شوف تشوف

سري للغاية

الأبيض : تفاصيل مراقبتي لبوتفليقة سنة 1966 أثناء زيارته للمغرب

حاوره: يونس جنوحي
«اسمه محمد الأبيض. تجاوز عقده الثامن ببضع سنوات. ورث جوازا دبلوماسيا لم يدع رقعة في صفحاته العديدة إلا وتحمل طابع جمارك بلد ما.. منذ 1961 إلى أواخر سنة 1984، موعد آخر مهمة رسمية له في السلك الدبلوماسي والمخابرات الخارجية، وهو يحلق بين المطارات، ويسافر بالسيارة عبر الحدود. رافق الجنرال الدليمي في بيروت وبسبب تلك «الرفقة» أصبح مطلوبا منه التعاون مع جهاز الدليمي الذي وجهت له أصابع الاتهام في قضايا اختطاف معارضين مغاربة في الخارج.
رافق الجنرال الدليمي، وقبله الجنرال أوفقير مرة واحدة فقط في تونس، أثناء زيارات العمل التي قام بها وزراء وعسكريون، إلى مختلف العواصم حيث كان باعتباره موظفا في السفارة يتولى مهام أمنهم وتحركاتهم بالإضافة إلى كتابة التقارير إلى الرباط.
طلب إعفاءه ليركز فقط على عمله في السفارة، خصوصا عندما عين أمينا للسر في السفارة المغربية في روما، لكن الجنرال الدليمي أمره بالبقاء رهن إشارة «اللجنة العليا للدفاع الوطني»، وعندما تم تأسيس «لادجيد» اشتغل أيضا لصالح الجهاز.
محمد الأبيض، علبة أسرار حقيقية، تعيش في ذاكرته وبين صفحات جوازه وشاراته الدبلوماسية، يحكي في أول خروج إعلامي له على الإطلاق، تفاصيل يوم 17 دجنبر 1973 المأساوي في مطار روما بإيطاليا، حيث كان في مهمة توديع وفد الوزير الأول السيد عصمان أثناء توجهه من روما إلى طهران في ضيافة شاه إيران الذي كان صديقا للمغرب. حلّقت طائرة الوزير الأول، بينما بقيت طائرة أخرى تنتظر الإقلاع على متنها وزيران وموظف سام، ومغاربة. كان يتعين على محمد الأبيض توديعهم، وفق أعراف السفارة، قبل أن يلمح منفذي الهجوم يهرولون في اتجاه الطائرة لتحويل ركاب مقدمتها إلى أشلاء.. محمد الأبيض يستحضر ذلك اليوم المأساوي، ويعيد في هذا الحوار الحصري لـ «الأخبار» تركيب الأحداث»..

– حدثنا، إذن، عن هذا الملف السري المتعلق بزيارة عبد العزيز بوتفليقة إلى المغرب وهو وزير للخارجية. في سنة 1966 كما تعلم كانت العلاقات المغربية- الجزائرية متوترة للغاية بسبب هيمنة الهواري بومدين على السلطة وتواري الرئيس بن بلة إلى الخلف.
+هذه الزيارة جاءت في سياق بحث الملك الراحل الحسن الثاني عن حل للمشكل مع الجزائريين عن طريق طاولة الحوار أولا. وقد كلف صهره وزير الخارجية المغربي السابق السيد محمد الشرقاوي بترؤس هذه المفاوضات.
أنا في تلك السنة كنت قد عدت من لبنان وأدخلت إلى قسم التشريفات في وزارة الخارجية وعملتُ مع سي الشرقاوي في استقبال الوفود الأجنبية بالمغرب وأيضا بمصلحة إعفاء السيارات الدبلوماسية التي تستعملها السفارات الأجنبية في المغرب من الرسوم الجمركية.

– ماذا كانت مهمتك بالضبط في زيارة عبد العزيز بوتفليقة إلى المغرب؟
+كانت مهمتي تأمين الفندق الذي سوف ينزل فيه الوفد الجزائري ومراقبة الأجواء والحرص على كتابة تقارير يومية مفصلة عن كل تحركاتهم ولقاءاتهم. كانت المهمة تجمع بين ما هو تقني وما هو أمني أيضا.
وللإشارة فهذه أمور تعلمناها مع سي أحمد السنوسي، صديق دراسة الملك الحسن الثاني وسفيره إلى عدد من الدول من بينها الجزائر، وأحد مؤسسي وزارة الخارجية الكبار الذين تتلمذنا على أيديهم.
وقع الاختيار على مدينة طنجة، وقد كانت طائرة الوفد الجزائري مركونة في بوخالف، بينما خصص فندق لراحتهم في انتظار بدء الاجتماع الذي ترأسه الوزير الشرقاوي بالإضافة إلى مرافقيه.

– من كان في الوفد الجزائري من الشخصيات المعروفة؟
+بالإضافة إلى عبد العزيز بوتفليقة، كان هناك إسماعيل الحمداني، وهو مستشار للرئيس الهواري بومدين، ثم مختار طالب، الملحق الصحافي في السفارة الجزائرية في الرباط لاحقا. ورغم أنه كان يقدم نفسه صحافيا إلا أننا في الخارجية كنا نتعامل معه على أنه عين الجزائريين في المغرب.

– احك لنا كيف بدأت المهمة وكيف انتهت..
+كان سي الشرقاوي حريصا على راحة الضيوف، وكان أمن مدينة طنجة يتعاون معنا بشكل مكثف حيث يؤمنون الفندق والسيارة التي تقل عبد العزيز بوتفليقة من وإلى مكان الاجتماع.
ما وقع أنني، ومباشرة بعد انتهاء اللقاء في أحد الأمسيات وعودة الوفد الجزائري إلى الفندق، كانت مهمتي لا تنتهي فقط بانتهاء الاجتماعات بل تبدأ ليلا لأنه يتعين علي مراقبة الفندق ومعرفة مع من تحدث بوتفليقة والتأكد من ملازمته لغرفته إلى الصباح. لم يكن هناك أي مجال للخطأ.
لكني كنت ليلتها متفائلا جدا، وعرضت على مرافقي الذي كان من الأمن الوطني، أن نستريح قليلا. وبحكم أنني ابن مدينة طنجة، فقد قمنا بجولة في المدينة واخترت أن نشرب قهوة على رصيف «مقهى فرنسا». وبينما نحن نتحدث ونشرب محتفلين، إذا بسيارة متهالكة تمر بجانب المقهى، ولمحت عبد العزيز بوتفليقة راكبا إلى جوار سائقها.

– يعني أنه غادر الفندق..
+نعم غادر بعد منتصف الليل ظنا منه أن المراقبة الأمنية سوف تُلغى ليلا. توجهت جريا إلى الهاتف واتصلت بالفندق حيث ينزل عبد العزيز بوتفليقة واستفسرت عن وجوده وأخبروني أن سيارة الوفد لا تزال مرابطة في مركن السيارات.
وبسرعة فهمت أنه استعمل تلك السيارة المتهالكة للتمويه.
قفزت بسرعة إلى سيارتي ولحقت بالسيارة المتهالكة دون أن أثير الانتباه.
ركنتها بسرعة على بعد أمتار من باب الفندق الصغير الذي توقفت أمامه السيارة، وفعلا نزل منها عبد العزيز بوتفليقة ومرافقه من الوفد. تعرفت عليهما بسهولة.
لكن صدمتي كانت كبيرة عندما رأيت سكرتيرة من الوفد المغربي كانت في مكتب وزير الخارجية، تسلم على بوتفليقة وتصعد معه إلى الفندق.

– تريد أن تقول إنها مخبرة للجزائريين؟
+الطريقة التي سلمت بها على بوتفليقة تؤكد أن بينهما سابق معرفة.
نزلت من سيارتي ودخلت إلى الفندق، وطلبت من الموظف استعمال الهاتف، وفعلا طلبت المسؤول الأمني في طنجة ووجدته في منزله. أحطته علما بما يقع وطلبت منه اللحاق بي على الفور.
بقيت أراقب الفندق لساعات، وقبيل الفجر انتبهت إلى أصوات قادمة من أمام الفندق فلمحت بوتفليقة ضاحكا يودع السيدة التي كانت معه ويصعد ومرافقه إلى السيارة التي كانت للإشارة بدون أضواء إنارة لكي لا يثير الانتباه. راقبت الوضع من بعيد وتأكدت من عودة عبد العزيز بوتفليقة إلى فندقه، وعودة السكرتيرة المغربية إلى الفندق حيث ينزل الوفد المغربي.

– في هذه الحالة كان يتعين عليك إخبار وزير الخارجية بالموضوع؟
+هذا ما فعلته بالضبط. لقد أخبرت السيد الشرقاوي بما حصل وكتبتُ تقريري وسلمته إياه متضمنا كل شيء بالتفاصيل.

– وماذا فعل وزير الخارجية؟
+أول ما قام به الشرقاوي أنه اتصل فورا بالملك الراحل الحسن الثاني وأخبره بالموضوع.

– أخبره أن عبد العزيز بوتفليقة التقى بسكرتيرة من الوزارة بعيدا عن طاولة المفاوضات؟
+أخبره بكل شيء بالتفصيل. لقد كان واضحا أن الأمر يتعلق بعلاقة عاطفية بينهما، وهو ما يضع مصلحة المغرب وأسرار وزارة الخارجية على المحك. احتمال تسريب السكرتيرة لمعلومات مهمة للجانب المغربي إلى عبد العزيز بوتفليقة كان واردا جدا. وقد يكون بدوره حاول استغلال السكرتيرة لهذا الغرض.
لكن المفاجأة كانت هي ما قرره الملك الحسن الثاني، وقد كان قراره صادما لعبد العزيز بوتفليقة شخصيا في الاجتماع الموالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى