الرأي

مافيات الفن التشكيلي

ما كان همسا في الصالونات وفضيحة مسكوتا عنها يتداولها التشكيليون المغاربة وأصحاب قاعات العرض في ليالي السمر، تجاوز الحدود المغربية لكي ينفجر في «عاصمة الأنوار» باريس، حين قررت قاعة عرض فرنسية الامتناع عن عرض وبيع لوحات رواد الفن التشكيلي المغربي بعدما بلغ إلى علمها أنها تتعرض للتزوير، وخصوصا منها لوحات بنعلي الفاطمي والجيلالي الغرباوي وأحمد الشرقاوي وأمين الدمناتي والشعيبية طلال.
وقد اندلعت الفضيحة بعد الخلاف الذي شب بين ثلاثة من أصحاب القاعات المغربية، حيث قصفوا بعضهم البعض بتهم ثقيلة حول اللوحات التي يتم تسريبها إلى الخارج، وإلى فرنسا بالذات، حيث تباع بمبالغ طائلة بالرغم من كونها مزورة.
لقد اغتنى تشكيليون مغاربة مارسوا تزوير لوحات الرواد واقتنوا الشقق الفاخرة في الأحياء الراقية بالبيضاء ليس من مداخيل «إبداعهم» الخاص الذي لا يلقى إقبالا في السوق، وإنما من انتحال صفة مبدعين كبار رحلوا عن دنيانا الفانية ولم يجدوا من يحمي إرثهم من عصابات مدججة بالفرشاة والأصباغ تعيث فسادا وتزويرا وتستفيد من اللاعقاب وصمت العارفين بالأسرار وتفاصيل الجريمة الموصوفة، مفضلين محاباة السارقين الذين تحول بعضهم إلى نجوم النضال النقابي المدافعين عن حقوق الفنانين أو تحولوا إلى نجوم حفلات الكوكتيلات المخملية الفاخرة، حيث يتجاهل الحاضرون اللوحات المعروضة لكي يتبادلوا التهاني وبطاقات الزيارة والمعلومات المفيدة حول الصفقات وأفضل السبل لبيع اللوحات بالجملة للأبناك والشركات الكبرى.
ويبقى السؤال المحير هو: هل يعيش المغرب فراغا تشريعيا يستفيد منه لصوص تزوير اللوحات الفنية والتراث الوطني، فيما يضرب القانون بشدة على أيدي مزوري العملة، أم أن ورثة الفنانين الراحلين لم يدركوا بعد أهمية تفعيل القوانين وتكييفها لكي تضع حدا نهائيا لمن يطعن في الصميم الذاكرة الفنية الوطنية ويسيء إلى مصداقية التشكيليين المغاربة في الداخل والخارج بفعل سلوك مافيات الفن الذي لن يمنعنا من القول بأن عصر «شوف وسكت» قد ولى إلى غير رجعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى