
محمد اليوبي
حذر مجلس المنافسة في رأي أصدره حول السير التنافسي لسوق المطاحن بالمغرب، من غياب قرار إلزامي حول تشكيل مخزون احتياطي من الحبوب، تنفيذا للتعليمات الملكية بهذا الخصوص.
مسؤولية تشكيل احتياطي الحبوب
أوضح المجلس أن القانون رقم 12.94 أسند إلى المكتب الوطني المهني للحبوب والقطاني مسؤولية تشكيل مخزون احتياطي من الحبوب، غير أنه لم يُصدر، إلى حدود الساعة، قرارا إلزاميا يحدد كيفيات تشكيله وتمويله، وفي غياب إطار قانوني واضح في هذا الشأن، لا يمكن للمكتب تدبير المخزون على نحو استباقي، معرضا البلاد لمخاطر في حالة ندرة العرض. لذلك، دعا المجلس إلى ضرورة التعجيل باعتماد القرار لتأمين إمدادات البلاد من الحبوب، وتقوية صمودها في وجه الأزمات الظرفية.
كما أوصى المجلس بضرورة تقوية صمود سلسلة الحبوب لتمكينها من التصدي للتحديات المناخية والاقتصادية، ويقتضي ذلك مراقبة عملية تحرير القطاع، وإرساء إطار صلب لتدبير المخزون الاحتياطي، واعتماد ممارسات فلاحية تتلاءم مع الظروف المناخية التي تمر منها البلاد.
وأشار المجلس إلى أن قطاع المطاحن المغربي، الواقع في صلب الأمن الغذائي الوطني، يتصل اتصالا وثيقا بإنتاج الحبوب واستيرادها، سيما القمح اللين باعتباره منتوجا أساسيا، وأضاف أنه في الوقت الراهن يوجد القطاع في مفترق طرق، بالرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لضمان استقرار الأسعار ومواصلة التموين بالمنتجات، كما يعكس الاعتماد الشديد على الواردات، المتفاقم بفعل الظروف المناخية غير المواتية والأزمات الجيو- سياسية، ضرورة إصلاح القطاع لضمان صموده الدائم، إضافة إلى ذلك، تفرز الطاقة الإنتاجية المفرطة، إلى جانب مجالات تدخل الدولة العديدة، اختلالات تضر بتنافسية القطاع وتنهك قدرات الفاعلين المحليين.
وفي هذ الصدد، انكب رأي مجلس المنافسة على تحليل السير التنافسي لسوق المطاحن، متطرقا إلى عدد من الجوانب المرتبطة بالإطار القانوني والتنظيمي للقطاع، وبالتوزيع الجغرافي للفاعلين، وبآليات الدعم والتعويض المختلفة وتداعياتها على المنافسة في القطاع.
كما تناول رأي المجلس بنية الحكامة في قطاع الحبوب بالمغرب، مسلطا الضوء على التحديات والرهانات الرئيسية التي يطرحها. ويكتسي هذا التحليل أهمية خاصة في سياق دولي متقلب، يتسم بتقلب شديد في أسعار الحبوب، وتوترات جيوسياسية، وتعاقب فترات الجفاف التي انعكست سلبا على الإنتاج الوطني، وتبرز هذه العوامل الحاجة الملحة إلى مواكبة القطاع للتحديات الراهنة، سيما في ما يتعلق بالسيادة الغذائية، والقدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية، واستدامة سلاسل التوريد، وحماية القوة الشرائية للمستهلكين.
وقد كشف هذا التقرير عن وجود تحديات بالغة الأهمية بالنسبة إلى التنمية المستدامة لسوق المطاحن، وأظهر التحليل أنه على الرغم من أن قطاع الحبوب بشكل عام، وسوق المطاحن بشكل خاص، استفادا من سياسات الدعم الرامية إلى استقرار الأسعار، وضمان حصول المستهلكين على المنتجات الأساسية، فإن الآليات الحالية تعاني من أوجه قصور في مواجهة التحديات المناخية واستيفاء متطلبات الأمن الغذائي.
إيجابيات سياسة الدعم والمقاصة
أكد رأي مجلس المنافسة أن سياسة الدعم والمقاصة تشكل رافعة أساسية في تحقيق التوازن في سوق المطاحن بالمغرب، فمن خلال تحقيق استقرار أسعار دقيق القمح اللين، لعبت هذه السياسة دورا رئيسيا في الحفاظ على القوة الشرائية للأسر، وضمان الوصول العادل إلى الغذاء الأساسي، خاصة في فترات تصاعد التوترات على الأسعار العالمية، كما ساهمت في دعم استدامة المطاحن التي واجهت ارتفاعا حادا في تكاليف التوريد.
غير أن هذه الآلية، يضيف تقرير المجلس، رغم مساهمتها في استقرار السوق، فإنها لا تخلو من آثار سلبية على دينامية المنافسة في هذا القطاع، مشيرا إلى أنه في الواقع يؤدي تركيز الدعم على حلقات سلسلة القيمة المتمثلة في الاستيراد والتحويل إلى كبح حافز الابتكار والتنويع لدى بعض الفاعلين، سيما المطاحن التي تعتمد بشكل كبير على الدقيق الوطني للقمح اللين، كما ساهم هذا الدعم الموجه في خلق طاقة إنتاجية زائدة وشكلا من أشكال الجمود الاقتصادي، في سياق أصبحت فيه القدرة التنافسية تحديا ملحا.
وبالنسبة إلى توزيع الدعم، أشار التقرير إلى أن المساعدات العمومية تتركز في معظمها على مرحلتي الاستيراد والتحويل، ورغم أن هذه البنية تخضع لهوامش محددة بموجب الأنظمة الجاري بها العمل، فإنها تؤدي إلى إقصاء المنتجين المحليين من الحبوب إلى دور ثانوي في الاستفادة من القيمة التي تولدها هذه السلعة. وبالمثل، تبدو المكاسب المباشرة للمستهلكين متضائلة بشكل متزايد، خاصة أن الدعم المقدم للقمح اللين يمكن أن تستفيد منه بشكل غير مباشر المنتجات الكمالية أو الفاخرة، دون استهداف واضح للفئات الأكثر هشاشة من السكان.
وأبرز مجلس المنافسة أنه في سنة 2022، حصل المستوردون على ما يقرب من 85 في المائة من المساعدات المخصصة لدعم هذا القطاع، في حين تراجعت بشكل كبير المساعدات المخصصة للفلاحين، وأضاف أن مثل هذا التوجه في الإنفاق العام، الذي لا يراعي بشكل كاف القطاع الفلاحي الأولي، قد يعرض للخطر الجهود الرامية إلى تعزيز السيادة الغذائية الوطنية، من خلال الإبقاء على الاعتماد البنيوي على الأسواق الخارجية.
وفي هذا السياق، دعا المجلس إلى إعادة تقييم نموذج الدعم لضمان توزيعه بشكل أكثر إنصافا وفعالية بين مختلف حلقات السلسلة، مع تعزيز مرونة واستقلالية الإنتاج الوطني.





