الرأي

حزب الله والنظام السوري

صبحي حديدي
قبل أن يدعو اللبنانيين إلى الانخراط في الجهاد الزراعي، كواحد من خيارات مواجهة أزمات لبنان الاجتماعية والاقتصادية الراهنة القاتلة، ولكن على سبيل اعتماد الزراعة كشكل مقاوم ضد أمريكا وعقوباتها أيضا؛ كان حسن نصر الله، زعيم ميليشيات «حزب الله»، قد حث على «إعادة ترتيب العلاقات مع الجارة سوريا»، كوسيلة أخرى في علاج انحطاط أحوال لبنان. وإذ ذكر بأن المراهنين على سقوط النظام السوري ليسوا واهمين فحسب، بل «يضيعون الوقت على لبنان واللبنانيين» وليس على سوريا، شدد نصر الله على أن «سوريا اليوم بحاجة اقتصادية إلى لبنان، وهذا التفاهم والتواصل يفتح الأبواب، أحد أشكال المعالجة المنطقية هو ترتيب العلاقة لفتح الحدود وتصدير إنتاجنا».
فإذا وضع المرء جانبا حكاية الفارق بين الإنتاج والتهريب، وانعدام المعاني الملموسة للمفردة الأولى مقابل التجليات الفاضحة للمفردة الثانية؛ فإن نصر الله بات، خلال الأشهر الماضية، في سياحة حرة من التنقل الصارخ بين تناقض هنا وتباين هناك، في قلب المعادلات ذاتها التي كانت ركائز عدته الخطابية: حول عقوبات/ مساعدات أمريكا، أو حول الدولار/ المال الطاهر، أو حول سياسة/ مذهب قتال ميليشياته إلى جانب نظام بشار الأسد، ثم الاقتصاد والاقتصاد والاقتصاد خلف هذه كلها، وسواها.
ولعل التاريخ يعلم بأن واحدة من الضربات المبكرة التي أصابت الشراكة السياسية والعسكرية والاقتصادية، ثم المافياوية هنا وهناك، بين النظام السوري و«حزب الله»؛ كانت صحوة اللبنانيين، ساعة وفاة حافظ الأسد في 2000، على الحقيقة البسيطة التالية: وجود النظام السوري في لبنان («الشرعي والمؤقت» عند الرئيس اللبناني إميل لحود يومذاك، والمؤقت ولكن اللاشرعي الذي آن أوان إنهائه بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين)، جدير بإعادة النظر بعد أن غاب الأسد الأب، صانعه الأول الأعلى دهاء وشراسة ودموية من وريثه في الحكم.
وذاك كان تطورا نوعيا يقبل، أو يصنع تلقائيا، الاستطراد المرتبط التالي: إذا تآكل وجود النظام السوري في لبنان – سواء نُظر إليه في مستوياته العسكرية والسياسية والاقتصادية والمافياوية، أو في أخرى اجتماعية (العمالة السورية، التوترات بين الشعبين، انقسامات اللبنانيين…) أو حقوقية (اتفاق الطائف، القرارات الدولية…)- وكف عن كونه صانعا لأوراق القوة، في يد الأسد الابن؛ فمن المنطقي، والحال هذه أن ينقلب إلى عبء على الأخير.
إلى هذا كانت المعادلات قد اختلفت جذريا بعد اغتيال رفيق الحريري، وباتت أشباح الحرب الأهلية أقل هيمنة على الوجدان الشعبي العام، بل صار من المشروع القول إن خريطة الولاءات المذهبية ذات التلون السياسي (بصدد الموقف من النظام السوري، أساسا) أقل تعقيدا من ذي قبل، وبالتالي أوضح في الطبيعة والتكوين والقدرة، وأيسر سيطرة في حال اندلاع صدامات مذهبية أهلية. في عبارة أخرى، إذا كان خطاب بكركي في شتنبر 2000 قد طالب بانسحاب القوات السورية، فاستدعى خطابا مضادا يطالب ببقاء تلك القوات على نحو أو آخر، فإن لا أحد اليوم يطالب بعودة تلك القوات.
العكس هو الصحيح، ومثاله ميليشيات «حزب الله» التي تقاتل في سوريا دعما للنظام، ولا تسكت استطرادا عن كل «مقاومة» على الحدود اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي، فحسب؛ بل تتلقى الضربات الإسرائيلية الموجعة في مشارق سوريا ومغاربها، لابثة على وضعية الصم والبكم والعمي! وبهذا فإن دعوة نصر الله إلى التعاون الاقتصادي مع النظام السوري، تبدو أقرب إلى الإقرار بأن الأوان قد آن لاستبدال «جهاد» الحزب العسكري من مآذن بلدة القصير، بطراز من «جهاد زراعي»، ليس على ضرفات لبنان وحده، بل كذلك على المآذن المدمرة ذاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى