
يونس جنوحي
«كان جنود المخزْن مشغولين بالنهب ولم يكن لديهم الوقت للتقدم، وفي الأخير صاحت فيهم إحدى الخادمات من العبيد:
-آآي.. هل أنتم عوانس تستعدون للزواج حتى تحملوا معكم الفراش وتسرقوا الأثاث؟ من الأكيد أنكم لستم جنودا. ولن تختفي النساء ولن يتزوجن بسبب بشاعتكم».
كانت تقف فوق صخرة، ترتدي «الحايك»، ولم يجرؤ أحد منهم على إطلاق النار عليها، فقد اعتقدوا أنها ساحرة.
ناديت على رجالي وطلبت منهم أن يتبعوها، رغم أنني نبهتهم:
– لا أحد منكم يُظهر نفسه، لا تُطلقوا النار إلا بعد أن تختاروا عدوكم جيدا.
قفزوا عبر الجدار واندفعوا عبر الصخور نحو الأسفل. كان عددهم يعادل عدد أصابع يدي الاثنتين.
في تلك اللحظة استسلم جيش المخزْن لأن قائدهم أصيب وحُمل على ظهر بغل بعيدا عن مكان المعركة.
تبعهم عدد قليل من رجالي وأطلقوا النار في اتجاه ظهور مئات المنهزمين.
الفصل الخامس:
«أسر وفدية السيد هنري ماكلين»
«كانت هناك صفقة مهمة تلك الليلة في قرية زينات. بعيدا جدا، كان الجيش نائما بين السهول، لكننا لم ننم. عندما حل الظلام، تسللنا عبر الجبال بعيدا. تلك الجبال كانت تستضيفنا دائما. ولم يبق أحد في القرية.
الصبيان كانوا يسوقون القطعان أمامهم، والرجال يحرسونهم ويحملون بنادقهم جاهزين لإطلاق النار. لم يكن يُسمع لا صهيل الخيل ولا نباح الكلاب. وسخّر الله لنا ظلام الليل لصالحنا. النساء حملن الأطفال وألقمنهم أثداءهن ليرضعوا وحزمن رؤوسهم. كل رجل أخذ معه ما استطاع حمله، ورفعوا الباقي على ظهور البغال، إلى جانب المُسنين والمرضى.
بعد ساعات قليلة من المسير، مرت منا قافلة كبيرة بعيدا عن مكان «المْحلّة»، ولكن لا أحد من الحراس أرسل إشارة أو إنذارا، ولم تكن أية دورية تراقب تحركاتهم. عندما ابتعدوا، وقفتُ فوق الصخور خارج منزلي، ونظرتُ عبر السهل. وقال لي الخدم:
-يا مولاي، إنهم سوف يقصفون منزلك وسوف يُدمر كل شيء.
أجبتهم:
-مقابل كل صخرة يرمونها، سوف يبنون لي سورا ويدفعون لي مالا مقابل كل ما سأخسره. لا يكن لديكم أي شك أبدا في هذا الأمر.
ثم ركبنا خيولنا واتجهنا نحو أعلى التل، حيث يمكننا رؤية ما يحدث، لكن بقية أفراد قبيلتي اتجهوا جميعا نحو بني مسوار، حيث أصبحوا لاجئين عند «زلاّل» الذي سمعوا عنه أن «يديه مفتوحتان مثل غربال، وثروته تجري مثل الوادي نحو جيوب الآخرين».
كان رجال قوات المْخزن ممتلئين تماما مثل ما يحدث للشعير بعد هطول المطر. بحكم أن التعزيزات وصلتهم من طنجة، لكنهم لم يكونوا مستعجلين أبدا للتقدم نحو الأمام.
كان هناك قناص فرنسي مع المْخزن ذلك اليوم، ولم تعد القذائف تتطاير عشوائيا.
سرعان ما رأيتُ الأسقف تنهار والجدران تتساقط في كل اتجاه كما لو أنها تصدر من نافورة، لكنني لم أقل شيئا. كل شيء قابل للتلف محكوم عليه في النهاية بالدمار ومواد البناء موجودة على الأرض. وبالنسبة لي، العمل مُتاح ومحكوم دائما بعدد السكان.
في الحقيقة، بناء منزل ليس بالعمل الصعب. كانت الشمس فوق رؤوسنا عندما تقدمت المْحلة نحونا. كانوا يتقدمون ببطء ويرتجفون تماما كما ترتجف الطيور عندما تنزل إلى الماء خائفة من وجود فخ.
عندما وصلوا مسافة تسمح بإطلاق النار دون تصويب، رفعوا بنادقهم نحو الأعلى، ووصلنا صوت إطلاق النار بعيدا حيث كنا جالسين خلف الصخور.
لا بد وأنهم قتلوا كل سحلية وخنفساء في «زينات». لقد أمطروا القرية بوابل من الرصاص لكنهم لم يتلقوا أي رد. كانت «زينات» تنتظر «المكتوب» وما هو مقدر لها في صمت.





