
فقد آلاف العلماء في الولايات المتحدة وظائفهم أو منحهم، مع خفض إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مليارات الدولارات من التمويل الفيدرالي المخصص للبحث العلمي، الأمر الذي دفع الحكومات والجامعات في جميع أنحاء العالم إلى انتهاز الفرصة والعرض لاستقدامهم، ما يعني أن المغرب حصل على فرص لا تتكرر لاستقطاب عشرات الباحثين في الجامعات الأمريكية، منهم علماء حصلوا على اعترافات دولية بفضل تفوقهم في المجالات البحثية التي يتخصصون فيها.
برنامج «فينكوم»
تبنت الحكومة الحالية برنامجا يعرف بـ«فينكوم»، وهو الاسم الذي تم منحه لعملية واسعة النطاق، تستهدف استقطاب الكفاءات المغربية في مختلف الجامعات العالمية، منها الكفاءات التي تشتغل في برامج بحثية تابعة للجامعات الأمريكية، والتي تعيش هذه الأيام أزمة حقيقية بسبب قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، خفض التمويل الفيدرالي للأبحاث العلمية، الأمر الذي تحاول دول كثيرة استغلاله بتقديم إغراءات مادية واجتماعية وقانونية لاستقطاب آلاف الباحثين.
ورغم أن الجامعات الأمريكية ماتزال لا تحظى بأولوية لدى الباحثين والطلبة المغاربة، قياسا بكندا وأوروبا، فإن الأرقام تشير إلى أن عددهم يتراوح بين 1000 و1500 طالب باحث، أغلبهم يشتغلون ضمن مختبرات ومراكز بحثية متأثرة جدا بقرار الرئيس الأمريكي، ومن هؤلاء 8 باحثين.
وصنفت جامعة ستانفورد الأمريكية ثمانية أساتذة باحثين مغاربة ضمن أفضل 2 في المائة من الباحثين العلميين في العالم. وجامعة ستانفورد جامعة أمريكية بحثية خاصة تأسست عام 1885، وتصدر تصنيفها كل عام، ويتضمن قائمة بأسماء أفضل 2 في المائة من علماء العالم الأكثر استشهادًا أكاديمياً في مختلف التخصصات. ويبلغ عدد الباحثين حوالي 160 ألف عالم من 149 دولة اعتماداً على قاعدة بيانات Scopus العالمية، في 22 تخصصا علميا و176 تخصصا فرعيا للباحثين الذين نشروا ما لا يقل عن 5 أوراق بحثية.
وتعتبر الولايات المتحدة الممول الرائد عالمياً للبحث والتطوير، بما في ذلك الاستثمارات الحكومية والجامعية والخاصة. ففي عام 2023، موّلت البلاد 29 في المائة من البحث والتطوير العالمي، وفقاً للجمعية الأمريكية لتقدم العلوم. وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أن بعض البرامج التي تستهدف استقدام العلماء، مثل برنامج «كندا تقود»، الذي تم إطلاقه في أبريل، ويهدف إلى تعزيز الجيل المقبل من المبتكرين، سيتوجه لجلب الباحثين في مجال الطب الحيوي في بداية حياتهم المهنية إلى شمال الحدود. بدورها بدأت جامعة «إيكس» مرسيليا في فرنسا برنامج «مكان آمن للعلوم»، في مارس الماضي، متعهدة بـ«الترحيب» بالعلماء المقيمين في الولايات المتحدة الذين «قد يشعرون بالتهديد أو الإعاقة في أبحاثهم».
وفي أبريل الماضي أعلن «برنامج جذب المواهب العالمية» في أستراليا عن وعود بتوفير رواتب تنافسية وحزم انتقال، إذ قالت آنا ماريا أرابيا، رئيسة الأكاديمية الأسترالية للعلوم: «رداً على ما يحدث في الولايات المتحدة، نرى فرصة لا مثيل لها لجذب بعض من أذكى العقول هنا».
استقطاب المواهب
منذ الحرب العالمية الثانية، استثمرت أمريكا مبالغ طائلة في الأبحاث العلمية التي تُجرى في جامعات مستقلة وهيئات فيدرالية، وفق الوكالة. وساعد التمويل الأمريكي على أن تصبح القوة العلمية الرائدة عالمياً، وأدى إلى اختراع الهواتف المحمولة والإنترنت، بالإضافة إلى طرق جديدة لعلاج السرطان، وأمراض القلب والسكتات الدماغية، لكن هذا النظام يتعرض اليوم لـ«اهتزازات»، فمنذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في يناير الماضي، أشارت إدارته إلى ما وصفته بالهدر وعدم الكفاءة في الإنفاق العلمي الفيدرالي، وأجرت تخفيضات كبيرة في أعداد الموظفين وتمويل المنح في المؤسسة الوطنية للعلوم، والمعاهد الوطنية للصحة، ووكالة العلوم والفضاء «ناسا» ووكالات أخرى، بالإضافة إلى خفض مخصصات الأبحاث التي تتدفق إلى بعض الجامعات الخاصة.
وبدا أن الجامعات والحكومات الأوروبية بدأت في استقطاب الباحثين الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم، حيث نشرت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية تقارير تشير إلى أن أكثر من 350 عالماً وقعوا عريضةً نُشرت في صحيفة «لوموند» الفرنسية، مطالبين المفوضية الأوروبية بإنشاء صندوق طوارئ بقيمة 750 مليون يورو لاستيعاب آلاف الباحثين العاملين في الولايات المتحدة. وصرحت نيكا بلازيفيتش، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، بأنه يجري التخطيط لاجتماع لتنسيق الاستجابة الأكثر فاعلية لتخفيضات إدارة ترامب في تمويل البحث العلمي.
وأشارت التقارير إلى أن فرنسا وهولندا وألمانيا كانت من بين أكثر البلدان الأوروبية اهتماماً باستقطاب الطاقات العلمية الأمريكية «المهاجرة». وبعد ساعات على افتتاح برنامج مخصص لاستقطاب الباحثين الأمريكيين سمي «مكان آمن للعلوم»، تلقت جامعة «إيكس»، المعروفة ببرامجها العلمية في مدينة مرسيليا الفرنسية، أول طلب لها..، وكرت سبحة الطلبات حيث تلقت نحو 12 طلباً يومياً ممن صنفتهم الجامعة «طالبي لجوء علمي». وسارعت جامعات أخرى في فرنسا وأماكن أخرى في أوروبا إلى إنقاذ الباحثين الأمريكيين الهاربين من التخفيضات الجذرية في الوظائف والبرامج من قبل إدارة ترامب، بالإضافة إلى الهجمات المزعومة على مجالات بحثية بأكملها. وعلى مدى الأسابيع الماضية، أُعلن عن تسريحات في مراكز أمريكية تُعدّ قمة العلم، بما في ذلك «الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي»، و«المؤسسة الوطنية للعلوم»، و«هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية» ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وفصلت المعاهد الوطنية للصحة، أكبر ممول عالمياً للأبحاث الطبية الحيوية، 1200 موظف، وأوقفت مراجعة المنح، ما أدى إلى إغلاق التمويل الحكومي لمشاريع البحث في المختبرات في جميع أنحاء البلاد. وتأتي هذه التخفيضات في الوقت الذي أزالت بعض الوكالات الفيدرالية مصطلحات من مواقعها الإلكترونية وطلبات المنح، والتي تُعدّ غير مقبولة من إدارة ترامب، التي تسعى إلى تطهير الحكومة الفيدرالية من مبادرات «الوعي»، والمصطلحات التي تُعدّ محظورة، هي: «علم المناخ» و«التنوع».





