
شامة درشول
انتشرت أغنية عراقية بعنوان «تعال»، ولقيت مشاهدات صارخة على يوتيوب. والملفت للانتباه هنا ليس نجاحها، ولا أنها لقيت الإعجاب في المغرب وبلدان المشرق، بل اللافت هو اكتشافي أني مثل عدد من معارفي رفضنا في البداية الإنصات إليها فقط لأنها أغنية خليجية، حتى أن أحد الأصدقاء كتب يقول: «في البداية رفضت الاستماع إليها لأن المطربين بدت أشكالهم مثل أولئك الخليجيين الذين نصادفهم في جنبات توين بكازا».
لفت انتباهي هذا التعبير، فقد كان ملخصا لما يمكن تسميته «حالة الستيريوتيب»، تلك الصورة النمطية التي نسقطها على شخص، أو شيء، أو ثقافة ما، دون حتى أن نسائل أنفسنا «هل ما نعتقد أنه حقيقة هو حقيقة فعلا؟».
المغاربة يرددون في ما بات لازمة مملة «المغربيات مشوهينا»، «المغاربة مشوهين فينما مشاو»، «لحوالى وسخو لبلاد»، «لكاوري هو لي كيحكم فلبلاد»، «هادوك المشارقة شحال كذابين»، «هادوك المصريين موسخين»، «هادوك اللبنانيين شفارة»، «هادوك ليهود الله يعمر ليهم الدار»، «ليهود بصح هوما المسلمين»، «هادوك لفلسطينيين باعو أرضهم وسعاية»، «دزايريين معقدين من لمغاربة»، «توانسة عاجبهم راسهم»، «الليبيين مكلخين»..، ولن تنتهي اللائحة هنا. وحالما نبدأ في الصعود نحو أوروبا، سنجد ستيريوتيب يتغير، ويكاد يردد الشيء نفسه «نصارى معقولين، مافيهمش لكذوب، مافيهمش لخواض»، ليصبح لازما على المغاربة أن يتوقفوا قليلا ويتأملوا سواء نظرتهم لأنفسهم، للمحيطين بهم، وللآخر الأجنبي المختلف عنهم، ربما سيجدون أن المشكلة تتلخص في كلمة واحدة «ستيريوتيب»، وربما سيكتشفون أن المغاربة ليسوا بهذا السوء، ولا الجيران بهذا القبح، ولا الأجانب بهذه الملائكية.
الخليجيون، أو كما يلقبون هنا بـ«الحوالى»، وحسب ما فهمت أنها إشارة إلى «الحوالة»، ليسوا بالضرورة مجرد متحرشين، لاهثين وراء النساء، هم حقيقة يحبون النساء، لكن لا يجب أن نهمل أنهم يحبون أكثر إكرام النساء، لنأخذ على سبيل المثال دولا خليجية مثل سلطنة عمان، والإمارات وقطر، يمكن هناك لأي امرأة، أن تتجول كما تشاء بدون أن تتعرض لأي مضايقة، يمكن للمرأة أن تلج أي مرفق عمومي وتلاحظ أن نوعية الخدمة المقدمة لها تختلف عن تلك المقدمة للرجل، وأنها تقدم لها باحترام فائق وتقدير، حتى أن تقريرا أمريكيا قارن بين نساء دبي ونساء أمريكا وقال إن المرأة الأمريكية حين تدخل مكانا ما فإنها مجبرة على أن تقف مثلها مثل الرجل في الطابور، في حين أنه في مدينة مثل دبي يخصص لها طابور خاص، وتعطى له الأولوية على طابور الرجال.
في مصر، صحيح أنها بلد يرتفع فيها مستوى التلوث حتى أني اعتقدت يوم زرت القاهرة أول مرة أنهم يصبغون جدران منازلهم بالأسود، في حين أنه كان مجرد آثار تلوث، وصحيح أن لازمة «كل سنة وأنت طيب»، تماثل عبارة «عطيني باش نشرب قهوة» في المغرب، إلا أن التعميم لا يجب أن يعمينا عن حقيقة أنها بلد حقيقي للإبداع، وأنها سوق فني كبير، وأنه صعب أن تنجح في مصر، وأنك إن فعلت فقد فتحت لك الدنيا من أرض أم الدنيا.
حتى في لبنان، التي يعتبر أهلها مجرد بائعي كلام معسول، يتاجرون في كل شيء، ولا حدود بين الحلال والحرام، إلا أنه بلد يمكن أن تتعلم من أهله الكثير، أوله أن التجارة شطارة، وأن الكلام المعسول بابك للكثير من الصفقات، وتتعلم أكثر كيف تقوم بالترويج لنفسك، وأن تفهم أنه قد تكون ناجحا وموهوبا، لكن إن لم تكن تجيد التسويق لنفسك، فلن يسمع عنك أحد.
وصحيح أن الفلسطينيين ليسوا بضحايا كما نعتقدهم، لكن هذا لا يعني أن نمجد في اليهود فقط لأنهم بنوا دولة قوية بمساعدة دول عظمى، اليهود ليسوا بملائكة، وليسوا كلهم شياطين، والفلسطينيون ليسوا كلهم ضحايا، لكن شيئا يجب أن تتعلمه من اليهودي وهو قدرته العميقة على فهم الحياة، اليهودي يحب المال والدين، ونفسه ومحيطه، ويحب أن يعمر كثيرا في الحياة، لذلك هو يبدع وينتج، ويدرس ويعمل، ولذلك هو قد يفضل التعامل مع اليهودي لأنه يفكر مثله، لكنه لن يتردد في التعامل مع أي شخص يقدس العمل ويحب الحياة. أما الفلسطيني، وخاصة من بني المهجر، فعليك أن تتعلم منه ذاك التآزر، والاتحاد والتحالف بينه وبين بني بلده، ولتحسبن أنهم يشكلون مافيا نازية لا يسمح فيها إلا لحامل الدماء الفلسطينية باختراقها، في الوقت الذي يحرص المغربي، ولسبب نجهله، على نبذ، وتدمير وتحقير كل من هو، وما هو مغربي، ويجرؤ على التساؤل بعدها «مال كحل الراس داير هاكدا؟».
أما الجزائري والتونسي، فعلى المغربي أن يفهم أن لا أحد يكرهه، وأن هذين الشعبين أكثر الناس بحثا عن المغربي، وأكثر الناس احتراما وتقديرا له، في حين أن الليبي ليس كما يقال عنه «مكلخ»، فقط هو مواطن عفوي، يتصرف على الفطرة، ويحمل بين ضلوعه الكثير من النخوة، والشهامة، التي لا تزال تحيا فيه بفضل القبيلة.
الرجل العربي ليس بهذا السوء، والرجل الغربي ليس ملاكا بجناحين، فقط هو «ستيريوتيب»، يكفي أن نثور عليه حتى نفهم أننا نملك الكثير من الجمال في داخلنا، وأنه حان الوقت لنخرجه إلى الوجود لعله يحارب هذا القبح الذي نصر على أن نقنع أنفسنا به.




