شوف تشوف

الرأي

عابرو القناة الإنجليزية

 

بهاء العوام

 

 

حتى الآن يصعب على الحكومة البريطانية وقف الهجرة غير الشرعية عبر القناة، وهي واحدة من الأزمات التي وُلدت بعد «بريكست»، لأن المملكة المتحدة فقدت حقها في إعادة اللاجئين إلى دول القارة العجوز التي تصدرهم إليها، ولم تبرم اتفاقا مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن بعد الخروج.

رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، يعتقد أن إبرام مثل هذا الاتفاق قد ينهي الأزمة من جذورها، خاصة إنْ ترافق مع تسيير دوريات مشتركة مع فرنسا في القناة. لكن باريس ترفض الأمر برمته، وتصر على تذكير لندن مرارا وتكرارا بالميزات التي خسرتها مع فقدانها العضوية الأوروبية.

لن يستفيد الفرنسيون على المدى الطويل من تحويل «كاليه» ومدن ساحلية شمالية إلى تجمعات مهاجرين غير شرعيين، فتجار البشر الذين يأخذون من المستضعفين أموالهم وأجسادهم، لن ينشروا في المناطق الفرنسية سوى الجريمة والاضطراب، وعشرات أو مئات آلاف الأجانب سيشكلون تهديدا لأمن الدولة، ويضعون السلطات أمام استحقاقات كبرى إن فشلوا في الوصول إلى بريطانيا.

دون الاتفاق مع فرنسا، تبدو خيارات الحكومة البريطانية قليلة.. والأزمة المتصاعدة تضعها في مرمى نيران المعارضة بالداخل.

زعيم حزب العمال، كير ستارمر، يأخذ على وزيرة الداخلية، بريتي باتيل، غلبة القول على الفعل في مواجهة الأزمة، ولكنه لا يجرؤ كثيرا على الترحيب بالمهاجرين، لأنه يعرف أن نسبة ليست قليلة من القاعدة الشعبية للحزب تتبنى رفض حكومة المحافظين للمهاجرين.

ولا شك أن «باتيل»، ذات الأصول المهاجرة، تنتمي إلى صقور المحافظين في أزمة اللاجئين، ولكنها لا تمتلك حلولا حقيقية للأزمة، طالما أن فرنسا ترفض التعاون مع بلادها.

تقول الأرقام إن حكومة «جونسون» منعت نصف محاولات الهجرة غير الشرعية إلى سواحل بريطانيا هذا العام، لكن القوارب التي نجحت حملت أكثر من ستة وعشرين ألف لاجئ حتى الآن، وذلك مقارنة بنحو ثمانية آلاف وخمسمائة لاجئ العام الماضي، وأقل من ألفي لاجئ في العام الذي سبقه.

اللجوء حق لكل إنسان بموجب القانون الدولي، سواء رغبت «باتيل» في ذلك، أم لم ترغب.. والوزيرة إما لا تستمع إلى المسؤولين، الذين أطلعوها بالتأكيد على اتفاقيات الأمم المتحدة والأوروبية ذات الصلة، وإما أنها تعتقد أن هذه المعاهدات قد تُعدل نفسها بشكل غامض، إذا ما استمرت في نكرانها والتهرب منها.

الإعلام البريطاني يقول إن «عدوانية باتيل تجاه عابري القناة، خلقت خشية من أن يتعمد خفر السواحل استهداف قوارب المهاجرين وإغراقها».. وهي مبالغة يراد بها تصوير شدة إصرار الحكومة على حل الأزمة، خاصة أن المملكة المتحدة كانت تعتبر المحيطات مانعا طبيعيا يحصنها من المهاجرين.

إن لم تفلح الحكومة في إعادة اللاجئين إلى فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي، لن تستمر في إنقاذهم مرغمة للأبد.. ستبحث عن أماكن أخرى لاحتجازهم فيها على بعد آلاف الأميال من حدود المملكة المتحدة، أو ربما تعيدهم إلى دولهم التي قدموا منها.. فهم من وجهة نظر «باتيل»، مجرد «مهاجرين اقتصاديين» لم يأتوا إلى بريطانيا هربا من الموت، أو فرارا من حروب مشتعلة في أوطانهم.

الأمر الوحيد، الذي تؤمن به وزارة الداخلية البريطانية، هو أن المهاجرين يأتون إلى بريطانيا من أجل الحياة المجانية.. تراهم مشاريع عاطلين يعيشون على مساعدات الدولة، ويستنزفون ضرائب العاملين في القطاعين العام والخاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى