شوف تشوف

شوف تشوف

حمام فرنسي بارد

كل شيء كان معدا في مطار أورلي لكي يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون آخر رهينة فرنسية أفرج عنها خاطفوها في مالي بعد أربع سنوات من الاحتجاز.
كل شيء كان معدا لكي يصافح الرئيس الرهينة السبعينية ويلتقط معها صورة تذكارية تخلد لإنجازه الذي يريد احتسابه في لائحة انتصاراته على الإسلاميين الذين أعلن عليهم حربه المقدسة في BFM TV و LCIوبقية وسائل الإعلام الموضوعة في جيبه.
غير أن جملة قصيرة ألقتها الرهينة المحررة أحدثت وقع حجر ثقيل في بركة آسنة. بعد وصولها ونزولها من الطائرة اخترق ابنها الحشود واحتضنها بقوة وهو يصرخ أمي أمي، كانت اللحظة مؤثرة. فأخذت صوفي الكلمة وتكلمت قليلا حول قصتها ثم أجابت عن سؤال حول علاقتها بمالي أنها ستعود لهذا البلد وأنها تدعو الله أن يحفظه وأنها أسلمت وطلبت من الصحافيين أن يكفوا عن مناداتها باسمها القديم صوفي وأن ينادوها باسمها الحالي الذي هو مريم.
هنا ظهر كما لو أن الجميع نزل عليه دش بارد. أغلب وسائل الإعلام الفرنسية تجنبت ذكر هذا التصريح الصريح بإسلام أقدم رهينة فرنسية بعد قضائها أربع سنوات لدى جماعة مسلحة بمالي، واقتصرت على بقية كلامها.
فيبدو أن الجميع كان ينتظر أن يسمع كلامًا يخلط بين الجماعات الإسلامية المتطرفة وبين الإسلام كدين للرحمة يحرم اختطاف الناس الأبرياء واتخاذهم رهائن.
ماكرون نفسه جاء بخطاب في جيبه معد حول الإسلاميين والانفصاليين والمتطرفين والإسلام الذي يعيش ترديا لكي يلقيه في حضرة الرهينة المحررة بمطار أورلي، لكنه بمجرد ما سمع إعلان مريم لإسلامها عجل باختصار الاستقبال وغادر دون إلقاء أية كلمة.
ولا بد أنه ندم على دفع مبلغ 13 مليون أورو لخاطفيها من أجل تحريرها عندما اكتشف أنه دفع ذلك المبلغ كله لتحرير مسلمة من قبضة جماعة تدعي الإسلام.
في وسائل الإعلام الفرنسية كان الجميع متحمسًا لوصول الرهينة صوفي بيترونان، لكن عندما أعلنت اعتناقها للإسلام وتغييرها لاسمها انقلب النقاش فجأة من فرحة تحرير آخر رهينة فرنسية إلى النقاش حول ضرورة هذا التحرير الذي كلف إطلاق سراح جهاديين من تنظيم القاعدة من سجون الحكومة المالية وأن من بين هؤلاء الجهاديين الذين قايضت بهم الحكومة الفرنسية حرية صوفي من تورط في قتل جنود فرنسيين في مالي، وأن منهم من قد سيقتل جنودا فرنسيين في مالي والذين يقدر عددهم بثلاثة آلاف جندي.
هكذا تحول النقاش من نجاح صفقة تحرير أقدم رهينة فرنسية في مالي إلى قيمة هذه الصفقة وهل كان ضروريًا تقديم كل هذه التنازلات من أجلها. علمًا أن صفقة تحرير عناصر القاعدة تمت بين الجماعات المسلحة والحكومة المالية وليس الفرنسية بشكل مباشر.
السؤال الذي لا تريد الصحافة الفرنسية طرحه هو ماذا يصنع ثلاثة آلاف جندي فرنسي في بلد ليس بلدهم؟
الجواب بسيط، إنهم يحرسون الشركات الفرنسية التي تنهب الأورانيوم والمواد البترولية من دول الساحل.
أما خرافة أن هذا الجيش يقف سدًا منيعًا ضد الجماعات المسلحة الإرهابية لكي لا تصل إلى أوروبا فلم تعد تنطلي على أحد حتى داخل فرنسا نفسها.
فرنسا لا تحمي إفريقيا من الإرهاب بل تحمي مصالحها. وأفضل معروف يمكن أن تسديه فرنسا لإفريقيا هو أن تتوقف عن بيع الأسلحة للأنظمة الديكتاتورية بإفريقيا وتتوقف عن مساندة الزعماء الأفارقة الدمويين والمستبدين مقابل تغاضيهم عن نهب فرنسا لثروات بلدانهم.
لكن متى كانت فرنسا ضد الدكتاتوريين والديكتاتوريات، هي التي كانت إلى حدود الأمس تتغنى بالنموذج التونسي البوليسي على عهد بنعلي، واستقبلت القذافي في الإليزي بخيمته وجنونه، وفرشت السجاد الأحمر لبشار الأسد وزوجته في قلب أفخم مطاعم باريس وأفردت لهما باري ماتش أطول روبورتاج مصور.
أليست فرنسا هي التي احتضنت أشد الديكتاتوريين الأفارقة دموية، إدريس دبي، دينيس ساسو نغيسو، بول بيا وبقية الطغاة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى