الرأي

ضغوطات السعودية وتركيا لإشعال حرب برية في سورية

الاجتماع الذي بدأت أعماله مساء اليوم (الخميس) في مقر حلف الناتو في بروكسل، ويشارك فيه وزراء دفاع وخارجية دول التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة تحت عنوان «محاربة الدولة الإسلامية»، ربما يكون الأخطر منذ بدء الأزمة السورية قبل خمس سنوات، لأن أمامه أحد خيارين: فرض الحل السياسي بالقوة العسكرية، أو الاستسلام بالكامل ورفع الرايات البيضاء، أمام التقدم الكبير الذي حققه الروس وحلفاؤهم من الإيرانيين والسوريين في جبهات القتال ضد قوات المعارضة السورية المسلحة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتصرف هذه الأيام مثل “الثور الهائج”، وهو يرى معظم مخططاته، وربما أحلامه، في السيطرة على سورية وتغيير نظامها على حافة الانهيار، بسبب الانقلاب الحادث في موازين القوى على الأرض، واقتراب القوات السورية من السيطرة على حدودها مع بلاده، وقطع خطوط الإمداد عن المعارضة التي يدعمها، وتدفق أكثر من سبعين ألف لاجئ سوري جديد يطرقون أبواب معابر بلاده الحدودية بحثا عن ملاذ آمن، وتزايد احتمالات عودة مدينة حلب وجوارها إلى سيطرة الحكومة السورية مجددا.
الرئيس أردوغان، وفي حالة غضب غير مسبوقة، أكد أن كلمة “أغبياء” ليست مرسومة على جبهات الأتراك، وهدد أوروبا بإغراقها بعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، إذا لم يتجاوبوا مع مطالبه المالية والسياسية، وقال إن الطائرات والحافلات جاهزة، و”سنقوم بما يلزم”، ولكن أحد المحللين الأوروبيين قال ساخرا: لماذا ترسلهم إلينا، أرسلهم إلى حلفائك في السعودية والخليج فهم أولى بها.
السعوديون هذه الأيام أكثر غضبا وقلقا من أردوغان نفسه، هم يرون تعهداتهم بإجبار الرئيس الأسد على الرحيل عبر الحلول السياسية ما زالت بعيدة التحقيق، ولذلك لم يبق لهم إلا الحل العسكري، ولهذا أرسلوا الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع إلى بروكسل لقيادة وفدهم حاملا عرضا بإرسال قوات سعودية خاصة إلى سورية، عبر البوابة التركية لإنقاذ المعارضة، وإقامة منطقة عازلة، وبدء العمليات البرية فورا.
الروس في المقابل “يناورون” ويريدون كسب الوقت، قبل القبول بوقف لإطلاق النار الذي يأتي كشرط لإنجاح مباحثات جنيف المقبلة بين النظام السوري والمعارضة، لأن الرئيس فلاديمير بوتين لديه إيمان راسخ بأن كل الجهود لقتال “الدولة الاسلامية” لا يمكن أن تنجح في سورية، أو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بدون إغلاق الحدود السورية التركية، وقطع الإمدادات عن المعارضة السورية المسلحة، والجماعات الاسلامية المتشددة.
التدخل العسكري البري السعودي الخليجي في الأزمة السورية مشروط بقيادة الولايات المتحدة له، وأن يتم تحت مظلتها، ولكن الإدارة الأمريكية الحالية لا تريد الرضوخ للضغوط التركية والسعودية المتصاعدة، والتورط في حرب برية في سورية، وعبر عن هذا الموقف بصراحة الوزير جون كيري عندما قال مستنكرا لمعارض سوري استفزه في لندن “هل تريدني أن أدخل في حرب مع الروس من أجلكم؟.”
الإيرانيون، ومثلما يتضح من تصريحات اللواء محمد علي الجعفري، أثناء تشييع أحد ضباطه والذي قتل في سورية ربما “يتمنون” هذا التدخل البري السعودي الذي يعتبرونه “خطوة انتحارية”، وقال اللواء الجعفري إن أي صدام بين القوات السعودية والإيرانية قد يكون بداية النهاية للحكم السعودي، فإيران تعتبر سوريا ميدانها الحيوي، وكأنها تلعب على أرضها.
الروس والإيرانيون عاقدون العزم على منع سقوط النظام السوري مهما كلف الأمر، وإلى جانب تصريحات السيد وليد المعلم الذي يعتبر من “الحمائم”، وأكد فيها أن الجنود السعوديين سيعودون في صناديق خشبية في حال دخولهم الأراضي السورية دون إذن حكومتها، وجرى تسريب أنباء في مواقع استراتيجية قريبة من موسكو، تقول بأنه تم التوصل إلى اتفاق بين القيادتين الروسية والسورية “يقضي بدعم الأولى للثانية بالتصدي لأي قوات تخترق السيادة السورية فورا وبقوة ودون الرجوع للقيادات العليا.”
هناك نظريتان حول هذا الدفع السعودي المتصاعد باتجاه الحرب البرية في سورية: الأولى تقول بأن القيادة السعودية غير جدية، وتلوح بالقوات البرية كورقة ضغط للوصول إلى حل سياسي يحسن شروطها، ويجبر الروس على التنازل في موضوع مستقبل الرئيس الأسد، لأنه من الصعب خوض حرب في سورية دون حسم أخرى أهم في اليمن، والثانية: تؤكد أن السعودية جادة جدا في تفجير حرب مواجهة ميدانية في سورية، لأنها لا تستطيع أن تتراجع بعد خمس سنوات من التدخل والتسليح وضخ المليارات وتعبئة الرأي العام السعودي والعربي إعلاميا، لأن التراجع يعني خسارتها لهيبتها، ووحدتها الترابية، وربما نظام حكمها أيضا.
ترأس الأمير محمد بن سلمان شخصيا الوفد السعودي إلى بروكسل يفسره الكثير من المراقبين على أنه تمهيد لإعلان الحرب، وليس مؤشرا على المرونة، ولكن اللافت أنه لم تعلن أي دولة من دول التحالف الاسلامي، باستثناء البحرين والإمارات تأييدها للتدخل العسكري البري «السني» في سورية، وهذا أمر يدعو للقلق، قلق السلطات السعودية طبعا.
القيادة السعودية لم تنجح في جر إيران، خصمها الأكبر إلى حرب مواجهة مباشرة في اليمن، ولكن يبدو أن إيران، على أبواب نجاح آخر بجرها، أي السعودية، إلى حرب استنزاف ثانية في سورية، ربما تكون أكثر تكلفة من الأولى لأنها ليست محاذية لحدودها السعودية، وعلى أرض معادية لها، وتملك فيها إيران وحلفاؤها اليد العليا.
يمكن اختصار المشهد السوري في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة في ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الأول: أن يؤدي هذا التصعيد باستخدام القوة إلى نوع من المرونة، تؤدي إلى إنجاح العملية السياسية التفاوضية في جنيف بعد أسبوعين.
الثاني: أن تنجح المناورات الروسية في كسب الوقت، بما يمكن الرئيس الأسد من استعادة حلب، وإغلاق الحدود مع تركيا في وجه المسلحين وقطع خطوط إمدادهم.
الثالث: أن تنجر الولايات المتحدة إلى قيادة تحالف بري سعودي تركي يتصدى للتدخل الروسي ويقيم منطقة عازلة، ويعيد التوازن إلى المعادلات العسكرية الميدانية، واحتمالات حرب كونية تصبح في هذه الحالة شبه مؤكدة، أو بالأحرى حتمية.
التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار ربما يؤدي إلى تجنب الصدام الكوني الإقليمي مؤقتا، وانهيار الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف، قد يفتح الأبواب على مصراعيها أمامه.
المداولات الحالية في بروكسل ليست لمحاربة “الدولة الاسلامية”، وإنما لمحاربة روسيا، وهزيمة حلفائها وإسقاط النظام في دمشق، فـ”الدولة الاسلامية” “فزاعة” يستخدمها الجميع، وإلا لماذا تذهب قوات برية سعودية لمحاربتها في حلب والرقة، وهي على بعد خطوات من قواتها وحدودها في عدن، والمكلا، وأبين، ولم تطلق على تجمعاتها طلقة واحدة، وهذا ينطبق أيضا على تركيا، وعلى روسيا والنظام السوري أيضا.
نحن على أعتاب حرب طائفية سنية شيعية بمسميات مضللة. وفوجئت قبل أيام بمن يتصل بي سائلا رأيي عن مفهوم “القومية السنية” التي باتت الفكر السعودي الجديد في مواجهة ما أسماه بـ”القومية الشيعية الفارسية”، وأبلغني أن هناك دعما كبيرا لهذا التوجه ماليا وعقائديا.
نعرف من هو الخاسر من هذه الحرب إذا ما اشتعل أوارها، العرب والمسلمين جميعا، مثلما نعرف من هو الكاسب، وهو أمريكا وروسيا واسرائيل والغرب عموما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى