
فاس: لحسن والنيعام
تواجه القطاع الصحي بجهة فاس انتقادات لاذعة بسبب ضعف الخدمات، وتردي التجهيزات، وتقادم البنايات. وتشير المصادر إلى أن عدم الرضا على أداء عدد من المؤسسات الاستشفائية، وما تخلفه قضايا وفيات يتم ربطها بالإهمال، ظلت تعبر عنه تقارير السلطات المحلية بالجهة، والتي قالت المصادر إنها دعت وزارة الصحة، في أكثر من مرة، إلى تفعيل برامج إعادة تأهيل المستشفيات الإقليمية، وإعادة «الحياة» إلى المراكز والمستوصفات الصحية بالجهة. ففي جماعة «عين الجمعة» أحدثت قضية وفاة مولود أنجبته أمه في الشارع العام بسبب «الإهمال» ضجة في الأوساط المحلية، وذلك بعد الضجة التي خلفها حادث وفاة حارس عام في مصعد معطل للمستشفى الجهوي محمد الخامس بالعاصمة الاسماعيلية. وشهدت مدينة صفرو، حادث سقوط سيدة مصابة بداء السكري مغمى عليها في طابور انتظار لتلقي العلاجات، قبل أن يتم نقلها إلى مستعجلات مدينة فاس، وزادت هذه القضية في الغضب الذي يعم في أوساط فعاليات محلية تتهم قيادات في حزب التقدم والاشتراكية بـ»التحكم» في القطاع، وضعف الأداء، واستغلال خدماته لأغراض انتخابية.
احتجاجات
لم ينفع إعفاء المدير السابق للمستشفى الإقليمي بصفرو في امتصاص غضب الساكنة تجاه تردي الخدمات التي تقدمها مختلف مصالح المستشفى، ومعها المستوصفات التي تغلق أبوابها في وقت مبكر. فقد وجد المندوب الإقليمي للصحة، وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، عبد السلام البقالي نفسه أمام موجة من الاحتجاجات في الأيام الأخيرة والتي تطالب بتشكيل لجنة تحقيق محايدة للوقوف على ملابسات أعطاب «السكانير» وعدم توفر الأدوية وتأخر مواعيد الفحص وضعف الخدمات في المستوصفات، في وقت قال فيه وهو يعلق على قرار إعفاء المدير السابق للمستشفى، إنه يرتبط بتقارير رفعت للوزير رصدت وجود اختلالات في تدبير المستشفى والذي حاد عن أهداف المنظومة الصحية لتجويد الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين كما سطرتها رؤية 2025. وقدمت المصادر صورة قاتمة عن أوضاع القطاع بالإقليم، حيث تحدثت عن قضية صادمة لسقوط سيدة مصابة بداء السكري مغمى عليها وهي في طابور الانتظار. وأشارت إلى أن هذه السيدة فقدت وعيها وهي تنتظر أمام شبابيك فارغة، قبل أن يتم نقلها إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي الحسن الثاني بمدينة فاس. وقالت تنسيقية الدفاع عن حقوق الإنسان بالمدينة إن مواعد التحليلات الطبية أصبحت تتعدى أكثر من 15 يوما، في حين تصل مواعد العمليات الجراحية إلى 6 أشهر. والمثير في أعطاب القطاع الصحي بالمدينة، أن عمليات دفن الموتى بدورها لم تسلم من الاختلالات. فقد كشفت المصادر على أن عائلات المتوفين أو طالبي الشواهد الطبية تكون ملزمة بانتظار أيام لتسلم جثامين موتاها. وفي مقابل هذه الصورة القاتمة للقطاع الصحي بالمدينة، ذكر يوسف بوسلامتي، عن التنسيقية الإقليمية لحقوق الإنسان، على أن قياديين محليين في أحزاب مؤثرة في الأغلبية الحكومية يستغلون توليهم مناصب المسؤولية، لتقديم الخدمات والعلاجات لفائدة مقربين في إطار حملات انتخابية سابقة لأوانها. ودعا بوسلامتي السلطات المحلية للتدخل لوقف هذا النزيف.
وكان وزير الصحة، أنس الدكالي، وهو أيضا من قيادات حزب التقدم والاشتراكية، قد أعفى، نهاية شهر مارس الماضي، مدير المستشفى الإقليمي السابق، عبد الحميد فضول، دون أن يمضي على قرار تعيينه حوالي سنة ونصف، وذلك بمبرر تحسين الخدمات الصحية في الإقليم. وعينت الوزارة بدله كمال الينصالي، الرئيسي لشبكة المؤسسات الصحية بإقليم صفرو، والذي ينتمي أيضا إلى حزب التقدم والاشتراكية، وأشارت المصادر إلى أن المندوب الإقليمي للوزارة دافع عن الترشيح المثير للجدل. ومباشرة بعد هذا الإعفاء، بادر حزب التقدم والاشتراكية بالإقليم إلى الإعلان عن تأسيس مكتب لقطاع الصحة، جمع كبار منتخبيه ومعهم مهنيون ومسؤولون إداريون في القطاع.
أعطاب
بعد تقارير للسلطات المحلية رسمت صورة قاتمة عن ضعف التجهيزات وتدهور البنايات ونقص الخدمات في القلب النابض للمستشفى الجهوي محمد الخامس بمكناس، وبعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على حادث وفاة حارس عام في أحد مصاعده المعطلة، بينما كان يقوم بزيارة تفقدية لمريض في طابق علوي بهذه المؤسسة، أشرف وزير الصحة أنس الدكالي، يوم الخميس الماضي، وسط احتجاجات الممرضين، على إعطاء انطلاقة خدمات مصلحة المستعجلات الجديدة بالمستشفى، والتي تم إخراجها إلى حيز الوجود بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وذلك بحضور كل من والي الجهة، سعيد ازنيبر، وعامل عمالة مكناس، عبد الغني الصبار. وقالت وزارة الصحة إن المشروع يهدف إلى إعادة تأهيل القسم وتزويده بالتجهيزات البيوطبية والمعدات، من أجل الرفع من مستوى التدخلات الطبية الاستعجالية بجهة فاس مكناس.
وظل تقادم التجهيزات وتدهور وضعية البنيات ترسم صورة قاتمة عن خدمات هذه المؤسسة الاستشفائية التي تستقبل أفواجا مهمة من المرضى القادمين للمدينة والمدن المجاورة. لكن وفاة حارس عام بالمستشفى في مصعد معطل أعاد بقوة أعطاب هذه المؤسسة إلى الواجهة. وحاولت إدارة المستشفى التخفيف من حدة الصدمة، عندما أكدت أن المصعد لم يكن قبل الحادث معطلا. مضيفة بأنها فتحت تحقيقا إداريا في ملابسات هذه الكارثة، لكنها لم تفرج بعد عن نتائج تحريات هذه اللجنة. في حين أشارت المصادر إلى أن السلطات المحلية سبق لها أن نبهت مصالح وزارة الصحة المركزية إلى ضرورة إجراء تدخلات استعجالية لتأهيل الأقسام المهترئة لهذا المستشفى، بتنسيق مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومجلس الجهة والمجلس الجماعي لمكناس، مما دفع بالوزارة إلى إطلاق مشروع إعادة تأهيل قسم المستعجلات، وهو من الأقسام النابضة بهذه المؤسسة.
وتتكون هذه المصلحة قسم الاستقبال والتوجيه، وثلاث قاعات مخصصة للفحص الطبي، وثلاث قاعات مخصصة للعلاجات التمريضية، وقاعتين لإزالة الصدمات، وثلاث قاعات للمراقبة الطبية، وقاعة للإنعاش للتكفل بالحالات الحرجة، وقاعة للتكفل بالحالات المستعجلة خاصة بمرضى القلب والشرايين، ومركبين جراحيين، وغرفة للتعقيم، بالإضافة إلى مكاتب إدارية وصيدلية مجهزة بالأدوية والمستلزمات الطبية. وذكرت وزارة الصحة بأن برنامج تأهيل المستشفى يشمل اقتناء عدة تجهيزات بيوطبية ومعدات عالية الجودة. ويسهر على سير الخدمات الصحية والعلاجية بهذه المصلحة الجديدة 16طبيبا، بمن فيهم 4 متعاقدين، و18 ممرضا، بمن فيهم 9 متعاقدين، و7 ممرضي التخذير، وعدد من التقنيين والإداريين. كما تتوفر هذه المصلحة على 3 سيارات إسعاف من نوع (أ) و (ب).
تحقيق
وبالموازاة مع انطلاق هذا المشروع، تفجرت قضية ضعف الخدمات في المراكز الصحية في المناطق القروية بنواحي المدينة، حيث عاشت جماعة عين الجمعة، منتصف الأسبوع الماضي، حادث إنجاب لسيدة في الشارع العام، ووفاة المولود. ونقلت السيدة المعنية لاحقا إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجهوي، بينما أحيلت جثة المولود على مستودع الأموات، بغرض تشريحها وإعداد تقرير طبي في ملابسات الوفاة، بناء على تعليمات النيابة العامة التي فتحت تحقيقا في القضية، وأمرت عناصر الدرك بالتحقيق في شأنها. وفي الوقت الذي قدمت فيه مصادر محلية معطيات حول إهمال تعرضت له السيدة الحامل التي قصدت المستوصف في وضعية صحية متدهورة، وتم إرجاعها، قبل أن يغلق الباب في وجهها لاحقا، مما دفعها إلى وضع مولودها في الشارع العام في وقت متأخر من الليل، أكدت وزارة الصحة بأنها بدورها كلفت لجنة تفتيش للتحقيق في ملابسات الحادث، لكنها، مع ذلك، ذكرت بأن النتائج الأولية للأبحاث، تبين أن زوج السيدة المعنية حضر إلى المركز الصحي في الساعة الثالثة صباحا، وتم إخباره بأن المركز لا يعمل بنظام الحراسة، وتم وضع سيارة إسعاف رهن إشارته لنقل السيدة الحامل إلى المستشفى العمومي، إلا أنه رفض. وفي حدود الساعة السابعة صباحا، من نفس اليوم، حضرت الزوجة رفقة سيدتين إلى المركز الصحي في وضع ولادة متقدمة، حيث وضعت مولودها ميتا قبل الولوج إلى المركز الصحي. وذهبت الوزارة، وهي تحاول أن تبعد تهمة الإهمال عن أطقمها، إلى أنه تم تقديم كافة الخدمات الصحية للمعنية بالأمر من طرف الأطر الصحية، وتم نقلها بعد ذلك إلى مستشفى الولادة بانيو بمكناس حيث تلقت العلاجات اللازمة.





