الرأيالرئيسية

رجعُ الصدى..

 

 

يونس جنوحي

مليارا شخص تقريبا وصلت إليهم مأساة طفل بئر شفشاون.

المرصد الوطني للرأي العام الرقمي حدد الرقم في مليار و700 مليون شخص.

ربما لم يسبق لأي حدث في المغرب أن شغل الرأي العام في العالم منذ زلزال أكادير سنة 1960، والذي يصادف أيضا شهر فبراير.

ولا مجال طبعا للمقارنة بين الظروف والحيثيات، لكن النتيجة كانت واحدة تقريبا. تضامن دولي كبير وتعاطف لمواطنين حول العالم وتفاعلهم مع الحدث.

في واقعة زلزال أكادير، كانت جل دول العالم لا تزال حديثة العهد بالصورة، لكن مشاهد الزلزال المدمر التي وثقتها قنوات عالمية، وصلت إلى كل أصقاع العالم.

توصل سكان أكادير بمئات آلاف رسائل التضامن من أوربا وأمريكا، وفتحت أسر أوربية منازلها أمام العائلات المغربية. حيث أكدوا في تلك الرسائل التضامنية أنهم مستعدون لتبني الأطفال المغاربة الذين نجوا من الزلزال وفقدوا أسرهم تحت الأنقاض.

وفعلا كان أصحاب تلك الرسائل جادين في عروضهم، وفعلا هناك عائلات أوربية تبنت أيتام الزلزال وقدمت لهم المأوى ومستقبلا أفضل.

أثرياء عالميون قدموا مساعدات سخية لتوفير الطعام والدواء للمصابين، ودخل الصليب الأحمر على الخط لتقديم المساعدات.

بينما تكلف مغاربة، يشبههم «العم علي» الذي كان يترأس عملية الحفر الأولي، لتقليب ركام الإسمنت وكسره وانتشال الجثث والناجين، وصار بعضهم أبطالا قوميين في عيون سكان أكادير ونواحيها وبقوا يتحدثون عن بطولاتهم أثناء الزلزال لسنوات.

في المقابل، رصدت حالات سرقات كثيرة تضررت خلالها العائلات الناجية حيث سلب اللصوص منهم ما تبقى لهم من الزلزال، مستغلين حالة الصدمة التي كانت تمر بها المدينة خلال الساعات الأولى للزلزال.

بينما في واقعة الطفل ريان، الذي أحيا معاني التضامن الإنساني حول العالم قبل رحيله وبعده، سُجلت حالات كثيرة من الجشع البشري وانعدام الضمير عندما روج من يسمون أنفسهم «مؤثرين»، وخطرهم فعلا يتجاوز خطر الزلازل، أخبارا كاذبة وضعوا لها عناوين مثيرة لاستدرار عطف الناس وانتباههم وجمع «دولارات» إضافية من «الأدسنس». وصاروا يتحدثون عن أسرار الأب والأم المكلومة ووصلوا حد تأليف قصص مزعومة عن مشاكل عائلية وروجوا مقاطع من أرشيف دول أخرى ونسبوها إلى واقعة شفشاون وأكدوا أنها توثق للحظة إخراج ريان من البئر طيلة أيام اشتغال الحفارين بمعنويات عالية للوصول إلى الطفل المحتجز على عمق قرابة ثلاثين مترا.

لا فرق بين الأمس واليوم سوى أن لصوص زلزال أكادير كانوا على الأقل لصوصا محترفين مهنتهم النشل وقطع الطريق، ولاقوا جزاءهم في إطار القانون.

بينما في واقعة الطفل ريان كان هناك لصوص بغطاء مواطنين طيبين ينقلون للمغاربة وللعالم تفاصيل مأساة الطفل ريان.

عندما وقع زلزال أكادير في آخر أيام فبراير قبل اثنين وستين عاما من اليوم، كان نقل الصورة يحتاج إلى وصول طائرات تنقل صحافيين ومعدات تصوير، وكانت رهبة الكاميرا حاضرة عند الجميع، صحافيين وتقنيين وحتى من جانب الضحايا، لأنهم يستحضرون أنهم يشاركون في التوثيق لمأساة إنسانية من مآسي القرن.

أما في شفشاون، فقد كان كل واحد يحمل معه قناة في جيبه. وإذا اقتضى الأمر اختلاق صورة للطفل لحصد الإعجاب فإن حامل الهاتف لن يتردد أبدا في صنع واحدة وبثها لكي تنتشر كالنار في الهشيم.

الله وحده يعلم إلى أين يتجه هذا العالم المجنون. لقد تابعنا جميعا كيف أن قنوات محترمة جدا، خصوصا خلال الأيام الأولى، كان وصولها إلى الخط الأمامي لتغطية الواقعة محدودا. بل إن بعض الصحافيين اشتكوا من صعوبة نقل صورة واضحة للمشاهد. بينما كان أصحاب قنوات «يوتوب» قد شدوا الرحال من كل مكان، وأطلقوا نقلا مباشرا لمتابعيهم الذين يعدون بالملايين في المغرب والدول العربية، على بعد ملمترات فقط من الحفرة، وظلوا يتحدثون أكثر من الصحافيين عن أجواء عملية الإنقاذ وروجوا إشاعات كثيرة جعلت التغطية الصحافية المسؤولة لحدث بتلك الأهمية، تشبه تماما المشي فوق حقل من الألغام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى