شوف تشوف

الافتتاحية

هوس «البوز»

أصبحت المشاهد المخزية والتصريحات البهلوانية التي تتكرر سنوياً أمام مراكز امتحانات الباكالوريا جزءا من مشهد الرداءة العامة، الذي نعيش على إيقاعه اليوم، فليس من المقبول أخلاقا وقانونا أن يتوجه الإعلام وصناع المحتوى والمدونين إلى مدارس بعينها في البيضاء ومراكش ويترصدون تلاميذ بعينهم خرجوا من امتحانات الامتحانات للإدلاء بتصريحات صحافية مثيرة، بغرض تحقيق أوسع انتشار وتحقيق ما يُسمّى «البوز»، فيما الأمر لا يعدو أن يكون مجرد استغلال تجاري للقاصرين في تصريحات صحافية دون وعي منهم، وتوجيههم نحو خلق صورة سيئة عن أكثر من ربع مليون تلميذ يجتازون الاختبارات الإشهادية.

ببساطة، إنه هوس الحصول على الشهرة وحصد أكبر عدد من المتابعين الذي جعل بعض المنابر الإعلامية وصانعي المحتوى يفقدون بوصلتهم الأخلاقية وينسون أنهم محاطون بمدونة أخلاق وبقوانين لحماية القاصرين، عند تغطية أجواء اجتياز التلاميذ امتحان الباكالوريا، فالمتتبع لـ«السونورات» سيجد أن هناك انتقاء واضحا ومقصودا و«مخدوما» لمن سيدلي برأيه، ولكل الارتسامات الشاذة والمشوهة للمترشحين قصد بثها للعموم، ومحاولة إظهار تلاميذ مراهقين بمظهر المجرمين وقطاع الطرق ومنعدمي التربية ومجموعة من الكسالى.

صحيح أن «البوز» يجلب المتابعة وبالتالي العائدات المالية، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب صورة التلميذ، فهناك عشرات الآلاف من التلاميذ متفوقون يجتازون الباكالوريا بنجاح وبمعدلات مشرفة، لكن إعلامنا يركز على بعض التلاميذ الضحايا الذين يتباهون علانية بخرقهم لقانون الغش، ويتهكمون على الأساتذة ويرددون قصصا سخيفة عن الامتحانات. وفي غمرة هذا التسابق المرضي للحصول على «البوز» من أفواه قاصرين، لا ننتبه أننا نضرب في العمق صورة مدارسنا وأساتذتنا وبرامجنا واجتهاد تلاميذنا ونطعن في قيمة شهادة الباكالوريا المغربية وأكثر من ذلك نسيء إلى صورة البلد برمته، ففي غمرة هذا الهوس الإلكتروني نساهم في تطبيع سافر للأجيال اللاحقة مع هذه التجاوزات القانونية والسب والقذف والتعايش مع الاعترافات العلنية بالغش في الامتحانات، وهي ثقافة غير محمودة العواقب مادام لم يترتب عليها أي جزاء قانوني لحد اليوم.

والحقيقة التي تتحاشاها عدسات مصوري «البوز» أن هناك عشرات الآلاف من التلاميذ المجدين الذين اجتازوا امتحانهم بكل نجاح وتفوق، وتنتظرهم أعلى المعاهد والمؤسسات الجامعية داخل الوطن وخارجه للالتحاق بها ونيل شهاداتها المرموقة. للأسف مثل هؤلاء والذين يمثلون الأغلبية داخل تلاميذ الباكالوريا لا يجدون مكانا في الإنصات لهم ولا يثيرون رغبة صناع التفاهة لأنهم يعلمون أن ارتساماتهم لا تجلب متابعة ولا تحقق أرباحا ولا تحقق الاتجار بمآسي تلاميذ قاصرين لا يعلمون حجم خطورة أقوالهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى