عبد المالك العلوي.. ابن وزير دولة ونجل ديبلوماسية وخبير في الذكاء الاستراتيجي
أولاد خدام الدولة..

لم تسقط صفة وزير الدولة على مولاي أحمد العلوي، حتى وهو خارج الحكومة، ظل ناطقا باسم الديوان الملكي، لكنه كان ناطقا بصوت مرتفع لأنه يفكر بصوت مرتفع. تصف كتابات التاريخ السياسي الحديث أحمد العلوي، بالوزير الدائم، فحين لا يجد له الملك قطاعا على مقاسمه يضعه في خانة وزراء الدولة الذين لا حقائب لهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
مولاي أحمد العلوي.. الوزير الأبدي
ظل الرجل اسما مرعبا للوزراء ورجال السلطة والصحافيين، بعد أن استمد سلطته من قرابته من محيط الأسرة الملكية، إذ كان مساعدا للملك الراحل محمد الخامس، وحين خلفه ولي عهده ظل أحمد محافظا على نفس الموقع ولم يتأثر بانتقال السلطة، إذ رسخ مكانته مع الحسن الثاني بقفشاته خلال جلساته الخاصة والعامة.
عينه الحسن الثاني على رأس مؤسسة إعلامية رسمية “ماروك سوار” اعتقد الكثيرون أن التعيين مجرد جبر للخواطر، لكن الرجل كشف في إحدى افتتاحياته أسباب نزول القرار وتحدث عن مساره التعليمي وشواهده في مجال الإعلام. ظل يوظف كتاباته للتصدي لمن أسماهم خصوم الملكية، حتى عرف في الوسط الصحافي بالإعلامي الذي يكتب مرافعات ترسم الخط التحريري للمؤسسة الإعلامية.
عايش العلوي الملوك الثلاثة، ذهب إلى فرنسا لدراسة الطب لكن السياسة استهوته منذ أن كان مراسلا لجريدة “العلم” من باريس، بعد أن حجز لنفسه مكانة في وسط الجالية المغاربية لعلاقته العائلية مع المحيط الملكي، وحين عاد إلى المغرب عين وزيرا للأنباء والسياحة وأضيفت لاختصاصاته الفنون الجميلة، وظل وزيرا للدولة من غشت 1983 إلى غاية تسعينات القرن الماضي، ضمن الحكومة الثالثة والعشرين، ولم يغب اسمه من قوائم الوزراء إلا بعد تشكيل حكومة التناوب لعام 1998 برئاسة عبد الرحمن اليوسفي.
في أيامه الأخيرة، اشتد به الحنين إلى الذكريات، فكان يومئ إلى مرافقه أن يذهب به إلى أحد الفنادق بين الرباط والصخيرات. كان يجلس هناك يتطلع إلى البحر والوجوه، فقد راهن لدى توليه منصب وزارة السياحة على بناء الكثير من الفنادق والمنشآت السياحية.
في أبريل 2002 أصدر الديوان الملكي بالمغرب بلاغا حزينا على ينعى فيه أحمد العلوي وزير الدولة السابق، وقد جاءت النبرة الحزينة للبلاغ الملكي من المكانة التي كان أحمد العلوي يحتلها ضمن المشهد السياسي الإعلامي بالبلاد، إضافة لكونه أحد أكبر رموز فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني.
ووصفه بلاغ القصر الراحل بــ”أيقونة دالة في حكم الحسن الثاني إذ كان بتمتع بحيويته الكبيرة، وبجرأة في التعاطي مع القضايا الكبرى”.
السفيرة والباحثة الجامعية تقود سفينة العائلة
بعد وفاته حرصت أرملته أسية بن صالح على تنظيم حفلات تأبين للفقيد، بتنسيق مع الجامعة الأورومتوسطية ومديرية الوثائق الملكية وأسرة المرحوم مولاي أحمد العلوي، وشخصيات من المغرب وخارجه. والذي تميز بتكريم الفقيد الذي كان شخصية متعددة التخصصات، تمتلك معارف غنية وواسعة، وكان له إسهام في عدة قضايا كانت تشغل الساحة والرأي العام السياسي، مع الإشادة بنضاله من أجل النهوض بحوار الثقافة وقضايا التعددية والتنوع بالمغرب.
كما نظم معرض بعنوان “مولاي أحمد العلوي، شاهد على عصره” تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، في إطار تخليد الذكرى العشرين لوفاة الراحل، وأطلق اسمه على فوج من خريجي أحد المعاهد التكوينية العليا بفاس.
وأشاد الحاضرون في الحفل التأبيني بالجهود التي بذلتها أرملة مولاي أحمد العلوي، التي تحملت أعباء تربية الأبناء بالرغم من غياب الوالد متعدد الاهتمامات. وتعد أسية بن صالح إحدى خبيرات المملكة في مجال قانون الاقتصاد الدولي، وسبق لها أن درست هذا التخصص في كلية الحقوق بالعاصمة الرباط، ناهيك عن منصبها كسفيرة متجولة للملك محمد السادس. كما أنجزت كتابا حول زوجها الراحل اختارت له كعنوان: “مولاي أحمد العلوي.. الشغف والكلمة”.
للإشارة فإن أسية بن صالح هي حفيدة القائد البشير بن صالح الزمراني، الذي كان “قائد المائة العسكرية” في العهد العزيزي، ثم أصبح “قائد الرحى” في العهد الحفيظي، وحارب مع الجنود ضد الثائر بوحمارة، ثم أصبح قائدا على قبيلة زمران ثم قبائل التسول وتاونات، إلى وفاته بفاس سنة 1942.
عبد المالك العلوي.. الخبير الذي يبيع النصح للقادة
على الرغم من الأضواء التي سلطت على والده مولاي أحمد العلوي، فإن ابنه عبد المالك العلوي، ظل مصرا على الاشتغال بعيدا عن الأضواء في سرية تامة، ونادرا ما يقدم اسمه كابن وزير دولة سابق، أو نجل سفيرة للملك، بل إن الولد اختار لنفسه سكة أخرى غير سكة السياسة حيث اشتغل في قطاع إدارة الأعمال، واختار لمؤسسته مدينة الرباط كمقر رئيسي لأنشطتها”.
قالت عنه صحيفة “جون أفريك”: “رغم انتسابه لعائلة واحد من أبرز وزراء المملكة، وحمله اسم العلوي الذي يكفي لتفتح أمام حامله الكثير من الأبواب بسهولة، إلا أن ابن مولاي أحمد لا يحتاج لطرق الأبواب”.
في حوار مع صحفي “جون أفريك” المهدي مشبال، قال عبد المالك العلوي:
“أنا ابن المخزن نشأت في بيت مترامي الأطراف، توجد به مكتبة كبرى تزخر بمئات الكتب من كل الأصناف، شاهدت في صالون بيتنا مئات الشخصيات المغربية والأجنبية من كل الأطياف، في هذا الوسط نشأت وفتحت عيني على صناع القرار. هذا الجو يمكن أن يكون مصدر قلق داخل أسرتنا لكن كانت له الكثير من الإيجابيات أيضا”.
بفضل انتمائه لعائلة وزير دولة من قيمة مولاي أحمد العلوي، وديبلوماسية وأستاذة وباحثة جامعية من قيمة أسية بن صالح، اكتسب عبد المالك شبكة علاقات ساعدته في مساره المهني المختلف عن مسار والده.
“عندما كنت صغيرا، أقسمت على نفسي أنني لن أختلط أبدا مع الأقوياء، وأنني لن أتدخل في السياسة ولن أقترب منها”، يتذكر عبد المالك، الذي “يهمس اليوم في آذان العظماء كبار خدام الدولة في المملكة، وحتى في بعض بلدان غرب أفريقيا”، حسب وصف “جون أفريك”.
مسافة أمان مع السياسة
بعد أن حصل على شهادة البكالوريا، سافر عبد المالك العلوي إلى فرنسا في رحلة لا تشبه رحلة والده حين اختار الدراسة في باريس. نهل الولد من العلوم الاقتصادية والقانونية، ودرس في معهد العلوم السياسية بباريس، وجامعة الدراسات العليا للتجارة، وحين عاد إلى المغرب وضع نصب عينه مهمة المستشار الخبير.
انعزل عبد المالك العلوي ووضع مسافة بينه وبين السياسة، رفض عروضا بالالتحاق بأحزاب سياسية ودخول تجارب انتخابية، وأصر أن يبقى بعيدا عن محيط القصر والمكاتب الوزارية.
في سنة 2005 بدأ عبد المالك بممارسة أنشطة كانت حديثة العهد نسبيا في المغرب آنذاك: الاستخبار في عالم المال والأعمال، وأنشأ شركة للخبرة والاستشارة والمعلوميات، “توظف شركته حوالي عشرين مستشارا، وتراقب حوالي 15 ألف مصدر معلومات يوميا، هو أحد أبرز الخبراء في هذه المجالات. ولديه قاعدة عملاء وفيرة”.
لا يقدم الرجل المشورة لكبار المؤسسات الاقتصادية بل يرسم استراتيجية النجاح ويرافق الشركات حتى في محنتها، ما جعله يوسع نشاطه المهني إلى خارج المملكة ويصبح له عملاء في دول جنوب الصحراء أيضا.
“أحيانا نتدخل في المجال السياسي لكن بطريقة أخرى، خاصة في الحملات الانتخابية، فقط من أجل فهم مسار وتوجهات الخصوم السياسيين لعملائنا”. يضيف عبد المالك العلوي.





