حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

حروب المستقبل.. موت العقائد

 

بيار عقي

تظهر التقارير العسكرية المتاحة للجمهور من دول عدة أن تطور الأسلحة بات يعتمد أكثر على التقنية. لم تعد الطائرات المسيرة وحدها عنوان أي حرب مستقبلية، بل إن جيوشا مكونة من آليين باتت في الخدمة لدى الدول العظمى، مثل الصين والولايات المتحدة والهند على الأقل. لم تعد القصائد التي تتغنى بـ«قتال الرجال من الند للند» صالحة لهذا العصر، ولا لأي عصور مقبلة، طالما أن التقنية تغزو سوق العسكر، مستبدلة العنصر البشري بآخر آلي. في السابق، كان يمكن حشد العناصر البشرية في قتال بالسلاح بين قريتين في بريطانيا مثلا، أو بين القبائل العربية. أما اليوم، فيكفي أن يجلس فرد ملم بالتقنية في غرفة مكيفة، وإدارة معركة كبيرة من خلف شاشة صغيرة. قد يبدو للوهلة الأولى أن مثل هذه المعارك تخفف من الخسائر البشرية، غير أنها تكتفي فقط بالتقليل من أعداد الضحايا العسكريين، من دون تقديم ضمانة بعدم قصف مواقع مدنية.

هذا التحول لن يتوقف، خصوصا أن صناعة الذكاء الاصطناعي تتقدم بسرعة هائلة، ما يجعل أي فرد أو مجتمع متخلف عنها في موقع هامشي في مسار التطور، لن ينتهي سوى بتسريع عملية انخراطه في مثل هذا التقدم، أو التعرض للانقراض المعنوي وتشتت أفراده. مثل هذا التطوير العسكري سيُسقط أدبيات عدة راسخة في أحزاب ودول وعصابات تعتنق عقائد إيديولوجية جامدة، معتمدة فيها على العنصر البشري فقط. وهو ما سيؤدي إلى سقوطها، محقة في قتالها أم لا.

بعد اكتشاف القارة الأمريكية، وبدء زحف المستعمرين الأوروبيين، إلى شمالها ووسطها وجنوبها، سقطت حضارات وإمبراطوريات عظيمة، من القبائل الأمريكية الأصلية في الولايات المتحدة، إلى حضارتي المايا في المكسيك والإنكا في البيرو، فقط لأنها لم تملك السلاح الرادع لصد الغزاة. لا يمكن أمام البندقية استخدام السيف، وفي موازاة المدافع تصبح الأقواس لعبة أطفال. وكما في أمريكا كذلك في إفريقيا. تطور السلاح جعل المحتلين أكثر قوة وقدرة على قضم الأراضي الجديدة. في هاتيك الأيام، لا يمكن لوم الشعوب الخاسرة على استخدامها ما توفر من سلاح، لأن العالم لم يكن مكشوفا كما هو عليه اليوم، أقله في نقاط ومفاصل أساسية.

هذه المرحلة الانتقالية بين نوعين من الحروب، التقليدية منها والمستقبلية، ستسمح بنشوء أنماط جديدة في أي معركة، سيصبح معها استعانة البشر بأقوال سياسية ودينية للحث على القتال بمثابة أمر غريب وغير ضروري. البشر بطبيعتهم يخافون، وإن قرروا مواجهة خوفهم، فإنهم يسعون إلى اعتماد أحدث العتاد العسكري للدفاع عن نفسهم خلال هذه المواجهة. وكلما كبُر حجم الاتكال على التقنية، صغُر حجم الاعتماد على العنصر البشري. حينها، قد تقل القدرة على جذب عناصر بشرية إلى جيوش ومنظمات بدافع عقائدي، وسيتم استبدال ذلك بعرض الأموال والحوافز. وقد يؤدي هذا المسار إلى نشوء «جيش وطني متعدد الجنسيات»، لأن الخبرات متحركة وغير محصورة في بلد واحد. الأكيد أنه خلال بضعة عقود، سينظر العالم إلى عام 2021، كنظرتنا حاليا إلى القرون القديمة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى