
تعيش العديد من الجماعات الترابية على حافة إفلاس الميزانيات، وذلك بسبب توالي الفشل في تسيير الشأن العام المحلي، وإهمال مستحقات الجماعات وعدم تحصيل والرفع من المداخيل، وتراكم ديون بالملايير مرتبطة بالتدبير المفوض بقطاع النظافة، ومصاريف استهلاك الماء والكهرباء، فضلا عن تراكم تعويضات نزع الملكية والاعتداء المادي، وتوارث ملفات مالية ثقيلة دون حلول جذرية.
وعوض تحرك رؤساء الجماعات الترابية المعنية، من أجل التخفيف من الديون واتخاذ قرارات جريئة في موضوع تحصيل المداخيل، نجد أن جلهم يختارون الاستمرار في نفس نهج الاستغلال الانتخابوي لملف الضرائب والمستحقات، وتقديم توسيع القواعد الانتخابية والحفاظ عليها على خدمة الصالح العام، علما أن هناك قرارات مصيرية لابد من اتخاذها حتى لو تطلب الأمر عدم العودة للمنصب السياسي الذي يبقى وسيلة وليس غاية في حد ذاته.
وفي ظل الفشل الذريع للمجالس الجماعية في ترقيع ميزانيات الجماعات الترابية، تقوم الأحزاب السياسية بتكرار تزكية نفس الوجوه الانتخابية طمعا في الأصوات وهاجس الأرقام، حيث ثبت استمرار رؤساء جماعات على رأس جماعات لأزيد من 20 سنة دون أي أثر للتنمية، والعمل على الدوران في حلقة مفرغة للتدبير الروتيني العادي وتراكم الديون دون مجهودات للتخفيف منها.
وعند كل أزمة خانقة تستنجد المجالس الجماعية، بمصالح وزارة الداخلية لإنقاذها من الإفلاس وضمان استمرار خدمات حساسة مثل النظافة التي لها ارتباط بالصحة العمومية وحماية البيئة، حيث سجل قطع تزويد مقرات جماعات ترابية بالتيار الكهربائي والماء لعدم أداء فواتير الاستهلاك، وهو الشيء الذي يتطلب تفعيل المحاسبة بشأن إهمال تنمية المداخيل، والتلاعب في تحصيل المستحقات والنظر في المبررات التي تتعلق بتعثر التنسيق بين المؤسسات المعنية وتقاذف المسؤوليات.
إن الميزانيات التي يتم إعدادها بالجماعات الترابية، ليست أرقاما للاستئناس، والنفخ فيها لإظهار النجاعة في التسيير يتعارض والجدية في تدبير الملفات المالية، كما يتطلب الأمر تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بشأن تنفيذ برامج العمل التي تبقى حبرا على ورق، وركون رؤساء الجماعات الترابية دوما إلى مبررات التراكمات وفشل المجالس السابقة عند استفسارهم عن حيثيات غياب تجويد الخدمات والتنصل من الوعود الانتخابية المعسولة.
لا أحد يُلزم أو يرغم الأحزاب السياسية أو ممثليها لرئاسة الجماعات الترابية، كما لا يمكن القبول بمبررات غياب تقدير المسؤولية وطرح الإكراهات والمعيقات التي لا تقدم ولا تؤخر، بل المطلوب هو العمل الجدي لتنمية المداخيل وخدمة الشأن العام، والتفاعل مع الشكايات وبحث سبل التنمية وتجويد الخدمات العمومية، واتخاذ قرارات ربما يكون لها تأثير على الشعبية والأصوات، ولكنها تنقذ الجماعات من شبح الإفلاس وترفع من مؤشرات التنمية، وتعيد الثقة لمؤسسة الجماعة التي حولها البعض إلى بقرة حلوب، وفرصة لاستغلال السيارات والامتيازات على حساب المال العام، وعندما يحين وقت الحساب يتم التباكي على غياب الاختصاصات وضعف التمويل وهامشية مؤسسة الجماعة، أو حتى ادعاء الأمية والجهل بالقوانين وتلك مصيبة كبرى.





