حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

قمة واشنطن.. مكاسب ومآزق الأطراف بين واشنطن وموسكو وأوكرانيا وأوروبا

القمة الأمريكية الأوكرانية الأوروبية تكشف تحولات المواقف وتوازن القوى والخيارات الصعبة

لم تعد الحرب في أوكرانيا مجرد مواجهة عسكرية على أطراف أوروبا الشرقية، بل تحولت إلى اختبار شامل لشكل النظام الدولي، وحدود القوة الأمريكية والأوروبية. فقد جاءت قمة واشنطن الأخيرة لتضع هذا الواقع تحت الأضواء، كاشفةً حجم التباين بين ما تطمح إليه كييف من دعم مطلق، وما تستطيع العواصم الغربية تقديمه في ظل حسابات معقدة تمليها واشنطن وموسكو. وبينما بدا المشهد الدبلوماسي محاطا بالابتسامات والرسائل الودية، فإن جوهر اللقاء عكس حقيقة أكثر صعوبة: أوروبا مثقلة بالقلق، وواشنطن تبحث عن صفقة، وزيلينسكي يقاتل على أكثر من جبهة للحفاظ على بوصلة بلاده وسط عاصفة التحولات.

إعداد: سهيلة التاور

 

 

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تغيرت ملامح المشهد الدولي بصورة ملحوظة، إذ باتت العلاقات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين وأوكرانيا محكومة ببراغماتية جديدة لا تخلو من التوتر. فـ«القارة العجوز» تجد نفسها اليوم أمام معضلة استراتيجية، بين استمرار اعتمادها على المظلة الأمريكية، وبين عجزها عن رسم مسار مستقل في مواجهة موسكو. وفي هذا السياق جاءت قمة واشنطن الأخيرة، لتكشف بوضوح حدود القوة الأوروبية أمام حسابات البيت الأبيض، وتعيد طرح الأسئلة حول مستقبل الحرب في أوكرانيا ودور الغرب في إدارتها.

فقمة واشنطن الأخيرة التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين، لم تكن مجرد لقاء دبلوماسي، بل عكست شبكة معقدة من الحسابات المتشابكة بين موسكو وكييف وواشنطن وأوروبا.

وشهدت العاصمة الأمريكية واشنطن، الاثنين الماضي، مشاهد استثنائية داخل أروقة البيت الأبيض، حيث اجتمع الرئيس الأمريكي ترامب بنظيره الأوكراني زيلينسكي وبعدد من القادة الأوروبيين، في قمة عكست بوضوح تعقيدات العلاقة المثلثة بين روسيا وأوكرانيا والغرب، وأبرزت مأزق أوروبا العالقة بين ضغوط الحرب واعتمادها على المظلة الأمريكية.

الحضور الأوروبي الكثيف، بمشاركة قادة من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرهم، بدا محاولة واضحة لاحتضان زيلينسكي في مواجهة واشنطن، التي تغيرت لهجتها، بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

ورغم الأجواء الودية التي سادت اللقاء مقارنة بما جرى في اجتماع فبراير الماضي الذي جمع ترامب وزيلينسكي في المكان ذاته، فإن القمة لم تفض إلى ضمانات عملية تحقق ما يطمح إليه الأوكرانيون، في ما يتعلق بالحرب التي يخوضونها مع الروس.

وحمل المشهد رمزية لافتة، إذ ظهر زيلينسكي ببدلة رسمية سوداء، بدلا من بزته العسكرية التي أثارت سخرية ترامب ونائبه، في أثناء الزيارة السابقة.

التغيير في المظهر ترافق مع تغيير في اللهجة، إذ كرر الرئيس الأوكراني عبارة «شكرا» 8 مرات خلال حديثه، في إشارة لافتة إلى حرص الرئيس الأوكراني على تفادي التوبيخ السابق من واشنطن بشأن قلة الامتنان.

لكن خلف هذا الدفء الدبلوماسي تكمن حقيقة أكثر تعقيدا، إذ يرى محللون أن السلوك الودي لم يترجم إلى نتائج ملموسة.

فترامب طرح فكرة بدء المفاوضات مع استمرار إطلاق النار، وهو تحول عن موقفه السابق، بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما ألمح بوضوح إلى أن أوكرانيا يجب أن تنسى حلم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).

 

قلق وإحباط أوروبي

جاء الأوروبيون إلى واشنطن مدركين عجزهم عن فرض مطالبهم دون دعم أمريكي حقيقي، رغم تمسكهم بـ3 شروط رئيسية: وقف إطلاق النار، وضمانات أمنية لكييف، وعدم السماح بضياع الأراضي التي سيطرت عليها روسيا. لكنهم اصطدموا بواقع سياسي مختلف تمليه حسابات البيت الأبيض.

الأوروبيون يعيشون حالة من القلق والإحباط، إذ يدركون أنهم معنيون مباشرة بالحرب الأوكرانية، ويخشون أن يؤدي انتصار موسكو إلى امتداد النزاع نحو بلدان أخرى. غير أنهم في الوقت ذاته اكتشفوا هشاشتهم الإستراتيجية، بعدما تبين أن حمايتهم لا تزال رهينة القرار الأمريكي.

هذا المأزق الأوروبي تعمّق أكثر مع بروز صيغة «تحالف الراغبين»، التي تقودها باريس ولندن كبديل عن عضوية أوكرانيا في الناتو، والتي تقوم على تقديم ضمانات دفاعية من دون أن تكون كييف جزءا رسميا من الحلف.

وهي صيغة تعكس تراجع القارة العجوز عن وعودها السابقة، وتكشف حدود نفوذها أمام حسابات واشنطن وموسكو.

وفي حين يصر زيلينسكي على أن بلاده تحتاج إلى ضمانات أمنية صلبة لمنع تكرار الغزو الروسي، فإن مقترحات ترامب تميل إلى مقاربة براغماتية تقتضي تنازل كييف عن أجزاء من أراضيها، بما يتقاطع مع الرؤية الروسية للحل. وهو ما يضع الرئيس الأوكراني في موقف حرج بين إرضاء الحليف الأمريكي، والحفاظ على شرعية الدفاع عن سيادة بلاده.

وجاءت قمة واشنطن عقب قمة ألاسكا التي جمعت ترامب وبوتين، قبل أيام، حيث تحدثت واشنطن لأول مرة عن إمكانية قبول ضمانات أمنية لكييف، بينما وافق الروس مبدئيا على هذه الصيغة، شريطة ألا يكون للناتو أي دور مباشر فيها.

وبينما يكرر ترامب أنه «لو كان رئيسا لما اندلعت الحرب»، فإن الواقع يظهر أن عودته إلى البيت الأبيض قلبت الطاولة على حلفاء أوكرانيا، فالمقاربة الأمريكية لم تعد قائمة على التحالف المطلق مع كييف، بل على التوسط بين الطرفين، وهو ما يضع أوروبا في مأزق أكبر.

المحصلة أن القمة الأمريكية الأوكرانية الأوروبية، رغم ما رافقها من بدلات رسمية وابتسامات وشكر متكرر، لم تغير من حقيقة الأزمة: فواشنطن تبحث عن صفقة تدوم، وموسكو تسعى إلى ترسيخ مكاسبها، وأوروبا تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، في حين تترقب كييف حلولا لا تضمن لها استعادة أراضيها.

 

تلاميذ أمام المعلم

أثارت صورة اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدد من زعماء أوروبا، في البيت الأبيض، موجة سخرية وانتقادات واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وذلك لأن المشهد غير مألوف في الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات المتبعة في مثل هذه اللقاءات الرفيعة.

وأظهرت الصورة ترامب جالسا خلف مكتبه في المكتب البيضاوي، والقادة الأوروبيون أمامه على مقاعد خشبية صغيرة نسبيا، في مشهد وصفه ناشطون بأنه أقرب إلى جلوس تلاميذ أمام معلمهم في انتظار التعليمات.

وفي المقابل، نشر البيت الأبيض صورتين من اللقاء: الأولى للرئيس ترامب أمام الزعماء الأوروبيين، والثانية للزعماء الأوروبيين أمام ترامب، وأرفقها بتعليق: «يوم تاريخي في البيت الأبيض، حيث انضم قادة أوروبيون إلى الرئيس ترامب في المكتب البيضاوي.. الرئيس دونالد ج. ترامب هو رئيس السلام».

غير أن هذا التوصيف الرسمي الإيجابي اصطدم مباشرة بموجة سخرية وانتقادات واسعة على منصات التواصل، إذ رأى مغردون أن الصورة لم تكن مجرد لقطة سياسية عابرة، بل تجسيدا بصريا لاستمرار الدور القيادي للولايات المتحدة في النظام الدولي، مشيرين إلى أن الرمزية في الصور كثيرا ما تتجاوز تأثير الخطابات الرسمية.

وشبه بعض المعلقين القادة الأوروبيين بـ«طلاب أمام الناظر الأمريكي»، بينما اعتبر آخرون أن الصورة تحمل رسالة واضحة أراد ترامب توجيهها، مفادها أن «أوروبا ليست ندا، بل مجرد تابع ينتظر التعليمات».

وأشار مدونون إلى أن مشهد جلوس القادة الأوروبيين في صف واحد متراص أمام ترامب بدا وكأنهم موظفون يقدمون تقاريرهم إلى مدير شركة، لا رؤساء دول يمثلون قارة بأكملها.

 

رسائل إذلال

رأى مراقبون أن ترامب فرض لغة الجسد على البروتوكول، وحول القادة الأوروبيين إلى «كومبارس» في مسرحية استعراض قوته، معتبرين أن الأمر لا يتعلق فقط بالشكليات الدبلوماسية، بل برسائل إذلال مقصودة تختصرها عبارته الشهيرة: «أمريكا أولا… وأوروبا مجرد ظل».

وأضافوا أن المشهد بدا أقرب إلى مكتب مدير مدرسة، صورة تختصر ألف بيان صحفي. فقد جلس ترامب خلف مكتبه محكم السيطرة، بينما جلس أمامه قادة أوروبا مصطفين كتفا إلى كتف، بوجوه متجهمة ومنهكة.

ولغة الجسد، بحسب المدونين، كانت أكثر تعبيرا من أي خطاب: ذراعا ماكرون مطويتان، يدا أورسولا مشبوكتان بإحكام، وزيلينسكي بملابسه السوداء بدا كتلميذ متذمر، وقد انشغل آخرون بتدوين الملاحظات وكأنهم طلاب متوترون.

وفي تلك اللحظة لم يظهر القادة زعماء دول كبرى، بل مجموعة طلاب استدعوا لتبرير أفعالهم أمام «مدير المدرسة». أما ترامب، فلم يعد «الدخيل» الذي يطلب مكانا على الطاولة، بل صار هو صاحب الطاولة، ومن بيده سلطة إصدار الحكم.

وكتب أحد النشطاء: «غطرسة استعراض القوة.. ترامب ناظر المدرسة، وقادة أوروبا الذين كانوا يوما إمبراطوريات استعمارية احتلت نصف العالم، صاروا طلابا يتذللون أمامه، وزيلينسكي يبحث عن دروس خصوصية في كيفية التعامل مع الرئيس الأمريكي السابق».

وأضاف آخر: «ترامب متربعا على كرسي الزعامة، وأعضاء إدارته فوق الأرائك الفخمة، بينما زعماء الدول الكبرى جلسوا على كراس خشبية متهالكة! يحدث هذا في بلد العلاقات العامة والاحترافية العالية في الدبلوماسية».

ورأى ناشطون أن المشهد يجسد بوضوح هيمنة ترامب على أوروبا، في مقارنة مباشرة مع لقائه الأخير بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، حيث بدا التعامل بينهما قائما على الندية الكاملة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى