شوف تشوف

الرأي

ملاعب الأموات

حسن البصري
حين تحولت الأنظار إلى مدينة وجدة، ونال ملعبها الشرفي شرف احتضان المباراة النهائية لكأس العرش، جددت عائلة مصطفى بلهاشمي، الأب الروحي للمولودية الوجدية، مطلبا مهددا بالتقادم يقضي بإطلاق اسم الرئيس السابق للفريق على الملعب الشرفي للمدينة، وتخليد ذكرى الرجل الذي اختزل حياته في المولودية.
توفي بلهاشمي بعد معاناة مع المرض، مات وهو يوصي أسرته خيرا بفريق سكن وجدانه وجفف مصادر رزقه. في المقبرة، وبعد مراسيم الدفن، وأثناء أمسية التأبين، وعد منتخبو المدينة بإطلاق اسم الفقيد على الملعب الذي قضى فيه الجزء الأكبر من حياته، وعرض المقترح في اجتماع للمجلس البلدي الذي وافق على المقترح، لكنه تاه بين دروب البيروقراطية، وانتهى به المطاف في دائرة النسيان.
عندما لبس الملعب الشرفي حلة جديدة، تجدد مطلب تسميته، خاصة بعد عودة المولودية الوجدية إلى دائرة الضوء، لكن، في حفل التدشين، حضر الشغب وغاب المقترح، وكأن لعنة الاسم تطارد الرجل في قبره.
كثير من ملاعب المغرب تحمل اسم «الشرف» وتسمى تجاوزا ملاعب شرفية، لا أحد يعلم من أين تسلل لها الشرف وكيف أريد لها أن تظل شريفة عفيفة رغم ما تعيشه من فساد باطني، وما تعرفه من شتائم تجعل الشرف اسما على غير مسمى. أما الملعب «البلدي» فلا يختلف في خدماته عن المطعم البلدي لصاحبها شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم. بينما الباقيات الصالحات من ملاعبنا لها شهادة ميلاد وعلى مدخلها اسم كتب بخط رفيع.
كلما أطلق المنتخبون اسم لاعب على ملعب لكرة القدم إلا وأعلنوا وفاته.. كلما وضعوا اسم مدرب أو مسير على مدخل فضاء لممارسة كرة القدم إلا وحولوا اللوحة إلى شاهد قبر.. كلما قصوا شريط التسمية إلا وسرقوا المقص وحولوه إلى خنجر يذبح الرموز من الوريد إلى الوريد.
في وجدة الملعب «الشرفي» بلا اسم والملعب ورفيقه «البلدي» بلا اسم، وكأن المدينة بلا ذاكرة ولا تاريخ، بينما تقول مذكرات الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة إنه كان يطوي المسافة الرابطة بين مغنية ووجدة ليمارس كرة القدم في ملعبها البلدي، وأن الرئيس الجزائري المخلوع عبد العزيز بوتفليقة لعب مبارياته في هذا الملعب الذي سقط منه التاريخ وبقيت الجغرافيا.
إذا تأملنا أسماء ملاعب الكرة في بلادنا سنكتشف حجم الجحود، وسنستحضر موقف أبناء المراحيم الذين يعيشون تحت خط القهر، حتى الذين كان نصيبهم لوحة تذكر برجل مات دون أن يجد كفن الكرامة.
وضع اسم اللاعب الدولي العربي بن مبارك على ثلاثة ملاعب في الدار البيضاء ومراكش وفي الصحراء، لكن لا أحد من اللاعبين الممارسين حاليا يعرف تاريخ العربي، ولم يجرؤ أحد من المؤطرين على تخصيص حصة لتلقين النشء درسا في التاريخ عنوانه «المؤسس الحقيقي للكرة في المغرب»، كي لا يظل إدريس الأول ويوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت هم مؤسسو البلاد، أما مناهج تدريس النشء فتعطي الانطباع بأننا شعب بلا تاريخ رياضي.
ذات يوم توجه حفيد الأب جيكو، مؤسس الرجاء البيضاوي، إلى إدارة النادي وأعلن رغبته في الانضمام إلى مدرسة الفريق، فوضعوا أمامه لائحة الحاجيات وأسعار الحصص وطالبوه بشيك للدفع المسبق كأنه سيرقد في مصحة خصوصية، التمس المجانية استنادا إلى تاريخ الأب جيكو فقرروا التحقق من هويته قبل أن يطالبوه بملتمس كتابي باسم الرئيس وشهادة الحياة الجماعية وتصريح بالشرف، فعاد أدراجه خائبا يصادر دموعه ويمني النفس بنزع صورة الفقيد من إدارة النادي. أما عبد الكريم، نجل العربي الزاولي، فقد طرد من ملعب يحمل اسم والده.
في برشيد لا يمكن لملعب لكرة القدم أن يحمل اسم طبيب «أبو بكر الرازي»، إلا لقربه من مستشفى الرازي للأمراض العقلية، وفي الجديدة وضع اسم «العبدي» على ملعب المدينة فتحول الاسم إلى موضع لموشحات أبناء عبدة كلما واجهوا الدكاليين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى