حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

 منتخب يتآكل

 

 

حسن البصري

 

بحثت عنهم في تأبين أحمد فرس، فلم أجد منهم إلا الصامدين ضد عوادي الزمن.

سألت لاعبا ممن ساهموا في كأس أمم إفريقيا لكرة القدم، عن مصير فلان وعلان، فتبين أن لاعبي المنتخب المغربي يتآكلون في صمت.

قال صاحبي إن الشريف مريض، والعربي يقاوم مرضه، ومجاهد يعاني في صمت، والباقيات الصالحات تبتلع سرا وعلانية حبوب منع الهم.

قلت إن الموت قدر محتوم وإن كأس إفريقيا ستحفظ في سجل حسناتهم، فأعرض عني مخاطبي.

مات أحمد فرس بعد معاناة طويلة مع المرض، بعدما أصر على أن يعالج في وطنه وأن يدفن في تربة فضالة، دون أن يشتكي من ظلم ذوي القربى.

كان عبد المجيد ظلمي سباقا إلى الموت، مرض في صمت وتوفي في صمت، ودفن في جنازة حاشدة.. أعلن نفسه أول ميت من تشكيلة أسطورية خاضت غمار كأس إفريقية حارقة.

قبل أن يجف دمع الفراق على عبد المجيد، مات حميد الهزاز، حارس عرين المنتخب الوطني، وأحد صناع ملحمة إثيوبيا، بعدما توقفت نبضات القلب ولم يعد في الدنيا وقت مستقطع.

بعد مرور عام بالتمام والكمال، لف الكفن مهاجم المنتخب المتوج، وسار ما تبقى من اللاعبين خلف جثمان أحمد أبو علي.

وفي أعقابه، مات المدافع المهدي ملوك، بعد معاناة صامتة مع المرض، وبعد عام، وقف في طابور الراحلين حسن أمشراط عسيلة، بكاه بحرقة رفيق دربه فرس، وبعد أقل من عامين دفن غير بعيد عن قبره، في مقبرة تحمل اسما على غير مسمى.

يا إلهي إن منتخبا أسطوريا يسير فرادى إلى مثواه الأخير.

أيها الموت ابحث عن أناس آخرين، دعنا نتأمل تقاسيم وجوههم ونستمتع بحكايا مغامرة دير داوة وإثيوبيا.

أيها القدر أمهلنا ساعات نعد فيها حقائب السفر، ونكتب ما تبقى من مذكرات أبطال بلا مجد.

ولأن الموت هو أول فعل ديمقراطي في الكون، فقد امتدت يده لتقبض أرواح الطاقم التقني والإداري، ولم يسلم إذاعي البعثة من المنية.

كان الإذاعي أحمد الغربي الذي نقل إلى المغاربة نبض مباريات كأس إفريقيا 1976، أول من ودع الميكروفون وأقفل ذبذبات المذياع العتيق، مات الرجل يوم 20 يونيو 1981، لقي ربه في يوم انتفاضة الدار البيضاء، وشيع جثمانه وسط حظر التجول ورائحة البارود ومناخ الاستنفار.

مات المدرب الروماني مارداريسكو في أمريكا سنة 2003، مات الرجل الذي أشرف على تدريب المنتخب المغربي، هاربا من بطش تشاوشيسكو. لم تكلف جامعة الكرة نفسها عناء العزاء واسترخصت سطور نعي في كلمات.

مات الناخب الوطني المهدي بلمجدوب مهموما مكسور الوجدان، مجردا من سلطة القرار، شيع أهله جثمانه، ومشوا خلف التابوت يصادرون الدموع.

مات رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عثمان السليماني مغتربا، بعد أن قطع البث عن الكرة، وأغلق النوافذ حتى لا تتسلل نسائمها إلى غرفة نومه.

مات المكلف بالأمتعة والممرض ومات الإنجاز بالتقادم، وانتهت ركائز فريق أسطوري في مقابر يتردد عليها الأهل، ويدير لها المسيرون ظهور الجحود والخذلان.

مات نصف الفريق الوطني وبقيت الكأس يتيمة في المتحف محنطة كالمومياء تعاني من الربو من شدة الغبار.

رحلت دعائم منتخب دافعوا وتدافعوا من أجل الوطن، وبقي رفاق دربهم يمشون منتصبي القامة تارة، مهمومي الهامة تارة أخرى. وحين يلتقون في مباراة اعتزال أو في لمة تأبين، يختلسون لحظة فيبتلعون في غفلة من الجميع أقراص الأمراض المزمنة.

في حجهم المبرور وفي حفل مؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين، يتبادلون العزاء ويستحضرون الفقد، ثم يصطفون في الطابور ينتظرون توقف العداد.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى