
يونس جنوحي
تجاوز مولاي المهدي العلوي بسرعة مرحلة الانسجام في أكتوبر 1953 مع الوضع الجديد في فرنسا. كان يتابع أخبار المغرب السياسية انطلاقا مما كان يُذاع في الراديو الفرنسي، لكنه كان يتزود بالأخبار من طلبة المغرب الذين كانوا يطلعون على الصحف ويواكبون الأحداث في العالم العربي. وتميزت فترة إقامته في فرنسا، بأنه حصل على شهادة الباكالوريا الفرنسية أولا -حصل عليها سنة 1954- وهو ما ميزه عن أغلب الطلبة المغاربة الآخرين، الذين جاؤوا إلى فرنسا للالتحاق مباشرة بالجامعات.
يحكي مولاي المهدي العلوي عن فترة تعرفه على اتحاد الطلبة، والعلاقات التي ربطها رفقة زملائه المغاربة، مع نظرائهم الجزائريين والتونسيين على وجه الخصوص:
«في هذه الفترة، تعرفنا على عدد من الطلبة الجزائريين، الذين سيشكلون في ما بعد اتحاد الطلبة الجزائريين. من بينهم رضا مالك، وهو رئيس حكومة جزائري سابق وعبد السلام بلعيد رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد في بداية التسعينات ورئيس مدير عام لشركة «سوناتراك» في الستينات، ومحمد الصديق بن يحيى وزير خارجية أسبق، والأخضر الإبراهيمي، الدبلوماسي المعروف و أحمد طالب الإبراهيمي ابن الشيخ محمد البشير الإبراهيمي صاحب مجلة «البصائر»، ومحمد حربي، مدير ديوان «بن بلا»، والمؤرخ المعروف، وهو يعيش حاليا في باريس.
وسيكون لاتحاد الطلبة الجزائريين، في ما شهدناه بعد ذلك، شأن كبير في التعبئة للقضية الجزائرية، بينما سيمتد تعاوننا مع الإخوة التونسيين إلى مستويات متقدمة، خصوصا بعد تعرفنا على الزعيم الحبيب بورقيبة، الذي أذكر أنه كان يردد دائما لازمة مفادها: «لمَ يصلحُ برنامج بناء الدولة، مهما كان مكتملا وخلاقا، إذا لم تتوفر له الإمكانيات والموارد البشرية والمالية؟».
وقد سمعت منه ذلك في محاضرة ألقاها في مقر جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا.
غير بعيد عن مقر جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا، الذي كنّا نجتمع فيه لمتابعة الأحداث وتنسيق مبادراتنا، يوجد مبنى الثانوية التي كنت أدرس فيها، إذ كانت تجتذبني دروس أستاذ الفلسفة السيد روني لو بلان René le Blanc ، وكنت أجد في تحليلاته ما أكد لديّ الاقتناع بقيم التاريخ في ارتباطه بأسئلة الوجود، وبمعاني الحرية التي لا تستقيم مع القيود، وكانت الأجواء في الثانوية تشجع على الدراسة والتحصيل وممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية من دون مركب نقص.
وبلغ مستوى انسجامي مع زملائي الفرنسيين في ثانوية «ديكارت» درجة جعلتني أنضم إلى فريق كرة السلة، الذي كان يضم جنسيات مختلفة ضمن لاعبي الفريق الرسميين الخمسة. فقد كنتُ من المغرب، وكان زملائي الآخرون يتوزعون بين جنسيات فرنسا وتونس والسنغال والفيتنام. وقد بلغنا مع هذا الفريق مرحلة نصف النهاية من الدوري الوطني الفرنسي للمدارس الثانوية».
في صيف سنة 1954 حصل مولاي المهدي العلوي على شهادة الباكالوريا. واحتفاء بعطلة الصيف التي تحقق فيها هذا التفوق، دُعي مولاي المهدي العلوي إلى رحلة تعارف مع أعضاء جمعية كانت تحمل اسم «France Maghreb»، وهو النشاط الذي تم برعاية من الصحافي الفرنسي «روبير بارا». يقول مولاي المهدي العلوي إن هذا الصحافي كان صديقا للمغرب، بل كان آخر صحافي أجرى حوارا صحافيا مع السلطان سيدي محمد بن يوسف قبل نفيه إلى مدغشقر. كما أن هذا الصحافي سبق له أن غطى الحرب الفرنسية في الجزائر خلال نهاية الثلاثينيات، وأصدر كتابا عن تلك التجربة.. بدا واضحا إذن أن السيد «روبير» كان يعرف منطقة «المغرب» جيدا..
يقول مولاي المهدي العلوي إن الجمعية كانت تضم فرنسيين آخرين داعمين للقضية المغربية بينهم أدباء وكُتاب وعلماء: الكاتب فرانسوا مورياك الذي كان رئيسا للجمعية. ثم عالم الاجتماع جاك بيرك، والصحافي والمؤرخ شارل أندري جوليان، والمستشرق المتخصص في الدراسات الإسلامية لويس ماسينيون.. وغيرهم.
وفي الوقت الذي ينشط هؤلاء المثقفون الفرنسيون لدعم القضية المغربية في عز نفي السلطان سيدي محمد بن يوسف وإبعاده إلى مدغشقر، كان هناك مغاربة تكلفوا بالتواصل مع أعضاء هذه الجمعية لتكثيف نشاطها والتنديد بسياسة فرنسا في المغرب. وقد نشط مولاي المهدي العلوي في هذه الجمعية. يقول:
«وكان يتواصل مع أعضاء الجمعية من الجانب المغربي مولاي أحمد العلوي وأحمد الطيب بنهيمة وعبد الرحمان بن عبد العالي، وكُنت مع زملاء آخرين من بينهم عبد الرحيم حركات وسيدي أحمد الشرقاوي قد التحقنا بالمجموعة الأولى، لنتولى عملية طبع كل ما تنشره الجمعية من بلاغات ومذكرات داعمة لاستقلال المغرب، فننسخها ونوزعها على وسائل الإعلام والأحزاب السياسية في كل أنحاء أوروبا».





