
يونس جنوحي
تلقيت عرضا في نهاية شهر فبراير سنة 1953، حيث طلب مني صحافي أمريكي أن أشتغل على قصة معه نرافق فيها رحلة عشرة آلاف جَمل. كنت أنا والصحافي الأمريكي، والمصور الفرنسي الذي رافقنا من أكادير، الأجانب الوحيدين في ذلك المهرجان السنوي لتجارة الجِمال
قبل أن ندخل مع «مارفين» في تفاصيل رحلة الحج المثيرة التي توجهت إليها من المغرب وكتبت عنها وقتها في الصحافة الأمريكية، في فترة لم يكن العالم يعرف الشيء الكثير عن الإسلام والمسلمين وشعيرة الحج إلى الأماكن المقدسة. تذكر «مارفين» أنها توجهت إلى تندوف في مغامرة عجيبة تستحق فعلا أن تُروى.
تقول «مارفين» إن رحلتها نحو الجنوب المغربي كانت في شهر فبراير، وكانت غير سياسية بالمرة. إذ كان الأمر يتعلق بمهرجان كبير للجِمال وكانت قد تلقت عرضا لإنجاز تغطية صحافية عن هذا المهرجان الذي يحتفل بموكب يتكون من أزيد من 10 آلاف جمل. لهذا، تقول «مارفين»، كان الحدث كبيرا جدا.
تقول: «تلقيت عرضا في نهاية شهر فبراير سنة 1953، حيث طلب مني صحافي أمريكي أن أشتغل على قصة معه نرافق فيها رحلة عشرة آلاف جَمل. كان هذا الصحافي ينوي التوجه إلى تندوف لحضور المعرض السنوي الذي كان عبارة عن سوق كبير لبيع الجِمال الأصيلة. وكان يحتاج إلى مساعد ومترجم أيضا. وهكذا اقترحتني إدارة «راديو ماروك» في القسم الإنجليزي على هذا الصحافي لكي أرافقه، وأعفوني من العمل في الراديو لأسبوع لكي أذهب معه».
تضيف «مارفين» أن السوق كان تجاريا لكنه كان مهرجانا قبليا تحضره القبائل الصحراوية المغربية ويقام في تندوف التي كان التوجه إليها وقتها يحتاج إلى تصريح من الإدارة الفرنسية في أكادير. إذ إن تندوف وقتها كانت تابعة للأراضي المغربية، ويسري عليها ما يسري على كل التراب المغربي التابع للحماية الفرنسية والإقامة العامة في الرباط وليس في الجزائر.
وهذا دليل تاريخي آخر على أن تندوف كانت إلى وقت قريب تابعة للنفوذ المغربي وأن قبائلها كانت تتبع للمغرب في النظام السياسي والولاء للعرش.
تقول «مارفين» إن تندوف وقتها كانت تُعرف على أنها مركز عسكري صغير تابع للجيش الفرنسي وأنه آخر نقطة حدودية مغربية في الطريق إلى الجزائر.
طبعا، لم تكن «مارفين» لتأتي بهذا التعريف الذي أوردته عن تندوف في مقالتها الصادرة سنة 1954 وأيضا في كتابها عن المغرب الذي صدر في نفس السنة، من تلقاء نفسها، فقد اعتمدت على الأوراق الرسمية والاعتماد الصحافي الذي مُنح لها من الإدارة الفرنسية في الرباط، وليس من العاصمة الجزائر. وهذا ما يعني أن تندوف كانت ضمن التراب المغربي قبل التقسيم الفرنسي للحدود، والذي لا يزال موضوع نقاش حاد إلى اليوم.
تقول «مارفين»: «كنت أنا والصحافي الأمريكي، والمصور الفرنسي الذي رافقنا من أكادير، الأجانب الوحيدين في ذلك المهرجان السنوي لتجارة الجِمال. لقد اضطررنا إلى ركوب حافلة في الصحراء لمدة 15 ساعة متواصلة من أكادير لكي نقترب من المنطقة». وتذكر «مارفين» أنها رفقة الصحافي الأمريكي اضطرا إلى خوض نقاش حاد مع الركاب لكي يتم السماح لهما بركوب تلك الحافلة وبقيا يتجادلان لأزيد من ساعة قبل أن يتفاهما مع المرافق المغربي الذي أقلهما إلى المكان وهما يحملان معهما تصريحا من الإدارة في مدينة أكادير.
تشرح مارفين أن الرحلة لم تكن سياحية نهائيا بل كانت مغامرة بكل المقاييس، إذ رغم أن المنطقة كانت صحراوية إلا أنها كانت مليئة بالمرتفعات المتعبة، وخلال الطريق إلى مكان إقامة المهرجان، كانت «مارفين» تشاهد أن الطريق تغص بجحافل المشاة والراكبين على الجمال متجهين بها لبيعها إلى القبائل الصحراوية التي تقصد بدورها المهرجان مرة في السنة لكي تقتني ما تحتاج إليه من القطعان للتنقل في الصحراء. وخلال يوم كامل من المسير، كانت منطقة «بويزكارن» كما دونت «مارفين» في أوراقها الشخصية وقتها، المكان الوحيد الآهل بالسكان القرويين الذي رأته خلال مسيرة يوم كامل إلى هناك.
تضيف «مارفين» أن رحلتها تلك إلى تندوف جعلتها تُدرك إلى أي حد يمكن أن تكون الصلوات والابتهالات ضرورية في حياة الإنسان لأنها اكتشفت معنى صعوبة الحياة في الصحاري ومدى غنى ثقافة القبائل الصحراوية التي لم تكن تعرف عنها أي شيء في السابق. ولاحقا تعرفت «مارفين» على الصحراء والجِمال أكثر عندما توجهت إلى موسم الحج بعد نفي العائلة الملكية بأسابيع في غشت 1953.





