الرأي

فرنسا تضرم النار في الموضة الإسلامية

في الثامن عشر من الشهر الماضي دشنت شركة «يونيكلو» اليابانية للملابس٬ بعد أشغال تجميل وتحديث٬ متجرها الجديد الواقع في جادة أوكسفورد سترييت بلندن. ويحتضن هذا المتجر الشهير للمرة الأولى تشكيلة جديدة من الأحجبة، الستر، الفساتين والتنورات العريضة والخفيفة المستلهمة من الموضة الإسلامية. يذكر أن الموضة الإسلامية صناعة وسوق انتشرت على نطاق واسع نتيجة طلب متزايد في أكثر من بلد إسلامي ولدى الجالية المسلمة المقيمة في البلدان الغربية، مع رغبة في التميز والتماهي مع الهوية الإسلامية. وتعتبر ماليزيا قبلة الموضة الإسلامية، غير أن «الماركوتينغ» الغربي ما لبث أن فطن إلى الطلب المتزايد ليعرض على مصممي أزياء عالميين ومتاجر كبرى استغلال هذا الكنز. هكذا اتجهت كل من «آش ـ إم»٬ «يونيكلو»، «مارك آند سبينسر» والآن «دولشي غابانا»، إلى تصميم وعرض ملابس وأغراض إسلامية من البوركيني إلى الحجاب، مرورا بالتنورات الطويلة. وتقدر اليوم عائدات صناعة الموضة الإسلامية بـ 96 مليار دولار.
وتوجد في أكثر من بلد أوروبي بل غربي متاجر تقع في قلب العاصمة وعلى شاكلة متجر «يونيكلو»، ما عدا في فرنسا التي أبعدت فيها المتاجر التي تعرض الملابس الإسلامية إلى هامش الضواحي أو في أرجاء نطاق ما يسمى «الأحياء العربية». وعلى خلفية ثلاثة أحداث أو وقائع، التهب السجال هذا الأسبوع وفي ظرف يوم واحد٬ لا فحسب من حول موضوع الحجاب بل في موضوع الموضة الإسلامية. هكذا فجرت «لورانس روسينيول»٬ وزيرة حقوق المرأة، يوم الأربعاء الماضي، فضيحة من العيار الثقيل لما أعربت في مقابلة مع راديو «مونتي كارلو»٬ ومن دون مواربة، عن تقززها من ظاهرة الموضة الإسلامية. وذكرت بأن حرية المرأة تقاس بطول التنورة أو قصرها وارتداء أو عدم ارتداء البنطلون. «في نهاية الستينات أمكن للنساء التوفر على حساب بنكي باسمهن الشخصي، ترددن على المدارس والجامعات، وكانت في متناول أيديهن وسائل لمنع الحمل. وفي هذا السياق تم تقصير التنورة…». وختمت الوزيرة تصريحها بالإشارة إلى وجود علاقة بين لباس المرأة وحقوقها لأن الرهان هو المراقبة الاجتماعية على أجساد النساء.. هكذا عقدت الصلة بين حرية النساء وطول الفساتين، واتهمت الوزيرة كبار مصممي الأزياء الغربيين الذين اتجهوا إلى هذه الموضة، بسجن أجساد النساء المسلمات في ملابس تطمهرن بالكامل. وفي الأخير عقدت الوزيرة مقارنة بين هؤلاء النساء والزنوج الأمريكيين من العبيد الذين كانوا يناصرون الاستعباد.. وترى أن النساء المحجبات ينقسمن إلى فئتين: فئة تناضل من أجل الإسلام السياسي وفئة تتعرض لاضطهاد شمولي بالضواحي. نحن هنا بصدد تخليطات تجعل المتتبع للشأن النسوي الإسلامي يشك في صدق نوايا الوزيرة ورغبتها في تحرير «مستعبدات الموضة الإسلامية». تستشف من هذا التصريح نبرة فالسية (نسبة إلى مانويل فالس). هذا النوع من التخريجات ماركة مسجلة لليمين المتطرف ولبعض سياسيي اليمين الراديكالي. لكن يبدو أن اليسار أصبح يتبنى بدوره هذا الخطاب الإسلاموفوبي النيوكولونيالي. فلا غرابة إذن إن سقط الحزب الاشتراكي بدوره في إسلاموفوبيا شعبوية وبدائية. في اليوم نفسه٬ وقع جان بلانتي٬ الرسام الكاريكاتوري لصحيفة «لوموند»٬ في الصفحة الأولى من الجريدة رسما كاريكاتوريا حقيرا لم يضحك أحدا. يمثل الكارتون مجموعة من الفتيات محجبات يرتدين فساتين إسلامية لكنهن متشمرات بأحزمة من المتفجرات. من يعرف جان بلانتي٬ المناصر للقضية الفلسطينية٬ لمعذبي الصحافة في العالم٬ يعيب عليه فهم هذه السقطة الإسلاموفوبية التي جعلته يقيم علاقة تبسيطية بين الإسلام والإرهاب. وانتظمت للتو على مواقع التواصل الاجتماعي حملة لشجب والتنديد بصنيعه.
تمت الخرجة الثالثة في اليوم نفسه٬ وعلى لسان بيار بيرجيه٬ رئيس مؤسسة «بيرجيه ـ سان لوران»٬ الذي وجه على أمواج محطة «أوروب 1» نداء إلى مصممي الأزياء لدعوتهم إلى التخلي عن فكرة ربح الأموال في الموضة الإسلامية. «وظيفتكم ومهمتكم هي تزيين النساء لا الإقفال عليهن داخل ملابس شبيهة بالزنازين» يضيف بيرجيه. في الحياة يجب أن نكون إلى جانب الحرية. علينا أن نعلم النساء العري. عليهن أن يعشن مثل بقية النساء. وتجرأ على القول إنه لا يفهم لماذا يعانق الناس ديانة الإسلام٬ عاداته وأخلاقه التي تتعارض مع حريتنا نحن الغربيين،
في الوقت الذي تتعامل فيه أكثر من عاصمة أوروبية مع الموضة الإسلامية بشكل عادي، نجد العديد من الأطراف في فرنسا٬ التي تعتبر عاصمة الموضة في العالم٬ تنظم «شعالة» في حق اللباس والموضة الإسلامية٬ بحجة أنها قروسطية وأداة لإقفال جسد النساء. هذا التصور يبرهن على أن فرنسا تعاني من مرض طفولي اسمه التطرف العلماني. وقد صدر هذه المرة عن عناصر تحسب على اليسار وقوى التقدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى