
نعيمة لحروري
حين يقترب موعد كأس إفريقيا، لا يكون المغرب فقط على موعد مع الكرة، بل مع العالم. موعد لا تقاس أهميته فقط بعدد المنتخبات المشاركة، ولا بحجم الملاعب، ولا بتطور البنية التحتية، بل بما هو أعمق وأبقى: صورة الإنسان المغربي، وروح هذا البلد الذي اعتاد أن يكون ملتقى لا معبرا، وبيتا لا محطة عابرة.
سيحل على المغرب زوار من جنسيات متعددة، لغات مختلفة، وثقافات قد لا تشبهنا في أشياء كثيرة، لكنها تشبهنا في شيء واحد: إنسانيتها. وهنا بالضبط يبدأ الامتحان الحقيقي. فهؤلاء لن يكتفوا بمشاهدة المباريات، بل سيشاهدوننا نحن. سيتأملون سلوكنا في الشارع، نبرة حديثنا، طريقة تعاملنا مع الاختلاف، ومدى احترامنا للضيف، لا لأنه سائح أو مشجع، بل لأنه إنسان اختار أن يكون بيننا.
لطالما ارتبط اسم المغرب في الذاكرة الجماعية بالضيافة والكرم ودفء الاستقبال. تاريخنا يشهد أننا كنا دائما أرض عبور آمن، وفضاء للتعايش، وملاذا لمن ضاقت به الجغرافيا. هذه ليست أسطورة جميلة نرويها لأنفسنا، بل مسؤولية حقيقية يجب أن نجدد الوفاء لها، خاصة في لحظات الظهور العالمي الكبرى.
في كأس إفريقيا، لن يكون المغربي مجرد متفرج في المدرجات، بل سفيرا في كل مكان: في المطار، في الطاكسي، في المقهى الشعبي، في الفندق، في السوق، وحتى في لحظة ازدحام أو اختلاف أو توتر. كلمة قاسية قد تهدم صورة، وابتسامة صادقة قد تبني جسرا لا تهدمه السنوات. تصرف فرد واحد قد يعمم ظلما على شعب بأكمله، كما أن موقفا نبيلا قد يصبح حكاية تروى عن المغرب أينما ذهب أصحابها.
لسنا مطالبين بأن نكون ملائكة، ولا أن نجمّل الواقع كذبا، لكننا مطالبون بأن نتحلى بالحد الأدنى من الوعي والمسؤولية. أن نرفض الاستغلال، وأن نحترم القانون، وأن نحسن معاملة الغريب، وأن ندرك أن الاختلاف لا يهدد هويتنا، بل يغنيها. فالمغرب القوي هو المغرب الواثق من نفسه، الذي لا يخاف من الآخر، ولا يحتاج إلى التعالي عليه ليؤكد وجوده.
كأس إفريقيا فرصة ذهبية لنقدم للعالم مغربا حقيقيا، مغرب الإنسان قبل الحجر، ومغرب القيم قبل الشعارات. مغربا يقول لزواره، دون خطب رسمية ولا حملات دعائية: «أنتم بين أهلكم». فالكرة ستنتهي، والملاعب ستغلق، والأضواء ستطفأ، لكن الانطباع الذي سيحمله الزوار عن المغاربة سيبقى طويلا، وقد يكون أقوى من أي نتيجة رياضية.
إن حسن الاستقبال ليس واجبا أخلاقيا فقط، بل استثمار في صورة وطن، وفي مستقبل علاقاته، وفي احترامه لذاته، قبل احترام الآخرين. وحين ننجح كمغاربة في هذا الامتحان، نكون قد فزنا فعلا، حتى وإن خسرنا مباراة.
ففي النهاية، قد تسجل الأهداف في الشباك، لكن الأهداف الأجمل تسجل في القلوب.. وهناك، فقط، يتوج المغرب بطلا.





