
محمد اليوبي
قدم محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها، أول أمس الثلاثاء، أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، مقترحات وتوصيات الهيئة بخصوص مشروع قانون المسطرة الجنائية المعروض للدراسة على أنظار اللجنة البرلمانية.
ودعا بنعليلو إلى إعطاء دينامية خاصة لآليات التبليغ والكشف عن جرائم الفساد ومتابعة مرتكبيها، وتعتبر الهيئة أن الحفاظ على سلطة النيابة العامة في إجراء الأبحاث وتحريك المتابعة في جرائم الفساد أمر جوهري في دينامية محاربة الفساد، وبالتالي ترى أن صيغة التعديل التي وردت بها المادة 3 من حيث كونها تحصر نطاق إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في الجرائم الماسة بالمال العام، في الطلب المقدم من طرف «الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وإحالة كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك»، تشكل تضييقا على هذا المبتغى، بل وفيها إقرار غير مبرر لتقييد مزدوج لصلاحيات النيابة العامة لفائدة تقديرات إدارية تستند إلى وجهات نظر تقنية/ تدبيرية أكثر منها جنائية.
وهو ما يشكل، بحسب الهيئة، مسا واضحا بالهدف من توسيع مفهوم المبلِّغ وحمايته ليشمل، بالإضافة إلى الشاهد والضحية والخبير الذين يعتبرون أطرافا في الدعوى العمومية، الشخصَ الذاتي أو المعنوي، سواء كان موظفا عموميا أو مستخدما بالقطاع الخاص أو شخصا عاديا، وسواء كان هيئة مجتمعية أو منظمة غير حكومية أو هيئة مهنية أو شركة، ما دام التبليغ لن يصبح له أي أهمية في ظل القيود المفروضة على النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية.
ونبه بنعليلو إلى أهمية اعتماد منظور موضوعي وواقعي للتقادم منسجم مع خصوصيات جرائم الفساد، وفي هذا الصدد، تعتبر الهيئة أن احتساب مدد تقادم الدعوى العمومية من يوم ارتكاب الجريمة، طبقا لمقتضيات المادة 5 من قانون المسطرة الجنائية، من شأنه، أن يؤدي إلى نوع من إفلات مرتكبي هذه الجرائم من المتابعة، خاصة أن الركن المفترض الأساسي في هذه الجرائم هو الموظف العمومي، وأن استمرار هذا الأخير في وظيفته يتيح له، في حال ارتكابه لجريمة فساد، فرص التستر عليها إلى حين مرور مدة التقادم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجنح التي تتقادم في التشريع الحالي بأربع سنوات فقط.
وتوصي الهيئة بالتنصيص على تعليق العمل بالتقادم في جرائم الفساد، أو على الأقل احتساب سريانه بالنسبة إلى هذه الجرائم ابتداء من تاريخ اكتشافها، أو ابتداء من ترك الوظيفة بأي شكل من الأشكال، باعتبار الاستمرار في الوظيفة يشكل فرصة للتستر على جرائم الفساد وإخفائها.
كما دعت الهيئة إلى الالتفات إلى مجموعة من الإشكاليات التي تطرحها الآجال القانونية المحددة لتقادم العقوبات المطبقة على هذه الجرائم عندما يتعلق الأمر بعقوبة المصادرة، التي ترى الهيئة استثناءها من مقتضيات التقادم العادي، وذلك إما بالتنصيص على تعليق العمل به بالنسبة إلى هذه العقوبة، أو على الأقل بالتنصيص على مدة مساوية للتقادم المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية بالنسبة إلى الأحكام المتعلقة برد وإرجاع الأموال إلى المتضررين المطالبين بها.
ودعت الهيئة إلى الحفاظ على حق جمعيات المجتمع المدني في الانتصاب كطرف مدني واجب معياري بمكانة متميزة في منظومة المكافحة، وتعتبر الهيئة أن التعديلات التي جاءت بها المادة 7 والرامية إلى اشتراط حصول الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة على إذن بالتقاضي من السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، حسب الضوابط التي يحددها نص تنظيم لانتصابها كطرف مدني، من شأنها أن تحد من إمكانيات انتصابها كطرف مدني أمام القضاء، وأن تمس بمكانة هيئات المجتمع المدني الجادة، سواء من جانب مكانتها الدستورية، أو من جانب المقتضيات القانونية ذات الصلة بالحريات العامة، خاصة وأن الهيئة ترى أن التراجع عن صيغة النص الحالي للمادة 7 لا يستند إلى مبررات قوية داعمة له، وبالتالي ترى الهيئة أن هذا المقتضى سيشكل تضييقا غير مستساغ على حق الجمعيات الجادة في الانتصاب كطرف مدني، ولو لمجرد مظنة اعتبار الإذن المطلوب قد يخضع لتقديرات غير قضائية يتولاها جهاز تنفيذي.
كما دعت الهيئة إلى عدم التضييق على المتضررين من جرائم الفساد، وتعتبر أن التعديل القاضي بإلزام الطرف المدني الذي يقيم الدعوى أمام قاضي التحقيق أو أمام هيئة الحكم بتضمين مذكرته المعلومات المتعلقة بهوية المتهم ووقائع القضية المعروضة والتكييف القانوني لها والأدلة والمستندات المدعمة لها، يصل بحسب صياغة نص المشروع، إلى مستوى «أن يضع شرطا تعجيزيا» من شأنه أن يؤدي إلى عرقلة الولوج إلى القضاء، وأكدت الهيئة أن هذا التعديل لا يستند إلى أي دراسة موضوعية تبرر هذا التحول عما أقره القانون والعمل القضائي منذ مدة، وخاصة في سياق جرائم فساد ليس بإمكان المشتكي العلم بحيثياتها وتفاصيلها. لأن من خصائصها أن ترتكب في سرية تامة، أو باتفاق بين أطراف متواطئة، أو بالتحايل على مساطر قانونية، أو بالتداخل مع جرائم أخرى، ويتعدد فاعلوها وتتنوع مراكزهم القانونية وتتفاوت درجة مساهمتهم أو مشاركتهم في الجريمة؛ الأمر الذي يجعل تكليف المتضرر بتحمل عبء التكييف القانوني لوقائعها والإدلاء بالتفصيلات الواردة في المشروع، أمرا شبه مستحيل، مما قد يساهم بالتالي في تحجيم إحدى أهم القنوات المتاحة للتحقيق والحكم في جرائم الفساد والكشف عن مرتكبيها، مع العلم أن التكاليف الإجرائية التي جاء بها هذا التعديل تعتبر من صميم مهام البحث والتحري التي يضطلع بها ضباط الشرطة القضائية.





