949 و1950، وشقيق صديق محمد الخامس الطبيب الجراح والسياسي عبد الكريم الخطيب، كان أقرب رؤساء الوداد إلى قلب ولي العهد حتى بعد أن أصبح ملكا.
عينه الحسن الثاني وزيرا للداخلية، وحين حصل تغيير حكومي استدعاه الملك لجلسة ثنائية، وأشعره بالانتقال من وزير للداخلية في حكومة أحمد باحنيني، وهي الحكومة التاسعة للمملكة، إلى وزير للشبيبة والرياضة بعد تعديل حكومي يوم 20 غشت 1964، وهي الحكومة التي تم حلها في يونيو 1965 بسبب الاحتقان الذي تجسد في إضراب التلاميذ. طلب الحسن الثاني من عبد الكريم الخطيب، الإسلامي المقرب من الملك ومؤسس حزب العدالة والتنمية، إقناع شقيقه عبد الرحمن بقبول المنصب، وهدأ من غضبه بعد أن اعتبر هذا الأخير تعيينه وزيرا للرياضة انتصار للمعارضة التي دخل معها في معارك مفتوحة حين كان وزيرا للداخلية، والتي خلفه فيها الجنرال محمد أوفقير.
قال عنه الملك وهو يبرر تعيين عبد الرحمن وزيرا للرياضة: «عبد الرحمن ليس متطفلا على الرياضة، بل كان لاعبا سابقا في نادي اليسام المراكشي، ورئيسا للوداد البيضاوي، وعداء للمسافات القصيرة»، لذا كان مقامه في وزارتي الداخلية والشبيبة والرياضة قصيرا لا يتعدى بضعة أشهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى