
حسام كنفاني
خلال ساعات صباح الجمعة الماضي، اشتعلت الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، بعد إطلاق صواريخ من حزب الله اللبناني على منطقة مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل. للوهلة الأولى، ترقب الجميع تدحرج هذا الاشتباك إلى حرب أوسع بين الحزب وقوات الاحتلال، وبدأت فعليا عمليات نزوح محدودة من بعض القرى الحدودية إلى الداخل اللبناني، غير أن الأمور ما لبثت أن هدأت، بعد إصدار إشارات من حزب الله أولا، وإسرائيل تاليا، بعدم الرغبة في التصعيد.
حمل هذا التصعيد الذي لم يدم أكثر من ساعات قليلة، مؤشرات عديدة، خصوصا مع ما رافقه من أحداث بالداخل اللبناني، مرتبطة بشكل وثيق بحزب الله، وما كان يسمى البيئة الحاضنة للمقاومة.
لا بد من الإشارة إلى الشرارة الأولى للاشتباك الحدودي، والذي بدأ مع إطلاق صواريخ مجهولة المصدر إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو توقيت مشبوه، لتزامنه مع إحياء الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، فقد كان من الواضح أن هناك من يريد حرف الأنظار عن الذكرى وتداعياتها التي تطاول عددا كبيرا من السياسيين اللبنانيين، لمصلحة إحياء جبهة المواجهة مع إسرائيل.
أراد حزب الله المضي في المواجهة، وفق حسابات مضبوطة، وفي إطار ما يسميها «قواعد الاشتباك»، خصوصا أن الرد الإسرائيلي على الصواريخ الأولى تضمن غارات لطائرات على مناطق في الجنوب اللبناني، وهو أمر لم يحدث منذ حرب 2006. أراد حزب الله تثبيت قواعد الاشتباك هذه من دون الانزلاق إلى حرب واسعة، وفي الوقت نفسه، إعادة إحياء شكله حزبا «مقاوما» في مواجهة إسرائيل، سيما أنه خسر هذه الصورة مع تورطه في الحربين، السورية واليمنية. غير أن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر بالنسبة إلى الحزب، بل كشفت عن واقع يحاول حزب الله التعامي عنه منذ 2008، أي تاريخ اجتياحه بيروت ومناطق في جبل لبنان، بعد أزمة سياسية داخلية حسمها عسكريا.
نجح حزب الله في ضبط التصعيد مع إسرائيل، خصوصا أنه، في رده على «الغارات الجوية»، تقصد عدم استهداف الداخل الإسرائيلي، واقتصر قصفه على منطقة مزارع شبعا المحتلة، وهو ما فهمه الإسرائيليون محاولة من الحزب لحفظ ماء الوجه، وتعاملوا معه باعتباره رسالة عدم الرغبة في التصعيد، الأمر الذي أنهى الاشتباك في غضون ساعات، غير أن ما ترافق مع ذلك هو ما لم يحسب له الحزب حسابا. فتوقيف مواطنين لبنانيين راجمة صواريخ تابعة للحزب في بلدة شويا في قضاء حاصبيا، والاعتداء على أحد أفراد الحزب الذي كان يقودها، أمر غير مسبوق في تاريخ مواجهات حزب الله مع إسرائيل، ما قبل عام 2006. إذ لم يحصل سابقا أن اعترضت أي آلية للحزب في طريقها لتنفيذ «عمل مقاوم»، بل على العكس، كان الأهالي في الجنوب يسهلون عمل المجموعات التابعة للحزب. وعلى الرغم من الاستنكار والعراضات الفلكلورية والمصالحة الصورية التي حصلت بعد ذلك بين أهالي حاصبيا، والذين صادف أنهم من الطائفة الدرزية، وأفراد من حزب الله، إلا أن الحادثة كشفت خسارة الحزب ما كان يسميها «البيئة الحاضنة للمقاومة».
وبات واضحا اليوم أن النقمة على الحزب من خارج بيئته، وحتى بعض داخلها، باتت كبيرة، بعد تورطه في سوريا وتغطيته على ملفات فساد داخلية، وربما ضلوعه فيها. وأي حرب مماثلة لما حصل في 2006 لن يكون التفاعل معها مماثلا لما كان في ذلك الحين، فهناك «قواعد اشتباك» جديدة داخليا لم تكن سابقا في حسابات حزب الله.



