الرأي

فقاعات فنية

الفنان ليس رقما ضائعا في المعادلة الاجتماعية والسياسية، بل إن صوته في بعض المجتمعات مسموع ونافذ ومطلوب بإلحاح حول مستجدات بلده وتفاعلاتها في شتى الميادين. وقد تابعنا، أخيرا، كيف أن فنانين وفنانات في فرنسا أدلوا بآرائهم وعبروا عن مواقفهم من قضية منع لباس السباحة «البوركيني» بصفته «رمزا للتشدد الإسلامي». وقالت إحدى الممثلات إن «البوركيني» مجرد شجرة تخفي غابة المشاكل الفرنسية العويصة التي عجز السياسيون عن إيجاد الحلول الشافية لها، فافتعلوا ضجة ذات طابع صدامي ضد مسلمي فرنسا من أجل تحويل الأنظار عن واقع فشل السياسات العمومية في هذه المرحلة بالذات، أي مرحلة التسخينات الأولية للانتخابات الرئاسية القادمة.
لا بد من استحضار النموذج الفرنسي ونحن نعاين فيديوهات بثها فنانون مغاربة على «الفيسبوك»، بعدما أدخل هذا الموقع الاجتماعي خاصية البث المباشر، فجاءت عبارة عن شتائم في حق زملائهم وزميلاتهم في المجال الفني، وتهم لفنانين بعينهم بدعوى أنهم يهيمنون على الميدان ويقتحمون المجال على مصراعيه أمام «صديقاتهم» ويغلقون كل المنافذ على الآخرين.
ويبدو جليا أن نميمة مقاهي الفنانين قد وجدت طريقها إلى المواقع الاجتماعية على الأنترنيت، فيما كان المطلوب أن يتم توظيفها لتؤدي الدور الذي عجزت عنه النقابات الفنية المهنية في الدفاع عن حقوق المنتسبين إلى الميدان، أو على الأقل استغلالها للتعريف بالإنتاجات الجديدة، وفي أحسن الأحوال تحويلها إلى منبر للتعبير عن مواقف الفنانين المغاربة من مستجدات مجتمعهم ومحيطهم المباشر في إطار تعددية فكرية تتصارع فيها الأفكار بشكل متحضر وراق.
وأدهى وأمر من ذلك، أن الحكومة والبرلمان مررا قوانين تهم الفنانين قبل غيرهم، لكن لم نجد أي صدى لـ»قانون الفنان»، في الصفحات الفيسبوكية للفنانين، وكأنهم غير معنيين تماما بتشريعات ترهن مصيرهم وطرق اشتغالهم ضمن ضوابط كان الأحرى بهم أن يناقشوا جدواها وانعكاساتها على أوضاعهم في الآجال المنظورة، وهو ما يطرح أسئلة محيرة حول مدى إقبال الفنانين على التفاعل مع قضايا مجتمعهم وإغناء النقاش الثقافي والاجتماعي والسياسي، إذ كانوا عاجزين عن مناقشة أحوالهم الخاصة والتشريعات التي تمس عملهم في الصميم.
ومن هذا المنطلق، كيف يمكن لنا أن نقتنع بقدرتهم مثلا على ارتداء قبعة المرشح للانتخابات والدفاع عن برنامج سياسي على أساس أنهم يمثلون قوة اقتراحية كفيلة بتشخيص الأمراض والأوبئة القطاعية وطرح البدائل الممكنة.
ولا شك أن المواقع الإلكترونية قد فضحت هذا الواقع البئيس، وعرت الكثير من الأساطير والفقاعات الفنية والمتطفلين على الميدان، الذين راهنوا على الشهرة الزائفة التي توفرها مواقع من قبيل «فيسبوك» و«يوتيوب»، وتناسوا أن الشهرة الحقيقية لا تكتسب سوى بالعمل الشاق والعرق والمثابرة والتكوين، وذلك بالرغم من أن العملة السيئة تطرد العملة الجيدة، والبهرجة تقتصر مؤقتا على الموهبة الأصلية، والأضواء تعمي الأبصار والمساحيق تخفي ملامح الدخلاء إلى أن تظهر الحقيقة، كما عبر عن ذلك بديع الزمان الهمذاني حين قال: «سوف ترى إذا انجلى الغبار/ أفرس تحتي أم حمار».. لكن لا أمل في أن ينجلي الغبار في أقرب الآجال إذا تآمرنا جميعا من أجل أن تنتصر مقولة: «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى