الرأي

غوانتانامو.. هل حقق أهدافه؟

بعد الهجمات التي عرفتها الولايات المتحدة في 11 شتنبر من سنة 2001، قررت الدولة العظمى في العالم أن ترد بقوة على الإرهابيين الذين تجرؤوا وجاؤوا بكل جسارة ليشعلوا النار في عرين الأسد. الحرب التي قادها الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن على الإرهاب، والذي كانت القاعدة رمزا له، قبل أن يظهر التنظيم الإرهابي الجديد «داعش» ليزيح تنظيم بن لادن عن عرش المرتبة الأولى في تصنيف الإرهاب، هذه الحرب رامت أن تحقق أهداف صريحة وأهداف خفية.
من بين الأهداف الصريحة التي أعلنت عنها إدارة البيت الأبيض إبان فترة جورج بوش، هو معاقبة تنظيم القاعدة، ولتحقيق هذا الهدف سخرت كل الإمكانات المادية واللوجستيكية، مع جيش جهاز المخابرات الأمريكية المعروف اختصارا بـ:س-أ-ي. وبالفعل تمكنت أمريكا من الإيقاع بالعديد من رموز التنظيم، بعضهم قدمته إلى المحاكمة والبعض الآخر اغتالته، آخرهم كان رئيس زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الذي تم إعدامه في عهد الرئيس الحالي، باراك أوباما. إعدام كان الغرض منه هو رفع شعبية الرئيس أوباما، التي كانت تتراجع يوما بعد يوم.
أما الأهداف الخفية أو الضمنية، فكانت ولا تزال هي السيطرة على منابع النفط، وإعادة تأثيث المشهد الدولي، خاصة في الشرق الأوسط، في إطار مخطط كبير يهدف إلى حماية مصالح الولايات الأمريكية وأصدقائها، حيث تأتي الدولة العبرية في مقدمتهم.
وبالعودة إلى الحدث التاريخي الذي سيظل عالقا في ذاكرة الشعب الأمريكي والعالم أجمع، والمتعلق بتدمير برجي التجارة العالمية سنة 2001، هذا الحدث الذي ما زالت تداعياته مستمرة حتى الآن، والذي شكك العديد من رجال السياسة والخبراء ورجال الصحافة في ملابسات وقوعه، هذا الحدث الجلل سيبقى لغزا كبيرا ربما قد تكتشف الأجيال المقبلة بعضا من أسراره. المهم أن الولايات المتحدة قررت وعلى طريقة رعاة البقر في أفلام «الوسترن» البحث عن أعدائها وكل مشتبه فيه والزج بهم في أتون معتقل رهيب اسمه غوانتانامو.
السجن الذي أصبح أشهر من نار على علم، والذي ألهم الروائيين ومخرجي الأفلام مادة دسمة لإبداعاتهم، أنشأته الولايات المتحدة على خليج غوانتانامو بجزيرة اكترتها من كوبا سنة 1903 بمبلغ 2000 دولار سنويا. هذا الثمن البخس قبلت به كوبا كرد جميل تجاه الولايات المتحدة، التي لعبت دورا حاسما في تحرير كوبا.
لجوء الولايات المتحدة إلى إنشاء السجن سيئ السمعة على أراض غير أراضيها، كان سببه الأساس هو محاولة المسؤولين في واشنطن النأي ببلدهم عن أي متابعة قانونية، سواء من الداخل أو الخارج. الأمريكان قرروا أن يكونوا بلا رحمة، وأن يبطشوا أشد البطش بكل من يقع في أيديهم من رجال القاعدة، وكل شخص مشتبه فيه، لذلك كانوا في حاجة إلى سجن خاص وبمواصفات خاصة تجنبهم المتابعات القانونية من الهيآت الحقوقية، وقانون بلدهم وحتى المعتقلين الذين كتب لهم أن يخرجوا من جحيم سجن غوانتانامو ليحكوا للعالم عن الفظاعات التي مورست عليهم بين جدران وأسلاك هذا المعتقل الشهير. هذا المعتقل الذي يعتبر بحق وصمة عار على جبين العالم المتحضر، والولايات المتحدة على الخصوص.
منذ سنة 2002 والسجن يستقبل المعتقلين، ينكل بهم ويعذبون أشد العذاب، وهناك من لم توجه لهم أي تهمة محددة، وعلى الرغم من ذلك لم يطلق سراحهم. بل ومنهم من تأكدت براءته واقترح عليه بعد سنين أن يخلى سبيله، على أساس أن يوقع تعهدا بعدم متابعة معتقليه.
في الفترة الأولى من توليه مقاليد الحكم في بلاده، وعد الرئيس الحالي باراك أوباما بإغلاق السجن المثير للجدل، لكن الرئيس لم يف بوعده وظل السجن قائما حتى الآن. حصل الرئيس على جائزة نوبل، وها هو على وشك الرحيل دون أي مساهمة منه في تحقيق السلام بأي مكان من الأماكن المتوترة في العالم. مما يجعلنا نتساءل عن موضوعية منح الجائزة الشهيرة لرجال لا يستحقونها.
السؤال الآن هل حقق هذا السجن بعد أزيد من عقد من الزمن الأهداف التي أنشئ من أجلها؟ هل تمكنت الولايات المتحدة من زرع الرعب في قلوب خصومها، ليتراجعوا عن تهديد أمن الولايات المتحدة وكل دول العالم؟ الجواب طبعا معروف لدى الجميع وهو: لا. العالم عرف بعد أحداث 2001 العديد من الهجمات الإرهابية في شتى بلدان العالم. وزئبق الإرهاب في ارتفاع مستمر، بل إن ظهور التنظيم الإرهابي المعروف اختصارا بـ»داعش»، يٍؤكد أن الإرهاب له قدرة عجيبة على التطور والنهوض من الرماد كطائر الفينيق. إدارة بوش وحتى أوباما لم تنجح سوى في مسألة واحدة، وهي نشر ثقافة الخوف من الخوف لدى أبناء الشعب الأمريكي وكل الدول الأخرى. الكل خائف مما يحمله المستقبل من انفجارات قد تقع في أي مكان، مهما كان آمنا ومحصنا.
غوانتانامو كسجن، أو بالأحرى كجحيم خلقته الولايات المتحدة لعقاب الإرهابيين لم يحقق أي نتيجة. والعنف والعنف المضاد لا يزالان هما بطلا الساحة العالمية، مما يؤكد أن المقاربة الأمنية وحدها ليست الحل، وأن هناك قضايا يأبى المجتمع الدولي حلها لكي يعود الاستقرار إلى الكرة الأرضية. فالفقر، والجهل، والتضييق على الحريات، غياب الديمقراطية، القضية الفلسطينية، وكل الأزمات الأساسية الأخرى يجب أن تحل، وإلا سيبقى العالم مقسما إلى دول ترى أن الإرهاب وباء يجب القضاء عليه، ورجال متهمون بالإرهاب يعتبرون الدول القوية وعلى رأسها الولايات المتحدة طغاة يجب تدميرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى