الرأي

كتاب الأمير الجديد

إذا كان كتاب «الأمير» قد أدى غرضه في القرن السادس عشر وتعرض لنقد واسع وأصبحت سياسة (أن الغاية تبرر الوسيلة) شعار المكيافيلية التي ترمز إلى كل ماهو لا أخلاقي؛ فقد خرج اليوم (روبرت غرين) بكتابه (القوة) بما يعتبر (كتاب الأمير الجديد).
ويعتبر هذا الكتاب الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعا، وترجم إلى العديد من اللغات مصدر متعة لفهم آليات عمل القوة في علم النفس الاجتماعي. ويرى الكاتب أن العمل الاجتماعي يخضع لقوانين كما في الفيزياء بفارق (نوعي معقد) بسبب كثرة تداخل العناصر.
وكما يقول (ليونارد راستريغين) في كتابه (مملكة الفوضى) فإنه عندما نلقي القطعة النقدية في الهواء فبقدر ما نحن متيقنون بسقوطها إلى الأرض بقدر عدم يقيننا على أي وجه سوف تسقط؟ كل ذلك بسبب تشابك العلاقات والعناصر التي ليست أقل من أربع في هذه الحالة: من نوعية المعدن وسرعة القذف ووضع الهواء وطبيعة الأرض التي ستنزل عليها؟ يقول (روبرت جرين) إذا تأملنا لعبة الشطرنج وجدنا فيها ثمان وأربعين خانة وهي في علم السياسة والقوة تتكون من ثمانية وأربعين قانونا نوعياً. وهو يزعم أنه جمعها من التجربة البشرية خلال ثلاثة آلاف من السنين، وبمئات الأمثلة والقصص ومن الخزان الثقافي من كل الشعوب. وقد قام في كتابه بعرض القانون ثم اختصر شرحه في أسطر قليلة ليذكر نموذجاً إنسانيا من التاريخ في معنى الالتزام بالقانون، وبعد ذلك يقوم بتفكيك آلية عمل القانون وفي النهاية يذكر أمرين عن خرق القانون وعقوبته أو مفتاح الوصول إلى القوة.
ويمكن قطف حزمة من هذه القوانين، ولا يعني هذا موافقتنا على كل الأفكار فيه. وهي أوضاع يستفيد منها من يضعون أيديهم على مقدرات البشر أو يصعدون سلم القوة. كما أنها تنفعنا في فهم الصراع الإنساني الضاري على النفوذ:
(1) – (لا تدفع رئيسك إلى الظل) فيجب أن يشعر من هو فوقك أنه الأعلى، وإن التمعت مواهبك أكثر من اللازم حصلت عكس المقصود. إنك بذلك توقظ مخاوفهم والشعور بعدم الأمان.
(2) – (لا تثق بالأصدقاء جدا وابن جسرا مع الأعداء) لأن العدو يجب أن يثبت لك دوماً أنه ليس بعدو، أما الصديق فقد ينقلب عليك ويخون وعلى نحو مدمر. وفولتير كان يقول: (اللهم احفظني من أصدقائي وأما أعدائي فأنا بهم كفيل).
(3) – (حافظ دوماً على نواياك سرية) لأن من لا يعلم بنواياك لا يستعد ضدها، كما قد يندفع في طرق مضللة وعندما يظهر كل شيء للعيان يكون الأمر جداً متأخرا لعمل شيء.
(4) – (تكلم أقل من اللازم) لا تحاول إقناع الناس بكثرة الكلام فكثرة الكلام تنسي بعضه بعضا. وكل كلام فوق الكلام يخفض مستوى تأثيره. والرجال العظام تركوا أثرهم بالقليل من الكلمات. وكل زيادة في الثرثرة تجلب لنفسك الحماقة أضعافا مضاعفة.
(5) – (يعيش الإنسان على سمعته) فاحمها بكل وسيلة ممكنة. والسمعة النظيفة أحد أعمدة القوة، وبخسارتها تصبح قابلاً للنيل منك ومعرضاً للهجوم من كل جانب. اجعل من سمعتك قوة غير قابلة للسحق، وانتبه لكل احتمالات الطعن وعالجها فورا وفي مكانها. وفي الوقت الذي تهدم فيه سمعة خصمك عليك أن تتأمل الجماهير بهدوء وهي تقاضيه وتقضي عليه. (6) – (اسع إلى التميز بأي ثمن) فما يحكم هو المظهر وما لا يرى لا يعد؛ فاحرص أن لا تذوب بين الجموع، وشد الانتباه إليك بأنك الأكثر إثارة والأكبر حجما وأنك مليء بالأسرار، فكل أمر انكشف سره رجع عاديا مهما كان هائلاً.
(7) – (اجعل الآخرين يعملون لك وسجل ذلك لحسابك) استخدم التقنيات المتقدمة والعمل اليدوي للآخرين، وبهذا لن توفر الوقت والطاقة فقط، بل ولسوف تحاط بهالة من الإنجاز والفعالية. فأما مساعدوك فسوف ينسون وأما أنت فلن تنسى. فلا تعمل بيدك ما ينجزه لك الآخرون.
(8) – (دع الآخرين يأتونك وإن تطلب الأمر فألق اليهم بالطعم كي يقصدوك).
(9) – (الأفعال هي التي تعد وليس الجدل حولها).
(10) – (تجنب العدوى من التعساء وغير المحظوظين) وقل لي من تخالط أقول لك من أنت.
(11) – (اجعل الآخرين متعلقين بك).
(12) – (جرد خصمك من سلاحه بشرف وكرم).
(13) – (وضح لمن تطلب منه المساعدة أنها في مصلحته).
(14) – (تعاط كصديق وتصرف كجاسوس).
(15) – (دمر خصمك على نحو كامل بددا ولا تترك منهم أحدا).
(16) – (التمع بالغياب لزيادة الاحترام والسمعة تحت قانون (هالة الغياب وسحر الغموض).
(17) – (اجعل الآخرين في حالة خوف دائم منك واخلق حولك هالة من عدم التنبؤ بما ستقدم عليه).
(18) – (لا تحم نفسك بالتحصينات فالعزلة خطيرة).
(19) – (ليكن لديك واضحاً مع من تتعامل ولا تسئ للآخرين فتضل سواء السبيل).
(20) – (تجنب الالتزامات ما أمكن).
(21) – (تظاهر بالحمق كي تخدع المغفلين وقدم نفسك أنك غبي أكثر من ضحيتك).
(22) – (تظاهر بالاستسلام وحوِّل الضعف إلى قوة).
(23) – (وفر طاقتك وركز مجموع قوتك في النقطة الحاسمة).
(24) – (العب دورك جيدا في الحاشية) فكل شيء يدور حول السلطة واللياقة السياسية وما يسود هو الطرق غير المباشرة ومن أتقن هذا الفن صعد درجات السلم.
إذا كانت هذه نصف مجموع القوانين فيمكن أخذ بعض نماذج مما أوردها الرجل في كتابه الممتع. فعن قانون (تكلم أقل من اللازم) يذكر أنه في عام 1825 م وقع تمرد في روسيا ضد القيصر نيقولا الأول يطالب بالإصلاح. قمع القيصر الانتفاضة بدون رحمة وحكم على خمسة بالإعدام. ويبدو أن (كوندراتيج ريلييف) كان ثقيل اللحم فانقطع به حبل المشنقة وكان العرف يقضي بالعفو عنه، إلا أن صاحبنا قام فصاح إنه لا يُتقن شيء في روسيا بما فيها جدل حبال المشانق. كان القيصر قد وقع على ورقة العفو ولكنه سأل الرسول: ما كان موقف الرجل مع هذه المعجزة؟ فأخبره بما قال. قال حسنا له ما أراد، اجدلوا له حبلا لا ينقطع أبدا. وفي اليوم التالي سيق إلى حبل المشنقة ولم ينقطع الحبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى