شوف تشوف

الافتتاحية

قانون الإضراب

مازال القانون التنظيمي للإضراب مستعصيا على الخروج إلى حيّز التنفيذ منذ 57 سنة على اعتماده في أول دستور للمملكة، فلم تستطع 32 حكومة تداولت على السلطة التنفيذية إخراجه، ونصت عليه ستة دساتير للمملكة دون أن يرى النور، وتحدى عشر ولايات برلمانية دون أن تحصل بلادنا على شرف إنتاج نسخة تنظم حق الإضراب كما هو معمول به في باقي بلاد العالم، وكأننا أمام قانون يتوخى تغيير بنية النظام السياسي، بينما يتعلق الأمر بتنظيم حق كما هو الشأن بالنسبة للقوانين المنظمة للحق في التجمهر وتأسيس الجمعيات والتظاهر، وغيرها من الحقوق الأساسية للمواطن.
واليوم تعقد الحكومة والنقابات والبرلمان صفقة غير معلنة من أجل إبقاء هذا القانون  في قاعة الانتظار، تحت يافطات غياب التشاركية وضرورة التريث من أجل إخراج قانون متوافق حوله، حيث تطالب المركزيات النقابية بإخراجه من البرلمان وإعادة مشروع القانون التنظيمي للإضراب إلى نقطة الصفر بعدما مر عبر مراحل المجلس الوزاري والحكومي والإحالة البرلمانية.
ويبدو أن ما يجري من بوليميك سياسي لا يعدو أن يكون مجرد مسرحية محبوكة الفصول لإبقاء القانون مقبرا لأقصى الحدود، فالحكومة في صالحها عدم إخراج هذا القانون وهي ترفض منح هذا السلاح للمواطن للاحتجاج على قرارتها الظالمة دون أن يطاله الاقتطاع من أجره، وهي مستعدة لخرق تعهداتها بإخراج القانون، فضلا عن أن حكومة العثماني تتقن اللعب بالقوانين كفزاعات لتخويف خصومها، وفي مقدمتهم النقابات، وهاته الأخيرة لم تكن يوما متحمسة لكي يرى هذا القانون النور رغم أن المنطق يقول إنها اكبر مستفيد منه. فالمركزيات النقابية تخاف من إخراج قانون يحاصرها ويعري حقيقة وزنها الاجتماعي داخل الطبقة العاملة، والذي لا يتجاوز 6 في المائة من انخراط الطبقة العاملة في التنظيمات النقابية، فحينما يتم تنظيم هذا الحق سيظهر أن النقابات أصبحت تتبع الأحداث لا تصنعها.
من الواضح، إذن، أن هذا القانون غير مرغوب فيه من الفاعلين الرسميين، ولا أحد من النقابات والحكومة والبرلمان متحمس له رغم أنه قدر دستوري وقانوني لا مفر منه، ومن العيب أن يستطيع المغرب وضع ستة دساتير بينما لا يقوى على إخراج قانون عادي ينظم كيفية الإضراب وشروطه وضماناته، بينما تدعي الحكومة نجاحها في تنزيل المقتضيات الدستورية.
والمقزز في الأمر أن الحكومة تنتشي بمعاقبة الممارسين لحقهم الدستوري في الإضراب، عبر اقتطاع ملايين الدراهم من أجور الموظفين والطبقة العاملة، بينما النقابات تكتفي بتنظيم لقاءات وإصدار بيانات النحيب على قانون الإضراب الميت.
بكل صراحة، نقول إن عدم نجاح دولة في إخراج قانون بسيط منذ ستة عقود، يسيء إلى صورة بلدنا لدى مؤسسات اجتماعية دولية، وفي مقدمتها منظمة العمل الدولية، ويضع كل الطبقة السياسية والنقابية والسلطتين التشريعية والتنفيذية في موضع الاتهام بتبخيس الدستور والاستهتار بالحريات الأساسية، فتكلفة عدم إخراج قانون الإضراب أكثر بكثير من التواطؤ على إقباره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى