الرأي

تلميع حذاء الحكومة

يونس جنوحي
كان الله في عون الذين يعملون على تلميع صورة الحكومة، فالمهمة بالنسبة إليهم شاقة بالتأكيد. ففي الوقت الذي يتذمر فيه المستثمرون المغاربة في بلدهم، ويهدد بعض أفراد الجالية المقيمين بالخارج بسحب استثماراتهم في المغرب، نظرا للعراقيل الإدارية والصعوبات وحتى النزاعات القضائية.. يجد المدافعون عن الحكومة أنفسهم مضطرين إلى الكتابة عن اجتماعات لا يحضرها أحد، والترويج لمضامين توصيات، لا غير، وبلاغات لا تخلو من الإنشاء ولغة الخشب. تحوم كلها في فلك الدفاع عن الإنجازات الحكومية المشجعة لأفراد الجالية المغربية في الخارج على العودة إلى المغرب بشكل نهائي، أو مؤقت، لتنفيذ استثمارات كبيرة وإنشاء مشاريع توظف الشباب وتخرج بعض المناطق من العزلة.
عصابات السطو على العقارات بدورها تشتغل في المغرب كأننا لا نزال في عهد «السيبة». يختارون عقارات يملكها مستثمرون مغاربة يقيمون بالخارج، ويتحايلون على التعاملات الإدارية والإجراءات بكل تعقيداتها، ويستغلون ملكيات هؤلاء المهاجرين، بالتواطؤ مع موظفين ومسؤولين المفروض أنهم يقومون بحراسة ممتلكات المغاربة من السطو، لكنهم للأسف أول من يبيع المغربي «في الدورة». وردهات المحاكم اليوم تعج بهذا النوع من القضايا التي راح ضحيتها مهاجرون مغاربة بالخارج، قضوا حياتهم في جمع العملة الصعبة ليحاولوا في الأخير شراء أرض فلاحية للتقاعد فيها بهدوء، أو شقة في حي راق تطل على المحيط، لكنهم يكتشفون في الأخير أنهم صرفوا أموالهم كلها دون أن تُفوت إليهم الملكية بشكل نهائي، أو أنهم تعرضوا للنصب وتبخرت أوراق وعقود البيع النهائي لصالحهم، ويغرقون في بحر من الإجراءات القانونية، حتى أن هناك من لجأ إلى «اليوتيوب» لكي «يفش» قلبه على بقية المغاربة، ويحذر أمثاله من المهاجرين الذين يفكرون في التقاعد بالمغرب وينصحهم بالبقاء في بلدان الإقامة.
البعض يبالغون في تصوير مأساتهم، هذا مؤكد، لكن بعض المهاجرين المغاربة يعيشون اليوم محنا حقيقية بسبب قرارهم العودة إلى المغرب والاستثمار فيه. إذ يجدون أنفسهم وجها لوجه مع لوبيات العقار والموظفين الفاسدين في عدد من القطاعات، والذين لا يفرقون بين الصالح العام وجيوبهم.
هذا هو الواقع الذي يتحاشى المحسوبون على رئيس الحكومة الخوض فيه. والعاملون في مكتبه يعلمون يقينا حجم القضايا العالقة التي يتخبط فيها آلاف المغاربة. فهؤلاء راسلوا منذ سنة 2011 مكتب رئيس الحكومة، ورأوا كيف أن آمالهم تحطمت على صخرة الواقع، عندما تأكدوا أن «البريد المضمون» لا يخطئ العنوان نهائيا، لكنهم لم يتوصلوا رغم ذلك بأي رد، رغم أن قضاياهم كانت ملحة وتدخل في صلب اهتمامات الحكومة، حسب التصريحات الرسمية وشعارات المرحلة والحملات الانتخابية منذ ذلك الوقت إلى اليوم.
على كل حال. هناك بارقة أمل تبدو مضيئة في آخر النفق، ما دام بعض شرفاء هذا البلد يقاتلون كل يوم لمواجهة هذه اللوبيات التي تتقوى وتستأسد في غياب إرادة حقيقية لدى الأحزاب لشن حرب حقيقية ضد الفساد الإداري. ولن نُعدم أمثلة في هذا الباب. فهناك مسؤولون لا تسلط عليهم الأضواء، اضطروا إلى مواجهة تهديدات نافذين لكي ينتصروا للعمال في مشاريع المستثمرين المغاربة بالخارج، ورفعوا عنها «البلوكاج» لتدور عجلة الإنتاج، كما وقع في مشاريع الاستثمار السياحي في الجنوب والتي بقيت معرقلة لسنوات قبل أن يرفع عنها الحظر سنة 2017، ويحقق الجيل الثالث من مغاربة الخارج حلمهم في تدشين الإقامات السياحية بالمناطق الجبلية، وهو الحلم الذي اضطر بعضهم إلى الجري خلفه لعشر سنوات كاملة، رغم أنهم كانوا جاهزين لبدء العمل في أي يوم، طيلة تلك المدة.
حكمة أخيرة: أصعب مهمة، وهذا لا شك فيه، هي تلميع حذاء حكومة لا ترتدي حذاء أصلا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى