
يونس السيد
لا ينبغي التقليل من أهمية تسونامي الاعترافات الغربية بالدولة الفلسطينية، التي رافقت مؤتمر نيويورك حول «حل الدولتين»، باعتبارها نقطة تحول استراتيجية في التعامل مع القضية الفلسطينية، لكن أيضا لا يمكن تجاهل الكثير من الأسئلة التي تتعلق بتوظيف هذه الاعترافات في نقل قيام الدولة الفلسطينية من الإمكانية النظرية إلى الإمكانية الواقعية.
من حيث المبدأ، تكتسب هذه الاعترافات أهمية فائقة في فتح أفق سياسي لمسار السلام الذي لا يزال يصطدم بتعنت إسرائيلي- أمريكي، رافض لكل هذا التوجه، ويشكل ضغطا كبيرا على تل أبيب وواشنطن، اللتين تجدان نفسيهما في عزلة شبه تامة عن المجتمع الدولي. وتزداد أهميتها لكونها جاءت من دول غربية كبرى حليفة ولها وزنها، مثل بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا وغيرها، ما يرفع عدد الدول دائمة العضوية والمعترفة بفلسطين في مجلس الأمن إلى أربع، ويبقي الولايات المتحدة وحدها، حيث كانت روسيا والصين قد اعترفتا بالدولة الفلسطينية منذ وقت طويل.
ومع أن هذه الاعترافات، التي جاءت متأخرة كثيرا، وجاءت بأغلبيتها مشروطة ومقيدة، فإنها تمنح الفلسطينيين أملا مستقبليا في إقامة دولتهم المستقلة، التي هي حق مشروع لهم وليست مِنَّةً، بموجب القوانين الدولية والحقوق التاريخية المتأصلة لهم في وطنهم. لكن ذلك لا يعني تغييرا فوريا في الواقع على الأرض، أو في المدى المنظور على الأقل. فهذه الجهود الدولية التي جاءت نتيجة صحوة فرضها الحراك الشعبي المتنامي في الشارع الغربي على صناع القرار في عواصم الغرب، تحتاج إلى الكثير من العمل والمزيد من الجهود الشاقة والمضنية لإقناع الطرفين الإسرائيلي والأمريكي بأن لا مفر، في نهاية المطاف، من إقامة دولة فلسطينية، ليس فقط لكونها حق أصيل للشعب الفلسطيني، وإنما لضرورات سياسية وأمنية واستراتيجية لضمان أمن واستقرار المنطقة والعالم.
يتوقف الأمر على الرد الإسرائيلي، المدعوم أمريكيا، والخطوات التي قد تقدم عليها إسرائيل، سواء لجهة ضم الضفة الغربية، أو اللجوء إلى ردود دبلوماسية، كانت مدار تحذيرات مسبقة من المسؤولين الأوروبيين والغربيين. كما يتوقف الأمر على مدى الخطوات التالية التي قد تقدم عليها عواصم الدول المعترفة، وبالأخص بريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي في ممارسة الضغط على إسرائيل، وفي مقدمتها سلاح العقوبات، إذا كانت جادة في الذهاب بعيدا في فتح مسار السلام وتنفيذ «حل الدولتين».
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو ما إذا كان «حل الدولتين» بات يحتل الأولوية على وقف المذبحة الدائرة في غزة منذ نحو سنتين، أو يأتي تعويضا عن العجز الأوروبي والدولي في وقف الحرب على المدنيين الأبرياء، مع أن الأمرين يرتبطان عضويا ببعضهما البعض، إلا إذا كان الهدف هو دغدغة مشاعر الفلسطينيين، وتعليق آمالهم على حبال الهواء، فيما تستمر آلة القتل الإسرائيلية في الإجهاز على من تبقى من الفلسطينيين في قطاع غزة. تلك هي المسألة الملحة، وهو ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.





