وزارة الصحة.. الحقيبة الملعونة
وزراء تجرعوا مرارة تدبير قطاع يعيش أعراض المرض

فجر طبيب يشتغل بالمركز الاستشفائي الجهوي الحسن الثاني بمدينة أكادير حقائق صادمة من داخل المركز الاستشفائي، عبر شريط مصور، كشف فيه تفاصيل مثيرة لعدد من الممارسات والسلوكات. وانتشر الشريط بسرعة فائقة عبر تطبيقات الهواتف النقالة، بعدما كشف الطبيب الذي التحق بالمستشفى، قبل خمسة أشهر، أن الأطباء خلال الاستشارات الطبية والفحوصات السريرية، فوجئوا بوجود عطل في تجهيزات المستشفى.
حسن البصري :
في اليوم الموالي، شهد المرفق الصحي وقفات احتجاجية من فعاليات ونشطاء وحقوقيي أكادير أمام المدخل الرئيسي، تحولت إلى احتقان اجتماعي في المدينة.
بعدما أعفى أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، مدير المستشفى الجهوي بأكادير، تسارعت وتيرة الأحداث فتساقطت أسماء المسؤولين تباعا، بدءا من المديرة الجهوية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية سوس ماسة، وكذا المندوب الإقليمي للصحة أكادير إداوتنان، وذلك مباشرة بعد زيارة الوزير للمستشفى الجهوي، صباح يوم الثلاثاء 16 شتنبر 2025.
عاش التهراوي أصعب موقف في حياته كوزير وهو يتلقى سيل الانتقادات أمام بوابة المستشفى، الذي أصبح يحمل في منصات التواصل الاجتماعي اسم “مستشفى الموت”.
في ظل هذا الوضع، سيتعرض وزير الصحة لسيول من الانتقادات، وصلت إلى حد النبش في سيرته الذاتية. وهو الرجل الذي حاول وضع مساحيقه على قطاع يعاني من تشوه حقيقي، إن على مستوى ضعف خدمات القطاع الصحي العمومي أو قوة الجشع الذي يسكن كثيرا من المصحات الخصوصية.
ليس التهراوي هو وزير الصحة الوحيد الذي سكنته آلام الرأس بسبب مشاكل القطاع، وليس الوحيد من بين الوزراء الذين عهد إليهم أمر تدبير قطاع حساس يتعلق بصحة المواطن، فقد سبقه كثير من الوزراء إلى اقتناء المسكنات.
في الملف الأسبوعي لـ”الأخبار”، نسلط الضوء على حقيبة الصحة المسكونة بوجع الرأس.
نبيلة الرميلي.. سلة بلا عنب
في يوم 14 أكتوبر 2021، أصدر الديوان الملكي قرارا يقضي بإعفاء وزيرة الصحة نبيلة الرميلي من منصبها، بطلب منها، بعد أسبوع من تعيينها، وعين بدلا عنها سلفها، خالد آيت الطالب، الذي كان يستعد لحضور حفل تسليم السلط قبل أن يحتفظ بمستنداته بعد تمديد عمره في الوزارة. بدأت الحكاية في 7 أكتوبر وانتهت بعد أسبوع، بدأت بتعيين الملك لحكومة جديدة برئاسة عزيز أخنوش ضمت 24 وزيرا، عقب انتخابات الثامن من شتنبر 2021. لكنها انتهت ببيان استبدال وزاري قل نظيره.
قال البلاغ الصادر عن القصر الملكي، إنه “طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور وباقتراح من رئيس الحكومة تفضل الملك محمد السادس، نصره الله بتعيين خالد آيت الطالب وزيرا للصحة والحماية الاجتماعية خلفا لنبيلة الرميلي”.
ويأتي هذا التعيين بناء على الطلب الذي رفعه رئيس الحكومة، للملك بإعفاء الرميلي من مهامها الحكومية، بعدما قدمت ملتمس إعفاء من أجل التفرغ الكامل لمهامها كرئيسة لمجلس مدينة الدار البيضاء.
ورغم أن نبيلة ليست بغريبة عن قطاع الصحة، حيث شغلت مهمة مديرة جهوية لوزارة الصحة على مستوى ولاية الدار البيضاء، إلا أنها فضلت الهم الجماعي على الهم الوطني، سيما في ظل جائحة كورونا.
وقالت نبيلة الرميلي، وزيرة الصحة والحماية الاجتماعية مع وقف التنفيذ، إنها اختارت التفرغ لخدمة الدار البيضاء، وإن الجمع بين تسيير مدينة الدار البيضاء بتحدياتها وانتظاراتها وقطاع الصحة وما يعيشه من مشاكل أمر صعب.
“اخترت بكل شجاعة البقاء على رأس مجلس الدار البيضاء والاستقالة من منصب وزيرة للصحة والحماية الاجتماعية لعشقي لهذه المدينة التي نشأت فيها. قطاع الصحة بدوره تربطني به علاقة كبيرة، لكن، للأسف، كان يجب الاختيار بين البيضاء والوزارة، فاخترت المدينة حيث يمكن أن أجد ذاتي. شكرا للملك محمد السادس الذي تفهم موقفي وقبل ملتمسي حتى لشؤون مدينة الدار البيضاء، والتي يعرف احتياجاتها”.
الخطيب.. فتح عيادته للمقاومين وكان عابرا بالوزارة
كان عبد الكريم الخطيب يصر على حمل صفة الطبيب بدل السياسي، وظل وفيا لقسمه المهني إلى أن تقاعد من مهمته في مصحة الضمان الاجتماعي بالرباط، حينها أصبحت مساحة السياسة تتسع على حساب الطب.
نشأ عبد الكريم الخطيب في بيئة دينية محافظة، من سلالة الفقيهين الكباص والفاطمي بن سليمان، وكانت والدته من النساء القليلات في المغرب، اللواتي حفظن القرآن، ودرس في الجديدة والجزائر وباريس.
يقول صديقه الدكتور محمد مكاوي إن “إقامة عبد الكريم في باريس كانت كذلك فرصة للدخول في المعترك السياسي من خلال الاحتكاك مع بعض المناضلين المغاربة والتونسيين والجزائريين، الذين كونوا جمعية طلبة نجم شمال إفريقيا، التي كانت في الواقع النواة الصلبة لكل حركات التحرير في المغرب العربي. عاد عبد الكريم من باريس وفي حقيبته دبلوم دكتور جراح”.
خلال وجوده في باريس، كان يشرف على صحة المهاجرين المغاربة، وبعد عودته إلى المغرب، فتح عيادة في كراج علال بالبيضاء كان لمعالجة الناس من الأمراض. وحين يغلق عيادته يفتح بيته للنقاش السياسي ويستضيف أقطاب الحركة الوطنية.
شغل الخطيب عدة مناصب وزارية، حيث تقلد مناصب عديدة، إذ انتخب سنة 1956 مسؤولا أعلى للمقاومة المسلحة، وعينه الملك محمد الخامس وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية سنة 1960. وعين وزيرا مكلفا بالشؤون الإفريقية سنة 1961، كما عين وزيرا للصحة لفترة لا تتجاوز ثمانية أشهر، حيث أصبح رئيسا لأول برلمان عرفه التاريخ المغربي الحديث سنة 1963، إلى أن أعلنت حالة الاستثناء سنة 1965. جرفه تيار السياسة من الطب حين أنشأ حزبا سمي بالحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، فكان منهج هذا الحزب هو المعارضة التامة لكل المسلسلات الانتخابية التي عرفها المغرب بين سنوات 1965-1990، والتي غالبا ما كان يدعو إلى مقاطعتها.
وخلال فترة مقاومة الاستعمار، ظلت عيادة عبد الكريم الخطيب، في درب السلطان بالدار البيضاء، مفتوحة بالمجان لفائدة المقاومين والمعوزين، وشكل لوحده مؤسسة لرعاية أسر الشهداء، في زمن كانت أسرة الخطيب تضم وزيرين، وهما: عبد الرحمن الخطيب الذي لم يعمر طويلا في وزارة الداخلية ولم يقترن اسمه بها كأسماء أخرى، إلا أنه كان وزيرا للداخلية في فترة الستينات ووزيرا للشبيبة والرياضة، وعبد الكريم الخطيب الذي تقلب في مناصب حكومية كبيرة كوزير للصحة وللشؤون الإفريقية ورئيس للبرلمان، ومؤسس حزبين سياسيين، وأكثر من ذلك قربه من القصر، حيث كانت مريم الكباص، والدة الوزيرين، صديقة للالة عبلة، والدة الملك الحسن الثاني، حيث كانت تدخل القصر دون تأشير.
“عاش الدكتور الخطيب ومات متواضعا رؤوفا بالمستضعفين وبالمهمشين وبالمظلومين ومات ديمقراطيا، إسلاميا وسطيا وملكيا إلى درجة التطرف، فلا أنسى له كذلك عدة مواقف رجولية وإنسانية حتى مع أعدائه وخصومه السياسيين”، يضيف رفيق دربه محمد مكاوي.
الدكالي.. كيميائي عابر سبيل في قطاع الصحة
لم يدم مقام أنس الدكالى على كرسي وزارة الصحة سوى سبعة أشهر، وهي مدة قصيرة في تدبير القطاع لا تكفي حسب مكاتب الدراسات لإعداد تشخيص عميق حول القطاع. وقد سبقه في هذا العبور القصير وزير سابق للصحة العمومية يدعى عبد اللطيف الكراوي، الذي كان وزيرا للصحة لمدة ستة أشهر فقط، فيما قضى عبد المجيد بلماحي ثمانية أشهر وهو يحمل صفة وزير الصحة.
أنس الدكالي من مواليد 4 أبريل 1973 بالرباط، وهو أستاذ وسياسي مغربي. تم تعيينه وزيرا للصحة في 22 يناير 2018 في حكومة سعد الدين العثماني، ولم يكن أنس حاصلا على شهادة الدكتوراه في أي تخصص طبي، بل يعد من المتخصصين في الكيمياء، وله دكتوراه في الكيمياء الفيزيائية نالها من كلية العلوم بالرباط سنة 2002، وكان مديرا عاما للوكالة الوطنية لإنعاش الشغل والكفاءات، قبل أن يشم رائحة الأدوية.
تولى الإشراف على مختبر التحليلات البيئية ما بين 2002 و2005، ومنصب نائب رئيس الجمعية العالمية لخدمات التشغيل العمومي لمنطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية، أي أنه ظل بعيدا عن قطاع الصحة، إلى أن أصبح أستاذا للكيمياء التحليلية بكلية الطب والصيدلة بالرباط من 2007 إلى 2011.
وانتخب الدكالي، الذي التحق في ريعان شبابه بصفوف حزب التقدم والاشتراكية حيث كان عضوا باللجنة المركزية والمكتب السياسي، نائبا بمجلس النواب، وأصبح بعد ذلك عضوا بمجلس جهة الرباط سلا زمور زعير، وبموازاة مع وظائفه، انتخب أيضا عضوا بالمجلس الإداري للمركز الاستشفائي ابن سينا.
عاش أنس أصعب أيام حياته وهو وزير للصحة، فقد فتح عدة جبهات ستنتهي باستبعاده عن قطاع يحتاج لمنوم حقيقي، فقد أعلن الدكالي استقالته من المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، بسبب “محاكته في كل اجتماع بدون أن يترك له حق الرد”، وفق تعبيره.
وأضاف الدكالي في لقاء صحفي بالرباط بأنه لا يحضر اجتماعات المكتب السياسي منذ مدة، “نظرا لأن المكتب يتحامل عليه بشكل كبير ويقوم فقط بمحاكمته”، بينما الوزير يصر على البقاء في حكومة العثماني ضدا على قرار حزبه.
كما واجه أنس الدكالي، وزير الصحة، فضيحة من العيار الثقيل، بعد توجيه اتهامات خطيرة إلى مسؤول بمديرية الأدوية التابعة للوزارة، بممارسة ابتزاز للشركات المصنعة للأدوية.
والغريب أن المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية بمجلس النواب، وجهت سؤالا كتابيا عبر النائب البرلماني، رشيد الحموني، إلى وزير الصحة، أنس الدكالي، التقدمي، يسائله حول تأخره في فتح تحقيق نزيه وموضوعي لتحديد المسؤوليات حول بعض شركات صناعة الأدوية التي تعرضت لابتزازات من قبل مسؤول في مديرية الأدوية بوزارة الصحة.
كما فتح أنس جبهة مع الصحافة حين راسل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، مشتكيا من انتقاد إعلامي لمشكل المستعجلات، ما عجل برحيله.
بنزاكين.. وزير الصحة المريض
كان ليون بنزاكين الطبيب المغربي اليهودي، الأجدر بأن يعين وزيرا للصحة في أول حكومة بعد الاستقلال، نظرا لكفاءته الطبية، لكن ذلك لن يحصل إلا في التعديل الحكومي الذي مس الحكومة المغربية سنة 1956. ليون بنزاكين، يعد واحدا من أشهر الأطباء الذين عرفهم المغرب، ولد في طنجة في آخر يوم من سنة 1928، حيث كان من مؤسس الرابطة اليهودية.
سينطلق الطبيب إلى داخل دواليب العمل السياسي المغربي، بطريقة رتبتها له الظروف وحدها، حتى يحصل على وضع اعتباري في مغرب الأربعينات وبداية الخمسينات. وعندما حصل المغرب على الاستقلال، تم تعيينه وزيرا للبريد والمواصلات، ثم أصبح وزيرا للصحة، وهو المجال الذي يناسبه، واستمر فيه إلى حدود سنة 1958، كما شغل منصب طبيب الملك محمد الخامس، وقد كان من بين الأطباء المقربين منه ومن عدد من الوزراء والشخصيات العمومية في مغرب الخمسينات.
في أول تعديل حكومي في تاريخ المغرب، أصبح لدينا طبيب يهودي مغربي، وزيرا للصحة. لكن الأخير لم يكن قادرا على بدء ورش حقيقي لإصلاح القطاع الصحي بالمغرب، لأن الدولة لم تكن تتوفر بعد على ميزانية تكفي لدعم مشاريع بناء المستشفيات. وهكذا تم التركيز في البداية على استغلال الأطر الطبية الفرنسية، وجعل المغاربة ينفتحون على الطب كمساعدين للأطباء في انتظار أن تتكون نخبة مغربية كافية، من حيث العدد، لرسم الملامح الأولى لوزارة الصحة المغربية.
التحديات كانت كبيرة جدا خلال الخمسينات. وتبقى الدعوة الوطنية للتلقيح خلال نفس الفترة، واحدة من أولى العمليات التي باشرتها وزارة الصحة في نسختها المغربية، لتعميم التلقيح ضد الأمراض المعدية على أكبر نسبة ممكنة من المواطنين. وتم الأمر بطبيعة الحال بإشراف أطباء فرنسيين وممرضات أجنبيات.
تقول الروايات إن بنزاكين كان واحدا من الوجوه اليهودية المغربية، المطلوبة لتعزيز حضور اليهود في المرحلة الجديدة من بناء المجال السياسي للبلاد بعد الاستقلال. خصوصا أنه كان يهوديا غير عادي، جمع بين الطب والعمل الإنساني باعتباره من مؤسسي الرابطة اليهودية بشمال المملكة.
أصيب بنزاكين بمرض مفاجئ فتم نقله إلى فرنسا لتلقي العلاج على يد أحد الأطباء اليهود في باريس، هناك تبينت إصابته بالتهاب رئوي بسبب إدمانه على التدخين، وهو ما تطلب منه غيابا عن المشهد السياسي وعن اجتماعات حكومة البكاي، وحين علم الملك محمد الخامس بالأمر وهو في باريس، قرر عيادته، مما أدخل السرور على ليون، الذي كتب عن هذه الزيارة واعتبرها بلسما لمعاناته الصحية.
لكن حظ بنزاكين كان عاثرا، إذ إن وفاة محمد الخامس قد حالت دون بقائه ضمن التشكيلة الحكومية بداية الستينات، خصوصا وأن علاقاته الوطيدة مع بعض المنظمات اليهودية خارج المغرب وخارج إسرائيل أيضا، جعلته يختار مغادرة المغرب.. لأن الظروف السياسية التي مرت منها منطقة الشرق الأوسط، انعكست على الوجود اليهودي بالمغرب، ولم تعد ظاهرة استوزار اليهود في الوزارات والدواوين إلا سنوات الثمانينات، وكان بنزاكين قد رحل عن الدنيا قبلها وتحديدا سنة 1977.
بنهيمة.. طبيب عبر من وزارة الصحة إلى الأشغال العمومية
في سنة 1945، اختار الملك الراحل محمد الخامس الشاب محمد بنهيمة لينتقل من مدينة آسفي إلى نانسي الفرنسية لدراسة الطب على نفقة القصر، إلى جانب طلاب آخرين، كان يريد من وراء ذلك إعداد جيل جديد من الكفاءات التي يمكن أن تسد الفراغ الذي سيخلفه الاستعمار بعد رحيله..
عاد امحمد إلى المغرب بعد استكمال دراسته وهو يحمل شهاد الدكتوراه في الطب تخصص طب النساء، ترك زوجته في فرنسا وهي حامل، بعد اتفاق على أن تكون عودتها بعد الوضع.
عين امحمد طبيبا في مستشفى ببنسليمان، لكن ما إن علم الأهالي بزواجه من “نصرانية” حتى أعرضوا عنه، وتم تعيينه من جديد في قرية حد كورت ضواحي القنيطرة، حيث ستلتحق به ماريا التي أسلمت وأصبحت تحمل اسم شامة، بينما حل إدريس بنهيمة بالمغرب رفقة والدته وعمره لا يتعدى بضعة شهور. وفي حد كورت ولد ابنها الثاني نجيب.
بعد عبور قصير في وزارة الصحة العمومية، اختير وزيرا للأشغال العمومية في يونيو 1962، من بين أعضاء الحكومة التي ترأسها الملك الحسن الثاني، ولم يمض وقت طويل على توليه تلك المهمة حتى أنيطت به مسؤولية التجارة والصناعة والملاحة التجارية، ثم عاد إلى قطاع الأشغال العمومية للمرة الثانية، “بيد أن اسمه سيرتبط في أذهان جيل المرحلة بتوليه وزارة التربية الوطنية، وقد ضمته حكومة واحدة إلى جانب شقيقه أحمد الطيب بنهيمة كوزير للخارجية.
بن الشيخ.. أول وزير للصحة ليس طبيبا
تخصص الطيب بن الشيخ في التخطيط والدراسات، لكنه أصبح أول وزير للصحة غير ممارس للطب أو دارس له في تاريخ المغرب.
رأى الطيب بن الشيخ النور بمدينة مكناس وعاش بها في منزل عتيق يعرف بمنزل ميشيل جوبري، تحول في ما بعد إلى مكتبة. كان جد نشيط خلال مساره الدراسي، فبعد حصوله على الباكالوريا في العلوم سنة 1957، سنة واحدة بعد حصول المغرب على استقلاله، غادر لإتمام دراسته العليا بفرنسا. وهكذا فقد حصل على التوالي على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد بجامعة باريس سنة 1962، ودبلوم في العلوم السياسية من معهد باريس للدراسات السياسية سنة 1963، ثم على دبلوم من المعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بباريس سنة 1967. وخلال هذه الفترة كان الراحل عضوا، ثم رئيس فدرالية الطلاب المغاربة للحزب الشيوعي وعضو مكتب فيدرالية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا. لم يقض بن الشيخ وقتا طويلا ببلاد الأنوار بعد انتهاء مساره الدراسي الحافل، بل عاد مباشرة إلى أرض الوطن، ليتأبط حقائب وزارية.
في سنة 1977، عينه الحسن الثاني وزيرا منتدبا مكلفا بالتخطيط والتنمية الإقليمية وتكوين الأطر. وفي سنة 1979، سيعين من جديد وزيرا مكلفا بالتخطيط والتنمية الجهوية، ثم وزيرا مكلفا بالشؤون الاقتصادية بين 1983 و1985، فوزيرا للصحة سنة 1985، المسؤولية التي استمر فيها إلى غاية 1992. هو أول وزير للصحة دون أن يكون طبيبا، وكان ذلك في حكومة كريم العمراني.
وحسب موقع حزب التجمع الوطني للأحرار، فإن ابن مكناس الطيب بن الشيخ قد تسلم حقيبة الصحة في “سياق جد صعب: برنامج التقويم الهيكلي، لكنه شغل منصب رئيس مجلس وزراء الصحة العرب، كما أن بن الشيخ كان أول وزير صحة يضع أسس الأيام الوطنية للتلقيح، والتي تحولت بعد ذلك للأيام المغاربية للتلقيح. ثم أسس عددا من المؤسسات الصحية، كالمعهد الوطني للإدارة الصحية، والمركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، وساهم في حوسبة إدارة الموارد البشرية بالقطاع، وإنشاء وحدة المعلوميات والمناهج التي ستصبح في ما بعد قسم المعلوماتية والمناهج.
كان الحسن الثاني حكيما حين أسند حقيبة وزارة الصحة إلى رجل التخطيط والاقتصاد، فساد اعتقاد بأن مهاراته في تفكيك المعادلات الاقتصادية، سيسخرها للغوص في أعماق قطاع عانى كثيرا من غياب وتذبذب الرؤية. في زمن كان هم الوزراء المتعاقبين أن يغادروا مناصبهم وهم في صحة أقل مدعاة للقلق.
الهاروشي.. طبيب أطفال ينهي حياته كاتبا لروايات الأطفال
من الدكتور عبد المالك فرج، أول وزير في القطاع، مرورا بالدكتور عبد الكريم الخطيب، الذي ترك مصحته للانشغال بمشاكل لا نهاية لها، وصولا إلى الدكتور عبد المجيد الماحي، ثم الحركي رحال الرحالي.. كان الطيب بن الشيخ أول مسؤول من خارج قطاع الصحة، يعهد إليه بتشخيص أمراضه. بيد أن الدكتور عبد الرحيم الهاروشي سيخلف الطيب بن الشيخ في لحظة ترافقت وإجرائه أول عملية جراحية فريدة من نوعها في المغرب. وعندما استضافته القناة الثانية بدا الرجل إنسانيا وفيا لفكرة الصحة التي يجب أن تكون في خدمة الجميع. وكان الطيب بن الشيخ وراء تعبيد الطريق، وإن كانت مهمته انحصرت في بحث يلائم البنيات والتجهيزات مع واقع الأوضاع الصحية في البلاد. واهتم في غضون ذلك بالتعاطي والقطاع الصحي كمعادلات رياضية، سكب عليها خبرته في التخطيط، بينما كانت الموازنة وضآلة الإمكانات تحول دون تحقيق الأهداف الكبرى.
وقد تقلد الهاروشي ما بين سنة 1985 و1992 منصب عميد كلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء وما بين 1992 و1995 منصب وزير للصحة العمومية في حكومة المغرب 1992، ليصبح في دجنبر 2002 عضوا بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كما تقلد منصب وزير للتنمية والأسرة والتضامن.
وسيخوض عبد الرحيم الهاروشي المتخصص في طب الأطفال معارك طويلة مع النقابات انتهت برحيله عن الصحة والابتعاد عن السياسة قبل أن يعيده الملك محمد السادس لقطاع قريب “التضامن”.
اعتزل عبد الرحيم الهاروشي السياسة وانكب على العمل الاجتماعي من خلال جمعية آفاق التي تنشط في مجال التوعية من أجل المواطنة، وفي نهاية عهدته خاض تجربة الكتابة وأنجز بعض المؤلفات المتعلقة أساسا بالقضايا التربوية، وحين مات أطلق اسمه على مستشفى الأطفال بالدار البيضاء.
الجوطي.. دخل القصر وزيرا للصحة وغادره وزيرا للرياضة
كان الطاهري الجوطي طبيبا للوداد الرياضي والمنتخب المغربي، لم تكن له دراية بالأمور الإدارية، لكنه كان من أول المتخصصين في الطب الرياضي، وبعد اعتزال الجوطي المهنة مع الفريق الوطني أصبح مسيرا داخل الوداد قبل أن يصبح وزيرا للشباب والرياضة.
جاء تعيين الجوطي مفاجئا لأنه أعقب أرسلان الجديدي ولأن المنصب ظل شاغرا بعد التعديل الوزاري، ولعل الجميع كان يعتقد أن طبيب الوداد سينال الحقيبة الوزارة للصحة العمومية، بل إنه كان يتأهب لهذا المنصب وهيأ له مستشاريه قبل أن يفاجأ بحصوله على حقيبة الرياضة.
يقول أبو بكر اجضاهيم الرئيس السابق للوداد في حوار مع “الأخبار”: “كنت أنا والجوطي رفقة الوداد في مدينة فاس حيث كنا نستعد لمواجهة المغرب الفاسي، وفي الفندق أبلغنا موظف الاستقبال بأن وزير الصحة المغربي يسأل عن الدكتور الطاهري الجوطي وأنه يريده في أمر هام، وبعد نهاية المباراة توجهت رفقته على متن سيارته إلى منزل عبد الرحمن التهامي، وزير الصحة العمومية، في الرباط، لم يكن الدكتور الجوطي يعلم أن اللقاء المرتقب يحمل له بشرى التعيين في منصب وزاري. وفي منزل وزير الصحة تلقى الخبر مصحوبا بالتهنئة، وطلب منه المثول في اليوم الموالي بين يدي جلالة الملك لأداء القسم. كان من الصعب على طبيب يبتعد قدر الإمكان عن الأضواء أن يتقبل تعيينا لم يسع إليه، حينها قرر الاعتماد علي لتدبير جميع التفاصيل قبل الحضور إلى القصر، ويمكن القول إنني عينت مديرا لديوانه قبل أن ينال التعيين بشكل رسمي، اعتقادا منا أن المنصب يهم قطاع الصحة”.
لكن الجوطي سيدخل عالم السياسة عبر قطاع الشبيبة والرياضة في الفترة ما بين 27 ماي 1974 و9 أكتوبر 1977، في عز أزمة سياسية ورياضية ضربت المغرب بسبب مشكلة الصحراء التي جعلت الحكومة تعيد برمجة المخصصات المالية فكل الوزارات تعرضت ميزانياتها للشفط بسبب المجهود الحكومي المخصص للصحراء، خاصة وأن ولاية الجوطي تزامنت مع مخاض المسيرة الخضراء، وكنا بصدد إعمار هذه الربوع وإنشاء مؤسسات تابعة للقطاع في الصحراء.
لكن فريق الوداد كان له وزير للصحة وهو الدكتور العربي الشرايبي الذي ترأس الوداد وكان داهية زمانه وعرف عنه حضوره القوي في غرفة القرار داخل حزب الاستقلال، إضافة للطبيب ناصر العراقي ابن المدينة القديمة الذي كانت عيادته قبالة حوض الحوت وأشرف لسنة واحدة، وحين كان يستعد لمنصب حكومي في قطاع الصحة لقي حتفه في حادث سقوط طائرة.
أطباء عامون ونفسانيون وبياطرة في الحكومة
أطباء كثر تسلموا حقائب وزارية في قطاعات بعيدة عن مجال تخصصهم أبرزهم الدكتور أحمد العراقي القيادي في الاتحاد الاشتراكي سابقا، الذي عين وزيرا للبيئة في أول حكومة تناوب مع عبد الرحمان اليوسفي وكان أستاذا بكلية الطب وطبيبا في مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء. ثم عبد الرحيم الهاروشي الذي كان متخصصا في طب الأطفال، والذي عين وزيرا للصحة لفترة قصيرة ثم أصبح وزيرا للتضامن وأسماء عديدة أغلقت عيادتها بعد انتهاء استوزارها.
في السياق ذاته تحول أطباء نفسانيون إلى وزراء، وساهموا في تدبير الشأن الحكومي بعد أن عاشوا سنوات يشخصون الحالات المرضية، على غرار الطيب الشكيلي الذي كان من الأوائل في هذا المجال وهو المتخصص في الأمراض العصبية وتقلد مهمة مدير أكثر من مصلحة متخصصة في هذا المجال، إضافة إلى الدكتور سعد الدين العثماني، القيادي في حزب “العدالة والتنمية” الذي مارس مهنة الطب النفسي منذ عدة سنوات، كما أنه ضليع في الفقه الإسلامي، ولديه مؤلفات في هذا المجال.
ويمكن أن ينضاف لهؤلاء، بياطرة تقلدوا مهاما حكومية كعبد الحفيظ القادري وحمو أوحلي.





