
أستاذ الرياضيات والفيزياء النظرية بجامعة كامبريدج الشهيرة الإنجليزي ستيفن هوكينغ (1942-2018)Stephen Hawking أحد أذكى علماء الفيزياء النظرية منذ عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين. رغم أنه لم يحصل على جائزة نوبل، إلا أن أبحاثه النظرية في نشأة الكون وتطوره كانت رائدة وتمثل انقلابا كبيرا شبيها بما أحدثته النظرية النسبية لأنشتاين خاصة اكتشافه المذهل “معادلة هوكينغ” التي كان لها الدور الكبير في طريقة فهم العلماء للثقوب السوداء، وكيفية تطور الكون مع مرور الزمن.
كان يحس في قرارة نفسه بأنه عبقري
ولد ستيفن هوكينج في أسرة كان والده طبيباً تخرج من جامعة أكسفورد، أما زوجته إيزابيل والدة ستيفن، فكانت تدرس الفلسفة والاقتصاد والسياسة، التقى الزوجان بعد فترةٍ وجيزة من نشوب الحرب العالمية الثانية في معهدٍ للأبحاث الطبية، حيث كانت تعمل إيزابيل سكرتيرة وفرانك والده باحثا وأصبح في ما بعد رئيسا لقسم علم الطفيليات.
تميزت عائلة ستيفن بالذكاء الكبير، وبأنها غريبة الأطوار إلى حدٍ ما حيث كل فرد من العائلة إما منشغل بكتبه أو منهمك في مختبره أو ورشة خاصة لإجراء التجارب والأبحاث. رغم ذلك كان المستوى الدراسي لستيفن هوكينغ في صغره يتأرجح بين المتوسط والمتدني، ويرجع ذلك ربما إلى تركيزه الشديد في معرفة كيفية عمل الأشياء، بحيث كان يقوم بتفكيك الساعات أو أجهزة الراديو إلى أن أطلق عليه لقب إنشتاين في المدرسة، ورغم نتائجه الضعيفة نسبيا، فقد كان ستيفن يحس في قرارة نفسه بأنه عبقري.
في مرحلة الدراسة الثانوية لم يكن متفوقا كذلك في دراسته، وكان والده يريد منه أن يكمل دراسته في الطب إلا أنه فضل أن يدرس الفيزياء. درس ستيفن هوكينغ في جامعة أكسفورد وحصل على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، والدكتوراه في جامعة كامبريدج.
وفي عقده الثاني بدأت معاناته مع المرض الذي أصابه وهو مرض عصبي يدعى التصلب الجانبي ليصبح تدريجيا بعد ذلك مقعدا غير قادر على الحركة أو الكلام والتواصل مع الآخرين، وصرح الأطباء آنذاك بخصوص هذا المرض أنه خطير ولن يعيش صاحبه أكثر من سنتين، لكن خابت توقعات الأطباء واستطاع ستيفن هوكينغ العيش حتى بلوغه سن 76 من عمره، مما يعتبر في حد ذاته معجزة كبرى.
بدأ ستيفن في الاستعانة بكرسي متحرك مجهز بحاسوب يتحكم فيه بواسطة يده في البداية ثم حاجبيه وأخيرا عضلة خده التي لم يمسسها التصلب كي يتواصل مع الآخرين وليلقي محاضراته ويؤلف كتبه وهذه هي الأخرى إحدى معجزات التكنولوجيا الحديثة. إضافة إلى اكتشافه أن الثقوب السوداء لم تكن سوداء بل تطلق إشعاعا يسمى “إشعاع هوكينغ” طرح نموذجه للكون الذي يستند إلى مفهومين للزمن “الزمن الحقيقي” وهو الزمن الذي يشعر به البشر و”الزمن المتصور في نظرية الكم” وبالنسبة إليه هذا الزمن هو الذي يتحرك على أساسه الكون وإن كان يبدو كخيال علمي فهو مفهوم علمي وحقيقي.
لقد كان ستيفن هوكينغ مثالا للشجاعة والصبر رغم ظروفه الصحية الصعبة واستطاع أن يفسر ببساطة شديدة أعقد النظريات الفيزيائية والفلكية من خلال مؤلفاته التي حطمت الأرقام في حجم المبيعات أو في حواراته ومحاضراته. يقول في كتابه “تاريخي المختصر”: (عندما كنتُ في سن 21 من عمري أصابني داء التصلب الجانبي، انتابني شعور مر بأن هذا الأمر لم يكن عادلا البتة معي. غير أنني اليوم ومن ذلك التاريخ أشعر أنني أنعم بالهدوء والتناغم مع حياتي فقد أنجزت إنجازات جيدة في مهنتي الأكاديمية، وأظن أن معظم الفيزيائيين النظريين يتفقون على أن تنبؤاتي النظرية هو أمر صحيح للغاية رغم أنه لم يأت لي بجائزة نوبل في الفيزياء، بسبب كون مسألة التحقق التجريبي من هذا الإشعاع أمرا في غاية التعقيد والصعوبة).
هوكينغ.. السفير الشعبي للعلوم
عُرِف ستيفن هوكينغ بروح الدعابة وقدرته على شرح أعقد النظريات العلمية ببساطة مذهلة، ووجها إعلاميا رغم إعاقته الشديدة في حواراته حتى أطلق عليه لقب السفير الشعبي للعلوم. كما حققت بعض كتبه مثل كتابه “تاريخ موجز للزمن” رواجا ومبيعات كبيرة رغم ما يشوبها من الصعوبة في القراءة، وهذا ما لم يتأت لأي عالم آخر.
اتسمت آراؤه في حواراته المتعددة بتقديم جملة من التحذيرات تخص مستقبل البشرية فهو يقول على سبيل المثال: “إن البشر يتطورون اليوم أسرع من أي وقت مضى، ومعرفتنا تزداد أضعافا مضاعفة ومعها التكنولوجيا. لكن البشر ما زالت تتملكهم الغرائز، وبصفة خاصة الدوافع العدوانية مثلما كان عليه الحال أيام رجل الكهف.
هذا العدوان يشكل ضرورة في بعض الأحيان للبقاء، لكن عندما تجتمع التكنولوجيا الحديثة مع العدوان القديم، تكون الإنسانية كلها والحياة بوجه عام على الأرض، عرضة للخطر”.
كان كذلك من أسبق المحذرين من الذكاء الاصطناعي وعواقبه الوخيمة: “إن تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل يمكن أن يكون نهاية الجنس البشري، فالذكاء الاصطناعي سينطلق ويعيد تصميم نفسه بمعدل متزايد باستمرار. أما البشر فهم محدودون بالتطور البيولوجي البطيء، ولا يمكنهم من التنافس مع الذكاء الاصطناعي، وعلى الأرجح سيتمكن من استبدالهم”.
ولم ينس هوكينغ، الملقب بوريث إسحاق نيوتن، ذوي الإعاقة مقدما لهم النصيحته: “نصيحتي لكل شخص من ذوي الإعاقة هي التركيز على الأشياء التي يمكنك القيام بها بشكل جيد، وعدم التحسر على تلك التي تمنعك إعاقتك من تنفيذها، لا تسمح للإعاقة أن تحل في روحك كما هي في جسدك”. كما يحث الطلبة الشغوفين بالعلم: “تذكروا أن تنظروا إلى النجوم وليس ما تحت أقدامكم، وحاولوا أن تفهموا ما تبصرونه، وكونوا فضوليين في تلمس أسباب وجود هذا الكون”.





