شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

حكاية الحكومات في فلسطين

 

 

نبيل عمرو

 

 

في حالات كل رؤساء الحكومات الذين تناوبوا على الموقع منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، كان رئيس الحكومة يعيَّن من قبل رئيس السلطة، ويقال بقرار منه، ما كرس حالة يصعب التخلص منها، هي أن رئيس الحكومة موظف عند الذي عينه ويتلقى التعليمات منه.

التغيير الحكومي الفلسطيني – بحكم الواقع- سيكون مجرد استجابة لمطلب أمريكي دولي، عنوانه العام «إصلاح السلطة»، مع عنوان آخر ولكن أقل إيقاعا، وهو «تحديد صلاحيات الرئيس» لتكون رمزية، بنقل صلاحياته الفعلية إلى رئيس الحكومة.

أمر كهذا لن ينجح، فلا الرئيس عباس في وارد التنازل عن صلاحياته، ولا رئيس الحكومة المعين من قبله في وارد الاختلاف معه؛ خصوصا إذا كان مجرد خبير فني لا صلة له بالسياسة وتعقيداتها.

كانت الحكومة، التي ستتحول إلى سابقة، تسمى حكومة «فتح» لمجرد أن رئيسها عضو في اللجنة المركزية للحركة، مع أن جزءا كبيرا من «فتح» لا يعدها حكومته، فكان ذلك أحد أهم عوامل ضعفها، وانعدام قدرتها على تكوين جماهيرية معقولة لها ولقراراتها.

أما الحكومات التي سبقتها، ولم يكن رؤساؤها من شجرة العائلة الفتحاوية، فقد عملت ضمن هوامش ضيقة، وعجزت جميعها عن تجاوز الأربعة في المائة في استطلاعات الرأي، وذلك ليس لكون رئيسها فتحاويا أو غير ذلك؛ بل لأن الإنجازات المتوخاة منها كانت في غاية المحدودية والسطحية.

الفلسطينيون لا دخل لهم في من يأتي ويذهب، وما دام رئيس الحكومة مجرد تعيين بيروقراطي يستجيب لطلب دولي، فالشعب المفترض أن تدير الحكومة شؤونه، سيواصل موقفه اللامبالي منها، إلا إذا فرضت حضورها بقوة الإنجاز، وهذا يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا، ما دام رئيس الحكومة ووزراؤه لا يتمتعون بشرعية انتخابية، وما دامت إسرائيل ترفع الأسقف وتخفضها حسب حاجاتها ومتطلباتها.

تشكلت منذ بداية عهد السلطة حكومات كثيرة، تولى ياسر عرفات بعضا منها، وتولى غيره البعض الآخر، وأول من فتح الباب لحكومة لا يرأسها ياسر عرفات، كان أبو مازن الذي تشكلت حكومته بعد مخاض عسير، ولم يكن ياسر عرفات ليبتلع شراكة أحد له في قمة السلطة، مثلما هو الأمر في قمة المنظمة، غير أن الضغط الدولي المكثف، والذي أوشك على حد التهديد المباشر بوقف تمويل السلطة، جعل عرفات يتكيف، ولكن لا يذعن.

وبفعل سلطته الفعلية وسلطة الحكومة المنفصلة وظيفيا عنه، وبفعل تعثر المسار السياسي الذي هندسه أرييل شارون آنذاك، تمهيدا لإغلاقه نهائيا، عمرت حكومة عباس أقل من أربعة أشهر لتنتهي فكرة الحكومة التي تتقاسم السلطة مع الرئيس.

غاب عرفات عن المشهد بالانتقال إلى الرفيق الأعلى، وخلفه عباس وفق التراتبية العائلية لـ«فتح» و«المنظمة» ولـ«أوسلو»، ومثلما فعل عرفات مع حكومة عباس بتقييدها وجعلها تستقيل بفعل عجزها عن الإقلاع، مارس عباس أسلوب عرفات ذاته في التعامل مع الحكومات، وكان ما حدث في عهده هو التعامل معها كجهاز يتبع مكتبه، أما رئيس الحكومة فلا يستطيع وضع خيط في إبرة دون موافقته. هكذا حدث مع كل رؤساء الحكومات الذين اختارهم عباس للعمل، وكان أقصى ما يستطيعون فعله لإظهار استقلالهم هو الاستقالة. فعل ذلك مع أشهر رئيس حكومة وصف بالمُصلح والمُطور، الدكتور سلام فياض.

الرئيس عباس ما دام على قيد الحياة فهو صاحب القرار والغطاء الشرعي الوحيد لأي رئيس حكومة يعينه، وبذلك يكون الرجل قد استجاب للطلبات الدولية بإصلاح السلطة، بأن غير الأسماء دون أن يغير النهج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى