الرأي

دورة العنف ودورة اللاعنف (2/2)

كما يقول سقراط إن كان لي الخيار بين الظالمين والمظلومين فأحب إلي أن أكون من الفريق الثاني. وهذا أمر سيكولوجي له نتائج في تحفيز الوعي واللاوعي لنصرة المظلوم.
ونرى هذا جليا عند الشيعة والمسيحيين. فأما الشيعة فهم يجلدون أنفسهم في عاشوراء كل عام إحياء لذكرى المقتول ظلما الحسين. ويقبل الناس على رؤية فيلم المسيح فيبكون بعد مرور ألفي سنة على محاولة صلبه، فأنجاه الله. لأنه يذكر بمصرع الحسين على نحو أشد سلامية. وهو قانون نفسي عند جميع الناس فيحرك مشاعر التضامن لكل المظلومين الذين قضوا من أجل أفكارهم؛ فلمع اسمهم بأشد من الشعرى اليمانية في أفق الإنسانية مثل (ابن رشد) و(جيوردانو برونو) و(جان هوس) و(السهروردي) و(قرة عين) و(جان دارك) و (ابن تيمية). الذين فضلوا الموت من أجل أفكارهم ولم يمارسوا العنف.
وهناك من يخلط الآيات القرآنية وهي آيات متناثرة مثل نجوم السماء. ولولا الإسقاط العقلي على نجوم الدب القطبي ما عرف الناس الشمال من الجنوب. وآيات القرآن كذلك ففيها (كفوا أيديكم) وفيها (اقتلوهم حيث ثقفتموهم) وفيها قصة (نبأ ابني آدم بالحق). فيجب وضع صورة بانوراما لمعرفة المحيط من الإطار وقوانين الطوارئ من أحكام السلام. ويا أيها الذي آمنوا ادخلوا في السلم كافة.
ويجب أن نستوعب أن إسرائيل لم تكن لتوجد لولا المرض العربي. وهو أمر لا يعترف به العرب. وأنه لولا انهيار الجهاز المناعي العربي ما انفجر الالتهاب الصهيوني. ولولا وجود المستنقعات ما تكاثر البعوض وانتشرت الأمراض. وفي الوقت الذي يتعافى فيه العرب فلن تزيد إسرائيل عن فورموزا الشرق الأوسط. ولكن أن تقطع أنف أحدهم بالمقص وبدون تخدير أسهل من استيعاب هذه الحقيقة.
وكل ما نكتب ليس له قيمة ومن يقاومه أكثر ممن يناصره. وهذا الأسلوب إنساني وأخلاقي واقتصادي ويمكن التخلص به من ديكتاتوريات الداخل والاحتلال الخارجي. ويمكن به قهر إسرائيل وإخراج أمريكا.
ولكن الشعوب تتعلم عادة بالعذاب أكثر من الكتابات فيزداد العذاب جرعة جرعة حتى ترجع أو تموت فتبتلع من قوى أفضل منها. والمفكر فدائي بقلمه فيجب أن يصدع بالحق.
ومع الوقت يتنبه الرأي العام العالمي إلى عنف إسرائيل وظلمها وبدأت أسهمها في التناقص فيجب الرهان على الرأي العام العالمي وإعلان نبذ العنف. ولكن هذا يحتاج إلى وعي مختلف وأرضية معرفية متباينة.
ويجب أن نعلم أن ولادة إسرائيل تمت على يد قابلة أوربية. ومن أنجبها كان (الهولوكوست Holocaust) و(الحل النهائي Endloesung) النازي. ويجب أن يستوعب العرب حقيقة إسرائيل، وأنها امتداد الحضارة الغربية، وأنها ديموقراطية من الداخل وعنصرية من الخارج، وأنهم أشداء على الفلسطينيين رحماء بينهم. وأن الأوربيين أوجدوها لتبقى. وأن الأوربيين حلوا الهولوكوست على حساب العرب. وأنهم وضعوا العرب واليهود في قدر تغلي بالاثنين فأرسلوا اليهود إلى هولوكوست جديد. فإسرائيل محكوم عليها بالفناء لأنها ولدت بأخطاء كروموسومية غير قابلة للحياة والاستمرار.
وحين تأتي قوة استعمارية إلى المنطقة لأنه يجب أن تأتي؛ فالطبيعة تأبى الفراغ. وحيث نبتت الديكتاتوريات ماتت الأمم. ولا تحلق النسور إلا فوق الجيف.
وهناك من ينصح الفلسطينيين باستخدام أسلوب حزب الله في المقاومة المسلحة وهو ما تورطت به الانتفاضة وهو فهم مغلوط لواقعات التاريخ والواقع؛ فجنوب لبنان ليس أرض الميعاد. وبضعة جنود في الشريط الحدودي ليس مثل ستة ملايين يهودي في إسرائيل. والجزائر قدمت مليون شهيد لطرد الفرنسيين ولكن لم تولد حتى اليوم. وينطبق نفس الكلام على أفغانستان والصومال، وطرد الأجنبي سهل وبناء نموذج حضاري هو التحدي الأعظم. وعلى العراق اجتمع الاحتلال مع بقايا الاستبداد مثل الايدز والسل. ومن سينحر حزب الله في النهاية هم نفسهم العرب.
وأتذكر من صفحات الانترنيت من موقع إسلام أون لاين نص رسالة موهومة موجهة من الشيخ ياسين إلى حكام العرب يستنجدهم لنصرة فلسطين. وفي يوم استنجد صلاح الدين الأيوبي بملك الموحدين في المغرب فغضب على الرسول ورده لأنه لم يسمه خليفة المسلمين.
والجماعات الإسلامية لو كانت في مقعد حكام العرب لفعلوا نفس الشيء وبفتوى دينية؟ كما كان يفعل شيخ الإسلام في الأستانة بأن (الفتنة أشد من القتل) فيقتل (وبنص من القرآن) في ساعة واحدة 19 من أخوة السلطان محمد خان الثالث خنقاً غداة ركوبه على العرش ورقاب المسلمين.
هل يحق للفأر أن يتشاءم إذا رأى قطة سوداء؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى