شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةشوف تشوف

مع وقف التنفيذ

ما أصبح يهدد الأمن العام والاستقرار هو أن لصوص المال العام لم يعودوا يخافون من السرقة بل يفعلون ذلك “على عينيك أبنعدي”، ومنهم من أصبح يجاهر بأسماء الجهات التي توفر له الحماية متحديا الجميع بالتجرؤ على اعتقاله أو مجرد استدعائه. وحتى عندما تتحرك العدالة وتصدر أحكامها ضد واحد من هؤلاء المفسدين فإنه يخرج لكي يتبجح بكونها أحكاما مع وقف التنفيذ.
وعندما تقرر اعتقال الوزير السابق محمد مبديع ومن معه، وإيداعهم السجن في انتظار استكمال التحقيقات معهم بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كانت نفس المحكمة تصدر أحكاما بالسجن مع وقف التنفيذ في حق المتهمين باختلاس أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من بينهم الوزير السابق رفيق الحداوي، بتهمة اختلاس 115 مليارا من أموال المنخرطين بالصندوق.
والسؤال الذي نتركه لرجال القانون هو هل يجوز الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبات في قضايا الجنايات؟ فنحن نعرف أن من حق المحاكم أن تقضي بالحبس الموقوف، لكننا لم نسمع يوما بإمكانية الحكم بعقوبات سجنية موقوفة أيضا.
ومع ذلك فإننا لا يمكن إلا أن نحترم قرارات القضاء، حتى ولو لم نتفق مع مضامينها، والتي تبقى للهيئات القضائية الأعلى درجة صلاحية تصحيح ما شابها من اختلالات قانونية أو أخطاء، مثلما وقع مؤخرا مع قضية طفلة تيفلت المغتصبة حيث صحح الحكم الاستئنافي المشدد تساهل الحكم الابتدائي المخفف.
وكما أن للأحكام القضائية حرمتها وقدسيتها في مواجهة المواطنين، فإن من أوجب واجبات جميع السلطات داخل الدولة احترام تلك الأحكام، وأسمى طريقة للتعبير عن هذا الاحترام هو السهر على تنفيذها وعدم التغاضي عن العقوبات والغرامات التي ينطق بها القضاء في حق ناهبي المال العام، أو التلكؤ في التحقيق معهم على وجه السرعة، حتى يمكن تحقيق الردع الخاص، بمنع الجاني من معاودة نفس الأفعال، والردع العام بجعله عبرة للآخرين.
غير أن الملاحظ هو أن أغلب هذه القضايا يغيب عنها بشكل غير مفهوم الوكيل القضائي للمملكة بصفته مدافعا عن المصالح المالية للدولة، أو الوكيل القضائي للجماعات الترابية الذي يفترض فيه الحضور للدفاع عن مصالح الجماعة المتضررة.
مناسبة هذا القول وجود أحكام قضائية نهائية ضد منتخبين جماعيين بسبب اختلاس أموال عمومية، وعدم تنفيذ تلك الأحكام ضد من صدرت في حقهم، وعدم المبادرة إلى فتح مساطر التنفيذ لاسترجاع الأموال المنهوبة، بل إن منهم من تمت تزكيته من طرف أحزاب سياسية وهي تعلم يقينا بسوابقه ومدى تورطه في قضايا فساد خطيرة، ومنهم من لا يزال، بفضل تلك التزكيات العشوائية، مستمرا في ممارسة مهامه الانتدابية كما لو أن شيئا لم يكن، والأمثلة كثيرة منها حالة الرئيس السابق بإحدى الجماعات القروية المسماة سبت لوداية بإقليم مولاي يعقوب، فرغم أن هذا الأخير محكوم بعدة أحكام سالبة للحرية تتعلق بتبديد المال العام واستعمال التزوير، فإنه لا يزال حرا طليقا، بل يمارس مهامه لحد الآن كمستشار جماعي بنفس الجماعة، ويحضر دورات مجلسها، لا بل إنه يرغي ويزبد ويقلب الطاولة على رئيسها الحالي، وبحضور ممثل عمالة الإقليم.
وقد سبق لهذا الرئيس أن كان محط شكاية من مستشار جماعي بذات الجماعة تتهمه بالمشاركة في تمكين أخيه المقيم حينها في الديار الإسبانية والحاصل على جنسيتها، من منصب شبح في ذات الجماعة، وصرف مرتبات هذا الأخير بما فيها التعويضات عن الأشغال الملوثة والترقيات، وعندما انتقلت الشرطة القضائية المكلفة بالجرائم المالية إلى المصالح الإدارية ذات الصلة بالموضوع، اكتشفت بأن الكاتب العام للجماعة آنذاك قام بتزوير بطاقة التعريف الوطنية لأخ الرئيس ووضع صورته عليها، بعد أن صادق عليها في نفس الجماعة، وأجرى الفحص الطبي نيابة عن أخ الرئيس المقيم بإسبانيا، فتابع الأستاذ الطويلب المكلف بالتحقيق لدى محكمة الاستئناف بفاس الرئيس ومدير مصالحه وأخاه الموظف الشبح في حالة سراح بكفالة مالية ضئيلة، سرعان ما تم رفعها من طرف الغرفة الجنحية إلى قدر لا بأس به.
وبعد محاكمات ماراثونية مطولة حكمت غرفة الجنايات الابتدائية بإدانة الرئيس وشريكيه بالسجن النافذ لمدة سنة ونصف، فيما رفعت محكمة الاستئناف العقوبة إلى سنتين نافذتين، ورفضت محكمة النقض طلبه الرامي إلى نقض القرار الصادر ضده.
الغريب في الأمر هو أن هذا الرئيس ترشح لعضوية مجلس نفس الجماعة، مستغلا تأخر محكمة النقض في الحسم في طلبه، فيما بقي أخوه ومدير مصالحه يحصلان على أجورهما كما لو أن الأحكام القاضية بإدانتهم بالتزوير والاختلاس كانت مجرد تمرين في مادة التربية على المواطنة.
ورغم أن الرئيس السابق فقد أهليته الانتخابية والموظفين المشاركين معه فقدا أهليتهما في تولي الوظائف العمومية، فإنهم لا يزالون أحرارا طلقاء، يمارسون حياتهم الخاصة والعمومية بدون إزعاج، في انتظار تقادم العقوبة في حقهم وإفلاتهم من العقاب.
لذلك فإن مسؤولية الأحزاب السياسية في اختيار مرشحيها هي مسؤولية وطنية جسيمة، يجب أن تحاسب عليها، فلا يقبل أن يتم التهافت بين الأحزاب على الظفر بالمقاعد الانتخابية، بأي ثمن، وتزكية الكائنات الانتخابية التي تحوم حولها الشبهات، بذريعة احترام قرينة البراءة، كما يحلو لوهبي أن يقول، كما أن جميع سلطات الدولة من تشريعية وتنفيذية وقضائية ملزمة بالانخراط الجاد في عملية التخليق عبر سن قوانين واضحة ورادعة، والنطق بأحكام زجرية عادلة ضد المخالفين وتنفيذها بكل تجرد وصرامة، وإلا فإن الحديث عن أي إصلاح مستقبلا لن يكون إلا حديثا مستهلكا عن إصلاح مع وقف التنفيذ.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى