دين و فكر

هارون الرشيد وديك أبي نواس

أراد هارون الرشيد ذات يوم أن يمازح أبا نواس ويحرجه فأستحضر بيضا وطلب من جلسائه أن يخبؤوه في ثيابهم واتفق معهم أنه عندما يحضر أبو نواس سيعنفهم ويطلب منهم أن يتحولوا إلى فراخ ويبيض كل منهم بيضة فيخرجون البيض عندئذ من ملابسهم ويفحم أبو نواس ويخاف من غضب الرشيد فلما حضر أبو نواس المجلس بدأت اللعبة فقال أحدهم كلمة غضب منها الرشيد فصاح: يا لكم من جبناء لستم إلا فراخا فليبض كل منكم بيضة وإلا قطعت رقابكم فأخرج الجميع البيض من ملابسهم، ولما جاء دور أبو نواس وقف على قدميه ومشى حتى توسط الجميع، وصار أمام الخليفة وجها لوجه، ثم صار يقول: كاك.. كاك.. كاك، كما يفعل الديك بين الدجاج، وضرب إبطيه على بعضهما. فقال الخليفة: ما هذا يا أبا نواس، فقال أبو نواس: عجبا يا أمير المؤمنين، هل رأيت دجاجا تبيض من غير ديك هؤلاء فراخك وأنا ديكهم. فضحك الخليفة حتى كاد يسقط عن كرسيه، وقال له: يا لك من خبيث ماكر، تالله لو لم تكن فعلت ذلك لعاقبتك، ثم أمر له بهدية ومال معجبا بذكائه.

مقالات ذات صلة

غضب الرشيد من أبي نواس
غضب يوما هارون الرشيد من أبي نواس فطلب إحضاره إلى ديوانه وأمر بقتله.
فلما حضر ورأى الديوان مكتظا بالعلماء والأعيان وسمع بحكم الرشيد عليه بالقتل، قال: يا أمير المؤمنين، أذلك شهوة بقتلي؟ قال: لا، بل باستحقاق، فقال أبو نواس: إن الله يحاسب ثم يعفو، أو يعاقب، فيم استحققت القتل؟ قال: بقولك:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر / ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
قال: يا أمير المؤمنين، أعلمت إنه سقاني؟ قال: لا ولكن أظن ذلك. قال وتقتلني بالظن، وبعض الظن إثم قال: يا أمير المؤمنين أو صار القول فعلا؟ قال الرشيد: لا أعلم. فقال أبو نواس: وتقتلني على ما لا تعلم؟ قد علم الله هذا من قبل علم أمير المؤمنين، وأخبر أني أقول ما لا أفعل. قال الله تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون) فقال الرشيد: دعوه يذهب وشأنه، قطع الله لسانه.

هارون الرشيد وشعر أبي نواس
كان للرشيد جارية سوداء، اسمها خالصة، ومرة، دخل أبو نواس على الرشيد، ومدحه بأبيات بليغة، وكانت الجارية جالسة عنده، وعليها من الجواهر والدرر ما يذهل الأبصار، فلم يلتفت الرشيد إليه. فغضب أبو النواس، وكتب، لدى خروجه، على باب الرشيد:
لقد ضاع شعري على بابكم / كما ضاع در على خالصة
ولما وصل الخبر إلى الرشيد، حنق وأرسل في طلبه. وعند دخوله من الباب محا تجويف العين من لفظتي (ضاع) فأصبحت (ضاء). ثم مثل أمام الرشيد. فقال له: ماذا كتبت على الباب فقال:
لقد ضاء شعري على بابكم / كما ضاء در على خالصة
فأعجب الرشيد بذلك وأجازه. فقال أحد الحاضرين: هذا شعر قلعت عيناه فأبصر.

هارون الرشـيد والمرأة البرمكية
حكي أن امرأة دخلت على هارون الرشيد وعنده جماعه من وجوه اصحابه فقالت: يا أمير المؤمنين أقر الله عينك وفرحك بما أعطاك لقد حكمت فقسطت فقال: من تكونين ايتها المرأة؟ فقالت من آل برمك ممن قتلت رجالهم وأخذت أموالهم فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم قضاء الله وأما المال فمردود إليك ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه وقال: أتدرون ما قالت هذه المرأة فقالوا: ما نراها قالت إلا خيرا. قال: ما أظنكم فهمتم ذلك أما قولها اقر الله عينك أي اسكتها عن الحركة وإذا سكتت العين عن الحركة عميت وأما قولها وفرحك الله بما أعطاك أخذته من قوله تعالى “حتى إذا فرحوا بما أوتوا اخذناهم بغتة” وأما قولها: حكمت فقسطت أخذته من قوله تعالى “وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا”.

هارون الرشيد وعربدة أبي نواس
شاهد الرشيد أبا نواس وفي يده زجاجة من الخمر، فسأله: ماذا في يدك يا أبا نواس فأجاب: زجاجة لبن يا أمير المؤمنين. فقال الخليفة: هل اللبن أحمر اللون فقال: أحمرت خجلا منك يا أمير المؤمنين. فأعجب الخليفة من بداهته، وعفا عنه.

هارون الرشيد ونكبة البرامكة
من المعروف أنه كان للبرامكة منزلة عالية واستحوذوا على الكثير من المناصب في الدولة العباسية وكان لهم حضور كبير في بلاط هارون الرشيد، الذي أرضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي الذي حفظ لهارون الرشيد ولاية العهد بعد أن أراد الخليفة الهادي خلع هارون الرشيد، وتولى يحيى البرمكي تربية الرشيد، فأصبح أخا (بالرضاعة) لابنها الفضل بن يحيى البرمكي الذي حظي بمكانة خاصة عند الرشيد، ويحكى أن هارون الرشيد والفضل كانا يستجمان في حديقة للأشجار المثمرة، فرأى هارون الرشيد تفاحة فاشتهاها، فدل الفضل عليها، فبدآ يقفزان على الشجرة ليصلا إليها لكنهما عجزا عن قطفها، فجاءت الفضل فكرة أن يعتلي ظهر الرشيد ليقطف التفاحة، وهذا ما كان، وبينما هما كذلك، رآهما رجل من آل برمك.
وبعد أيام طلب الرجل مقابلة الرشيد، وقال هل لي بطلبين يا أمير المؤمنين، فقال آتي ما عندك، قال أما الطلب الأول هو ألا تعتبرني منذ الآن من البرامكة، فأنا أتبرأ منهم، وأما الثاني فهو ألا تسألني لماذا طلبت منك ما طلبت، فقال له هارون الرشيد، لك ما تريد، ولما تعاظم نفوذ البرامكة وقرر التخلص منهم، ألقى القبض على جميع أفراد العائلة البرمكية، وصادر أموالهم وممتلكاتهم، وشرد بعضهم، وقتل البعض، بينما دخل الكثيرون منهم إلى السجون، فتذكر الرشيد الرجل الذي تبرأ قبل النكبة من البرامكة، فاستدعاه لمعرفة سره، فقال الرجل، أنه منذ أن رأيت الفضل ممتطيا ظهرك في حديقة التفاح، أيقنت أن نهاية البرامكة قد أوشكت، فتبرأت منهم، فعفا عنه الرشيد، وكان الوحيد الذي نجا من البرامكة. ‫

منزلة جعفر البرمكي عند الرشيد‬
عن مكانة جعفر البرمكي عند الرشيد ‫ما حكاه ابن المهدي عم الرشيد، وهو إبراهيم المعروف بابن شكلة، وكانت شكلة أمة سوداء،‬ ‫وقد ذكر أن إبراهيم كان أسودا شديد السواد، وكان من الطبقة العليا في صنعة العود قال: قال لي جعفر‬ ‫يوما: يا إبراهيم: إذا كان غدا فأبكر إلي.‬ ‫فلمام كان الغد مشيت إليه بكرة، فجلسنا نتحدث. فلما ارتفع النهار أحضر حجاما فحجمنا، ثم قدم لنا‬ ‫الطعام فطعمنا ثم خلع علينا ثياب المنادمة، وقال جعفر لخادمه: لا يدخل علينا أحد إلا عبد الملك‬ ‫القهرماني. ‬فنسي الحاجب ما قال فجاء عبد الملك بن صالح الهاشمي، وكان رجلا من بني هاشم ذا ملاحة وعلم‬ ‫وحلم وجلالة قدر وفخامة ذكر وصيانة وديانة، فظن الحاجب أنه الذي أمره بإدخاله عليهما، فلما رآه‬ ‫جعفر تغير لونه ورآهم عبد الملك بن صالح على تلك الحالة، وظهر له أنهم احتشموه فأراد أن يرفع خجله‬ وخجلهم بمشاركته لهم في فعلهم فقال: اصنعوا بنا ما صنعتم بأنفسكم.‬ ‫فجاءه الخادم فطرح عليه ثياب المنادمة ثم جلس للشراب، فلما بلغ ثلاثا قال للساقي: لتخفف عني فإني ما‬ ‫شربته قط.‬‫ فتهلل وجه جعفر فقال له: هل من حاجة تبلغها مقدرتي فأقضيها لك مكافأة لما ‫صنعت؟ قال: بلى، إن أمير المؤمنين علي غاضب، فسله الرضا عني.‬ ‫قال: قد رضي عنك أمير المؤمنين. ‬‫قال: علي أربعة آلاف دينار.‬ ‫قال: هي لك حاضرة من مال أمير المؤمنين. ‬قال: وابني إبراهيم أريد أن أشد ظهره بصهر من أمير المؤمنين. ‬‫قال: قد زوجه أمير المؤمنين بابنته عائشة. ‬‫قال: وأحب أن تخفق الألوية على رأسه.‬ ‫قال: نعم، قد ولاه أمير المؤمنين مصر. ‬‫قال إبراهيم بن المهدي، فانصرف عبد الملك بن صالح وأنا أتعجب من إقدام جعفر على قضاء الحوائج من‬ غير استئذان. فلما كان من الغد وقفنا على باب الرشيد ودخل جعفر فلم نلبث أن دعا بأبي يوسف‬ ‫القاضي ومحمد بن واسع وإبراهيم بن عبد الملك فعقد له النكاح وحملت البدر إلى منزل عبد الملك وكتب‬ ‫سجل إبراهيم على مصر. فما كان من الرشيد إلا أن قال لجعفر ‫أحسنت. وخرج إبراهيم واليا على مصر من يومه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى