الافتتاحية

قارة في مواجهة دولة

فشلت إسبانيا في موجة التحريض والنفير العام ضد المغرب داخل المؤسسات الأوربية، وخيبت لغة القرار وتوصيات البرلمان الأوربي التي عدلت مرارا، أوهام حكومة شانسيز التي صرفت كل جهودها ونفوذها منذ تفجير فضيحة بن بطوش لاستصدار قرار شديد الإدانة تجاه المغرب، قبل أن تجد نفسها في موقف اللامنتصر فيما لم تهزم المغرب كما كانت تحلم.
ويظهر أن الاتحاد الأوربي لم يلعب دور المحايد طبعا فساند إسبانيا وهذا شيء كان متوقعا، لكن اتضح أن المغرب أيضا له حلفاؤه وأصدقاؤه داخل قبة البرلمان الأوربي وهذا سيجعل مدريد مستقبلا أكثر حذرا في تعاملها مع المملكة.
ومع ذلك من الواجب أن نقول إن القرار الذي أصدره البرلمان الأوربي بشأن المغرب، يمثل تجاوزاً غير مقبول وتحيزا سافرا لفائدة أحد أعضائه في خلاف ديبلوماسي ثنائي له قنوات حله، وهو ما يتناقض مع أصول وقواعد العمل البرلماني الكوني وكل القوانين والأعراف الدولية.
صحيح أن مثل هذه القرارات ليست لها أي قيمة قانونية أو أثر سياسي على قرارات الدول في علاقتها بالمغرب، لكنه قرار متحيز وغير مبرر على مستوى الشراكة الاستراتيجية التي منحت المغرب عن جدارة واستحقاق صفة شريك استراتيجي ووضعا متقدما في الديمقراطية، حيث ظلت بلادنا منذ عقود محل إشادة وتقدير من جانب المؤسسات الأوربية نظرا لوفائه بالتزاماته الأمنية والحقوقية والاقتصادية والديبلوماسية. لذلك كان الأولى بالنسبة للبرلمان الأوربي، في حال وجود بعض التساؤلات لديه بشأن وقائع محددة، أن يتواصل مباشرة مع المؤسسات الدستورية الديبلوماسية أو التشريعية المعنية، خصوصا وأن هناك لجنتين برلمانيتين مشتركتين بين البرلمان المغربي والأوربي، احتراما لأسس ومبادئ الشراكة العربية الأوربية.
ومن هنا يحق لنا أن نتساءل عن المسوغات التي تعطي الحق للبرلمان الأوربي لأن يقيم تدفق الآلاف من المهاجرين بفئاتهم العمرية والجنسية وجعله قرار دولة، بالاعتماد فقط على مصادر السلطات الإسبانية التي تسعى فقط إلى التغطية بكل الطرق عن الفضيحة التي فجرت الأزمة الديبلوماسية. والغريب أن البرلمان الأوربي انساق بشكل أعمى وراء هذه المصادر دون الاستماع لرواية الرباط والتحقق مما تبثه من اتهامات باطلة وادعاءات كاذبة.
ما ينبغي أن تستوعبه المؤسسات الأوربية أن المغرب لا يفتعل الأزمات، وليست له مصلحة في تبذير جهوده في مستنقع الصراعات، لكن المغرب صاحب حقوق مشروعة على أرضه ومن حقه المطالبة بأن يعامل كشريك محترم وأن تراعى مصالحه الحيوية، ومن واجب الأوربيين أن يرقوا بعلاقتهم مع المغرب إلى مستوى أفضل، فهم في حاجة لمغرب قوي مستقر مزدهر فهو بهذا الشكل صمام الأمان الوحيد لمصالحهم واستقرارهم .
وفي الوقت الذي يحترم فيه المغرب كافة التزاماته تجاه القارة الأوربية، ويقدم كل الخدمات التي تحمي العمق الأمني الأوربي، فإن المؤسسات الأوربية، سواء كانت تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، مطالبة بأن تكون على قدر المسؤولية التي تفرضها المصالح المشتركة والعلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين الاتحاد الأوربي والمغرب، وهو ما يتطلب التريث والإنصاف قبل اتخاذ أي قرار باسم أوربا، وقبل ذلك التوقف التام عن تحويل خلاف ديبلوماسي ثنائي بين دولتين إلى صراع بين مؤسسات قارة ودولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى